السؤال المحير الذي فرض نفسه أمس على الفرنسيين هو كيف استطاع العروسي عبد الله، الفرنسي الجنسية والبالغ من العمر 25 عاما، أن يقتل ضابط شرطة أمام منزله، وأن يذبح رفيقة دربه بحضور ابنهما البالغ من العمر ثلاث سنوات في منزلهما، رغم أنه كان تحت رقابة الأجهزة الأمنية بسبب اعتباره متطرفا؟
ولم يجد السؤال جوابا من رئيس الحكومة أو من وزير الداخلية أو من المدعي العام المتخصص بشؤون الإرهاب ولا من أي مسؤول أمني آخر. والمدهش في الأمر أن العروسي عبد الله كان يقيم في مدينة مونت لا جولي، الواقعة على الضفة اليسرى لنهر السين على بعد 57 كيلومترا غرب باريس، حيث كانت تعمل زوجة ضابط الشرطة موظفة إدارية في مقر شرطة المدينة.
وحتى أمس، لم يكن قد تأكد ما إذا كان مرتكب الجريمة المزدوجة يعرف القتيلة شخصيا، علما بأن معلومات تم تداولها بينت أنه تردد على محيط منزل الضحيتين أكثر من مرة للتعرف على المكان ومراقبة عادات ساكنيه.
وتوضح الوقائع المعروفة أن العروسي عبد الله بدأ بطعن ضابط الشرطة في مدخل منزله، وأن الأخير خرج إلى الشارع ما لفت أنظار الجيران الذين طلبوا على عجل تدخل القوى الأمنية التي وصلت إلى المكان بعد ربع ساعة. في هذا الوقت، كان العروسي قد دخل المنزل وقتل المرأة ذبحا.
وبحسب المعلومات المتداولة، فقد قام بتصوير العملية وبثها على تطبيق «Facebook Live». وبحسب موقع «فرنس سوار»، فإن العروسي يظهر وأمامه الوالدة الذبيحة ووراءه الطفل وهو يتساءل: «ماذا يمكنني أن أفعل به الآن؟».
لم يكن العروسي عبد الله جديدا على عالم الجريمة والإرهاب. فمعطيات الأجهزة الأمنية تفيد بأنه ارتكب سلسلة من عمليات السرقة التي أدخلته السجن، لكن الأهم أنه في عام 2011 قبض عليه بتهمة الانتماء إلى شبكة تجنيد مقاتلين وإرسالهم إلى الحدود الباكستانية - الأفغانية كان يقودها مواطن هندي، اسمه محمد نياز عبد الرشيد.
وبحسب التحقيقات التي قام بها رجال الأمن في هذه القضية، فإن العروسي عبد الله بدأ رجلا متطرفا جاهزا للقيام بعمليات في فرنسا. وأفضل دليل توصلت إليه هذه الأجهزة هو قيامه بجمع معلومات عن مجموعة من «الأهداف» في منطقة إيفلين الواقعة شمال غربي باريس، وتسجيل صوتي مع أحد معارفه يقول فيه ما حرفيته: «يشهد الله على أنني متعطش للدماء».
في عام 2013، جرت محاكمته مع سبعة أشخاص آخرين فصدر بحقه حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات منها ستة أشهر مع وقف التنفيذ. لكنه خرج من المحاكمة طليقا، لأنه كان قد أمضى مدة الحكم في الحبس الاحتياطي. وخلال السنوات اللاحقة، عاد اسمه للتداول في الأوساط الأمنية بسبب توجهاته الإرهابية ودوره في السعي لتجنيد مقاتلين لصالح تنظيم داعش وإرسالهم إلى سوريا. ومع ذلك، ورغم الرقابة التي أخضعت لها ثلاثة هواتف للعروسي عبد الله وتوافر جميع المعلومات الخاصة به للأجهزة الأمنية والمتابعة «الجسدية» التي كانت تلاحقه، خصوصا منذ التشدد الأمني وفرض حالة الطوارئ في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد العمليات الإرهابية التي ضربت باريس وأوقعت 130 قتيلا، فإنه استطاع أن ينفذ عمليته الإرهابية.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد ظهر أمس، كشف فرنسوا مولان، النائب العام المتخصص في شؤون الإرهاب، عن مجموعة من المعلومات التي توصلت إليها أجهزة الأمن والتحقيق القضائي. وأولى هذه المعلومات أن العروسي عبد الله كان قد بايع «الخليفة» أبو بكر البغدادي، زعيم «داعش» قبل ثلاثة أسابيع، مما يعني أن أي شكوك بشأن طبيعة العمل الإرهابي قد زالت نهائيا. وقال النائب العام إن «القاتل أشار لرجال الشرطة الذين تحادثوا معه ساعة كان موجودا في منزل الضحيتين وعقب ارتكاب جريمته المزدوجة، إلى أنه مسلم يمارس إسلامه وأنه يصوم شهر رمضان»، مضيفا أنه «بايع البغدادي قبل ثلاثة أسابيع». ونسب مولان للعروسي ادعاءه أنه استجاب لنداء من «داعش» يطلب فيه قتل الكفار في منازلهم مع عائلاتهم. لكن لم يعرف ما إذا كانت العملية قد تمت بناء على طلب مباشر وشخصي من «داعش»، أم جاءت بمبادرة فردية من العروسي عبد الله واستجابة لنداء عام من التنظيم الإرهابي. وجدير بالذكر أن الناطق باسم «داعش»، أبو محمد العدناني، كان وجه في عام 2014 دعوة لـ«الانغماسيين» في المجتمعات الغربية التي سمى من بينها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، حثهم فيها على مهاجمة رجال الأمن والجيش في بلدان التحالف التي تحارب «داعش» في سوريا والعراق.
