تونس تبحث عن رئيس الحكومة التاسعة.. ووزير المالية أبرز المرشحين

السبسي حذر التونسيين من الوقوع في الهاوية.. والغنوشي أقنع الحبيب الصيد بالاستقالة

من اجتماعات سابقة للحكومة التونسية برئاسة الباجي قايد السبسي (أ.ف.ب)
من اجتماعات سابقة للحكومة التونسية برئاسة الباجي قايد السبسي (أ.ف.ب)
TT

تونس تبحث عن رئيس الحكومة التاسعة.. ووزير المالية أبرز المرشحين

من اجتماعات سابقة للحكومة التونسية برئاسة الباجي قايد السبسي (أ.ف.ب)
من اجتماعات سابقة للحكومة التونسية برئاسة الباجي قايد السبسي (أ.ف.ب)

بدأ ساسة تونس وصناع القرار فيها يستعدون لمرحلة، ما بعد حكومة الحبيب الصيد، بعد البيانات الحكومية والحزبية الرسمية التي صدرت أمس، وكشفت عن توصل قيادات الحزبين الكبيرين في البلاد، «النهضة» و«نداء تونس»، إلى خطوة أولى من «التوافق» حول تغيير الفريق الحاكم وتشكيل «حكومة وحدة وطنية»، ودعا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي نقابات العمال ورجال الأعمال إلى المشاركة فيها.
وفي الوقت الذي كشفت فيه رئاسة الجمهورية عن النص الكامل لمبادرة الرئيس ومبرراتها الأمنية والاقتصادية، تزايدت تخوفات المراقبين لتطورات الأوضاع لأن «الوثيقة الرئاسية» فسرت معنى تحذيرات قائد السبسي للتونسيين من «السقوط في الهاوية» إذا لم ينجحوا في الإفلات من العجز المالي الشامل العام المقبل. وانطلقت معارك الكواليس بين قيادات الأحزاب الحاكمة والمعارضة والنقابات منذ فاجأ الرئيس التونسي يوم 2 من الشهر الحالي الجميع بـ«مبادرة» مثيرة للجدل حول «تشكيل حكومة وحدة وطنية»، أورد رئيس الحكومة الحبيب الصيد وساسة بارزون أن السبسي لم يعلمهم مسبقًا بها.
وتسبب ذلك في معارضة الحبيب الصيد وساسة من عدة تيارات علنا للمبادرة طوال أسبوعين بحجة «مناقضتها للدستور»، و«حاجة البلاد للاستقرار»، ولاستكمال «المهمات الوطنية والدولية التي كلفت بها الحكومة الحالية عند تشكيلها قبل نحو 6 أشهر»، ومن بينها تنظيم الانتخابات البلدية والمحلية مطلع العام المقبل، وتنظيم مؤتمر دولي كبير عن الاستثمار والتنمية في تونس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وأكدت تصريحات خالد شوكات القيادي البارز في حزب نداء تونس الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة تلك «التحفظات».
اعتراضات.. ثم مساندة
لكن «المعركة بين قصري رئاسة الجمهورية والحكومة» لم تدم طويلاً. فقد نجح قائد السبسي في «امتصاص غضب» معارضي مبادرته عبر سلسلة اللقاءات الفردية والجماعية التي عقدها مع وزراء بارزين في عهد زين العابدين بن علي، ثم مع زعماء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الرباعي الحاكم وفي المعارضة. كما «امتص» الرئيس التونسي خلال محادثات الكواليس «غضب المعارضة اليسارية»، و«تحفظات حزب النهضة» بزعامة راشد الغنوشي، بعد سلسلة التصريحات التي صدرت عنهم، ودافعوا فيها خاصة عن «حاجة البلاد إلى الاستقرار الحكومي»، في بلد تغيرت فيه الحكومة 8 مرات منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) 2014. وقد صدرت مثل تلك التصريحات خاصة عن رئيس كتلة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري قبل أن «يتطور» موقفه بدوره إلى مساند للمبادرة الرئاسية. وهكذا انتصرت «البراغماتية» مجددا في قيادة حركة النهضة والأحزاب اليسارية التي انخرطت في مسار «الترحيب والمساندة» لمبادرة قائد السبسي الداعية إلى تشكيل «حكومة وحدة وطنية».
تغييرات.. وثوابت
لكن رغم نداءات رئيس الدولة وكل ساسة تونس البارزين إلى ضرورة «إعطاء أولوية مطلقة للملفات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها الاستثمار والتشغيل»، انتصرت «المناورات السياسية» وبدأ «التنافس» من أجل افتكاك «مواقع إضافية» في الحكومة التاسعة التي أعلن نور الدين بن نتيشة المستشار السياسي لرئاسة الجمهورية أنها سوف تكون جاهزة قريبا. في هذا السياق انتقد زعماء «المعارضة اليسارية والاشتراكية» مثل زياد الأخضر وحمه الهمامي وزهير حمدي، مبادرة تغيير الحكومة وطالبوا أولا بـ«صياغة برامج إنقاذ جديدة». لكن بعد أن استقبلهم الرئيس في قصر قرطاج رحبوا بـ«المبادرة». وذهب الأمر بزعيم «تيار الوطنيين الديمقراطيين الاشتراكيين»، زياد الأخضر، إلى حد المطالبة بأن تسند وزارات السيادة، أي «الداخلية والدفاع والخارجية والعدل»، لممثلي اليسار التونسي أعضاء «الجبهة الشعبية» التي لديها 15 نائبا فقط في البرلمان. في المقابل أعلن عبد الكريم الهاروني، الرئيس الجديد لمجلس الشورى في حركة النهضة، أن حركته «لم ترفع الغطاء عن رئيس الحكومة الحبيب الصيد نهائيًا، وطالب بأن يصبح لحركة النهضة «حصة أكبر في الحكومة المقبلة تتلاءم مع حجمها السياسي»، باعتبارها صاحبة الكتلة الأولى في البرلمان.
الغنوشي على الخط
وفي الوقت الذي استفحلت فيه الخلافات داخل قيادات حزب نداء تونس والمنشقين عنه حول اسم الشخصية التي يمكن أن تعوض الحبيب الصيد، تزايدت الخلافات داخل قيادات بقية الأحزاب حول الحاجة إلى تغيير رئيس الحكومة، ودعا بعضها إلى «مجرد تغيير بعض الوزراء الفاشلين». وأوشكت «مبادرة الرئيس» أن تسقط، في ظل اعتراض قياديين بارزين من النهضة ومن المعارضة على الإطاحة برئيس حكومة الحبيب الصيد، وتسريب «شائعات» عن تورط مافيات الفساد والاستبداد في محاولة الإطاحة به، على غرار ما جاء على لسان الوزير مدير الديوان الرئاسي عماد الدايمي الأمين العام لحزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
في هذه الأثناء تدخل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة مجددًا ليدعم «حليفه القديم - الجديد» الرئيس الباجي قائد السبسي، وبالفعل أعلن الحبيب الصيد عن «دعمه لمبادرة رئيس الجمهورية حول حكومة الوحدة الوطنية» أعقاب لقاء جمعه بزعيم حركة النهضة، صاحبة الكتلة الأكبر في البرلمان راشد الغنوشي توج باجتماع مع وفد قيادي عن «ائتلاف الأحزاب الأربعة الأولى في البرلمان المشاركة في الحكومة الحالية.
البديل؟
وكانت حصيلة كل هذه التحركات و«المشاورات» الماراثونية تراجع رئيس الحكومة عن موقفه الرافض للاستقالة. بعد هذا التطور تجنبت تونس الوقوع في أزمة دستورية تعمق أزماتها الاجتماعية والاقتصادية المتعاقبة منذ أكثر من 6 أعوام. لكن الخلاف استفحل مجددا حول اسم «البديل» على الرغم من ترشيح عدد من قيادات حزب قائد السبسي لوزير المالية سليم شاكر لتولي رئاسة الحكومة المقبلة. وقد كشفت مصادر مسؤولة لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس قائد السبسي اقترح أن يكون محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري رئيس الحكومة الجديد. لكن بعض الساسة تحفظوا عليه، على الرغم من خبرته الطويلة في الحكم منذ عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
السقوط
في الأثناء حذر عدد من السياسيين من أن يستفحل «الفساد والرشوة» في عهد الحكومة الموسعة المقبلة. وأشار العميد السابق للمحامين التونسيين والوزير السابق عبد الرزاق الكيلاني إلى كون «توسيع الحكومة إلى أحزاب كثيرة سوف يضعفها ويدعم نفوذ مافيات المال الفاسد التي تزايد دورها السياسي والاقتصادي بعد الثورة». ونبه الوزير السابق للمالية والسياحة إلياس فخفاخ من «خطر انفجار الأوضاع الاجتماعية والأمنية والسياسية»، في ظل الحكومة المقبلة التي سوف تكون «أضعف من الحكومات المتعاقبة التي تشكو من السلطات الموازية». كما حذر رئيس الحكومة الأسبق الأمين العام لحركة النهضة علي العريض أمس من كون «النيات الطيبة والبرامج الشاملة لا تكفي لوحدها إذا لم تكن لرئيس الحكومة ووزرائه فرص وآليات لتنفيذها».
في ظل هذه التحركات الماراثونية بحثًا عن «رئيس حكومة جديد»، من المتوقع أن تتواصل الصراعات حول أسماء المرشحين لخلافة الحبيب الصيد ووزرائه بضعة أسابيع، وربما بضعة أشهر، بما يوشك أن يدفع البلاد فعلا نحو ما حذر منه الرئيس قائد السبسي عندما توقع «سقوط البلاد في الهاوية» العام المقبل.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.