المخيلة أم واقعية زولا؟

المخيلة أم واقعية زولا؟
TT

المخيلة أم واقعية زولا؟

المخيلة أم واقعية زولا؟

مشروع مهم هو مشروع «كلمة» للترجمة الذي انطلق عام 2008، والتابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - آه لو تحذف كلمة سياحة، التي أصبحت متلازمة مع كلمة ثقافة في أكثر من مؤسسة عربية - وتوقع له كثيرون عدم الاستمرار، كأغلب المشاريع العربية الثقافية وغير الثقافية. ولكن لحسن الحظ لا يزال هذا المشروع مستمرًا، وبزخم ملحوظ. إنه يذكرنا بالمشروع القومي المصري للترجمة، «مشروع الألف كتاب»، الذي ظهرت إصداراته الأولى عام 1955 بإشراف وزارة التعليم والمعارف، التي كان طه حسين على رأسها حتى عام 1952. ويجمع كثيرون على أنه كان وراء هذا المشروع الرائد والشامل، وربما كان أكبر مشروع للترجمة منذ عهد المأمون العباسي، نظريًا على الأقل. وأصدر كثيرًا من الكتب العالمية والكلاسيكيات، كما شمل العلوم البحتة، والعلوم التطبيقية والمعارف العامة والفلسفة وعلم النفس والديانات والعلوم الاجتماعية، واللغات والفنون الجميلة، والأدب بفروعه، والتاريخ والجغرافيا والتراجم. ولكن توقف العمل به عام 1969.
ثم عاود الصدور باسم «مشروع الألف كتاب الثاني» عام 1986 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد اهتم بـ«ترجمة الكتب الحديثة محاولة منه للاتصال بالثورة العلمية والثقافية العالمية المعاصرة». ثم توقف أيضًا، مع الاهتزازات المصرية المتعاقبة.
ونذكر هنا أيضًا تجربة المجلس الوطني للآداب والفنون الكويتي، الذي تأسس في السبعينات، وبشكل خاص إصداره سلسلة «إبداعات عالمية» وسلسلة «المسرح العالمي»، التي كانت توزع في أغلب الأسواق العربية وتنفد بسرعة، لكنها توقفت بعد الاجتياح العراقي للكويت. وأمامنا الآن «مشروع كلمة». إلى متى سيستمر؟ لا أحد يعرف. ولكن ما حققه لحد الآن يبدو مبشرًا، ليس قياسًا على الكم الذي ترجمه من انطلاقته لحد الآن، بل في اختياره الكتب التي ينبغي ترجمتها، أو اختياره مترجمين ومشرفين أكفاء، على الأقل لحد الآن. ومن الخطوات الأخيرة المهمة التي اتخذها المشروع على هذا الصعيد، استحداثه سلسلة «كلاسيكيات الأدب الفرنسي» بإشراف الشاعر والمترجم العراقي كاظم جهاد، الذي ترجم كثيرًا من الأدب الفرنسي الحديث إلى العربية. ونأمل أن تعقبها سلاسل أخرى عن كلاسيكيات الحداثة الأخرى، وخصوصًا الألمانية والإنجليزية، البريطانية والأميركية.
الإصدار الأخير للمشروع، وهو بعنوان «إميل زولا.. في الرواية ومسائل أخرى» جاء ضمن السلسلة الجديدة، إصدار مهم وجديد على القارئ العربي، إذ يضم مقالات لإميل زولا عن رواية زمنه وروائييها، جمعها وترجمها عن الفرنسية الكاتب العراقي حسين عجة.
لقد عرف كثير من المثقفين العرب زولا (1840 - 1902) روائيًا ومناضلاً إنسانيًا كبيرًا، لا تزال صرخته الكبرى «إني أتهم» ترن في آذاننا عابرة القرون، ولكننا لم نعرفه ناقدًا. ومن هنا أهمية هذا الإصدار، الذي يطرح فيه «أبو الرواية الطبيعية» أفكارًا لا تزال خلافية، على الرغم من القرون التي تفصلنا، والتطورات الهائلة التي حصلت على فن الرواية، وفهمنا لهذا الفن، ووصولنا إلى عصر «اللارواية»، حسب آلان غوربيه، على الرغم من أنه ينفي استخدامه هذا المصطلح في حوار مهم أجراه معه الصحافي والروائي شاكر نوري.
يبدو، على الرغم من كل المدارس والصراعات والاتجاهات الأدبية والثقافية، أن أسئلة الأدب والفن الأساسية، تبقى هي نفسها، كما بقيت الأسئلة الإنسانية هي نفسها. يتساءل زولا في هذا الكتاب، وهو سؤاله الرئيسي، عن ماهية المخيلة والواقع، والعلاقة المتشابكة بينهما. ولكنه، مدفوعًا بالواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي كان يتشكل في فرنسا، كما في باقي أوروبا، وخصوصًا بريطانيا، ينفي المخيلة، هذه المنحة الإنسانية الكبرى، ليحل محلها ما يسميه «الحس الواقعي». انحسار المخيلة، كما يقول، هو الميزة الرئيسية للرواية الحديثة، بالنسبة لذلك العصر، القرن التاسع والعشرين. وما حل محلها هو الحس الواقعي.
ولكن، ماذا تعني المخيلة، وماذا يعني «الحس الواقعي»؟
موضوعان كبيران لا يزالان مطروحين في المشغل الروائي، الذي يقول عنه زولا إن «الإنابة عنه قد تشكل دراسة شيقة». وما زال الأمر كذلك، على الرغم من مرور أكثر من قرن على رحيل زولا.
ولكن زولا، كاتب «الطبقة العاملة الفرنسية» راح ضحية لهذا «الحس الواقعي». وأول ما شخص ذلك هو منظر الطبقة العاملة كارل ماركس، الذي كان يفضل بلزاك، النبيل، الذي عرى طبقة النبلاء على الرغم من انتمائه إليها، وسجل صعود البرجوازية الخفي على حسابه، هذا الصعود الذي لم ينتبه إليه أحد.
ما مهمة الروائي إذن؟ ما مهمة الفن؟ هي المهمة نفسها عبر القرون. أن يرينا ما لا نرى، وأن يكشف لنا ما يمور تحت السطح، ولكننا لا ندركه. الأدب الحقيقي هو ما يفعل ذلك، والأدب الباقي منذ قرون بقي لأنه فعل ذلك.
نحن ما ما زلنا نقرأ لبلزاك، وقلما نقرأ لزولا.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.