إلى جانب هذه العناصر التي تبين الطبيعة الإرهابية للعملية، أفاد النائب العام بأن العروسي عبد الله كان يملك «لائحة أهداف» لمهاجمتها تضم شخصيات عامة وصحافيين ورجال شرطة ومغني الراب. كذلك عثرت الشرطة على ثلاثة هواتف خلوية عائدة للقاتل، وعلى ثلاثة سكاكين إحداها ملطخة بالدماء. والأهم من ذلك أن عبد الله أرسل شريط فيديو من 12 دقيقة إلى ما لا يقل عن مائة شخص، كما أرسل تغريدتين يتبنى فيهما العملية على حساب عائد له فتحه بداية الشهر الجاري.
وفي المؤتمر الصحافي نفسه، أفاد مولان بأن عمليات التنصت التي كان يخضع لها عبد الله والتحقيقات التي قام بها القاضي المولج التحقيق في مسألة «الشبكة السورية» العاملة على تجنيد متطرفين منذ بداية العام الجاري، لم تبين استعداد عبد الله للقيام بعمل إرهابي.
تساؤلات كثيرة سيتعين على الأجهزة الأمنية اليوم قبل الغد الإجابة عنها. وبانتظار أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فإن السلطات الفرنسية ممثلة برئيسي الجمهورية والحكومة ووزيري الداخلية والعدل، بالإضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية، عقدت اجتماعا طارئا صباح أمس في قصر الإليزيه لتقويم الوضع ولدراسة تدابير «إضافية» لتوفير الأمن، بينما يتعين عليها مواجهات كثير من التحديات، منها توفير أمن بطولة الأمم الأوروبية في كرة القدم التي تستضيفها فرنسا حتى العاشر من الشهر المقبل والإرهاب والتحركات المطلبية الاجتماعية والاقتصادية. وكانت باريس عبأت ما لا يقل عن تسعين ألف رجل من الأشرطة والدرك والجيش والأمن الخاص، لمنع تكرار العمليات الإرهابية الواسعة مثل التي شهدتها باريس في شهري يناير (كانون الثاني) ونوفمبر من العام الماضي.
في تعليقه على ما حدث مساء أول من أمس، أعلن رئيس الحكومة مانويل فالس الذي شغل لعامين منصب وزارة الداخلية، أن «الدرجة صفر» فيما خص التهديدات الإرهابية «غير موجودة»، فيما شدد الرئيس فرنسوا هولاند على أن فرنسا «تواجه خطرا إرهابيا كبيرا وفرت لمواجهته وسائل مهمة». واستعاد فالس كلمات هولاند، ليؤكد أن بلاده «في حالة حرب» مع الإرهاب. لكن هذه التحذيرات ليست جديدة البتة، وسبق لهولاند وفالس أن نبها إلى احتمال حصول أعمال إرهابية خلال بطولة كرة القدم بسبب استهداف «داعش» لفرنسا من جهة، وبسبب الفرصة الكبرى التي توفرها المباريات مع تجمع عشرات الآلاف من المشاهدين في الملاعب أو في مناطق إعادة نقل المباريات التي تجرى في عشر مدن فرنسية. وأمس، نكست الأعلام في وزارة الداخلية ومديريات ومراكز الشرطة والدرك، وأعلن الحداد لثلاثة أيام. ولم تتأخر ردود الفعل من جانب السياسيين الذين احترموا الحداد ولم ينتقدوا الحكومة مباشرة، بل دعوا إلى الاستفادة من التجارب لتلافي حصول أعمال إرهابية إضافية.
العروسي عبد الله بايع البغدادي قبل 3 أسابيع واستجاب لنداء «قتل الكفار»
مرتكب الجريمة المزدوجة قرب باريس أمضى عامين ونصف العام في السجن
العروسي عبد الله بايع البغدادي قبل 3 أسابيع واستجاب لنداء «قتل الكفار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة