صدر عن سلسلة «كتاب الهلال» الشهرية كتاب «الشيخ مصطفى إسماعيل.. حياته في ظل القرآن» للمؤلف الناقد الفني والشاعر الراحل كمال النجمي، بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم.
يرصد الكتاب بين دفتيه حياة واحد من أبرز قراء القرآن الكريم في مصر والعالم العربي، ويورد المؤرخ الأدبي الراحل كمال النجمي أنه بإحصاء سنوات الشيخ مصطفى إسماعيل في ظل القرآن، فقد زاد رصيده على 53 ألف ساعة، وهم رقم قياسي كبير جدا، ولكن ما بقي منه في تسجيلات الإذاعة 300 ساعة فقط، ويشير النجمي إلى أن «ذلك الكنز الكبير» ضاع منه أكثر من 52 ألف ساعة: «فما أفدح الخسارة» إلا أن ما تبقى من هذه التسجيلات للشيخ مصطفى إسماعيل «على فرط قلته، يدل على صاحبه كما يدل شعاع الشمس عليها وهي خافية وراء الغمام».
وفي مقدمة الكتاب يقول نجله عاطف مصطفى إسماعيل المقيم في ألمانيا منذ عام 1953 إن أباه وقبله الشيخ محمد رفعت «أعظم من أنجبتهم مصر في فن الإلقاء اللحني لأنهم يلحنون لأنفسهم ومن دون تخت موسيقي»، وإن هذا الكتاب استوفى أكثر ما يتعلق بحياة الشيخ مصطفى إسماعيل «وبفنه العظيم وكفاحه على امتداد 73 عاما».
يرى النجمي أن الشيخ مصطفى إسماعيل كان يملك صوتا فذا واسع المساحة كبير الحجم وكانت له حصيلة من العلم بالمقامات لا مثيل لها عند أحد من القراء، بمن فيهم الشيخ رفعت، ولكن الشيخ مصطفى إسماعيل كان يستخدم صوته وعلمه بالمقامات في إبراز جمال الآيات وإعجازها، وكان يخرج كل حرف من مخرجه الأصلي فلا يشتبه بحرف آخر، معتنيًا كل الاعتناء بإظهار التشديدات، وتوفية الغنات، وإتمام الحركات، وتفخيم ما يجب تفخيمه من الحروف، وترقيق ما يجب ترقيقه، وقصر ما يجب قصره، ومد ما يتعين مده، والوقوف على ما يصح الوقوف عليه لا على ما يختاره من وقفات تتعلق بصحة الألحان وجمالها أكثر مما يتعلق بصحة التلاوة وكمالها.
يستعرض المؤلف السياق التاريخي لبزوغ نجم الشيخ مصطفى إسماعيل، حين كان القارئ الأكبر الشيخ محمد رفعت الملقب بـ«قيثارة السماء» على قيد الحياة، ولكنه «تقاعد واعتزل الناس بعد احتباس صوته وعجزه عن القراءة، وفشل الطب في علاجه بعد محاولات طويلة أرهقت الشيخ كما أرهقت الأطباء!»، وفي الثلاثينات لم يكن أحد يستمع إلى غير الشيخ رفعت إلا في الندرة والمصادفة، فقد كان صوته وفنه في التلاوة نفحة سماوية باهرة ملأت الدنيا وشغلت الناس، ولم تترك لمعاصريه من «القراء» إلا مساحة متواضعة يتحركون فيها إلى جواره.
ويضيف: «حتى القراء المشاهير في ذلك العصر ومنهم من جلس قبل الشيخ رفعت إلى ميكروفونات الإذاعات الأهلية في أواخر العشرينات – ضاءلت شهرته من شهرتهم، وغطى فنه على فنهم، وحجب صوته أصواتهم، بعد أن أتيح لصوته أن يصل إلى المستمعين من خلال الإذاعات الأهلية في بداية الثلاثينات، ثم عن طريق (الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية) - كما كانت الإذاعة تسمى - منذ إنشائها سنة 1934. وحاول بعض زملائه أن يشنوا الحرب عليه كما يفعل زملاء المهنة الواحدة المتنافسون، ولكنهم في دخائل نفوسهم كانوا يعلمون أنه الأحق بالنجاح».
وخلال هذه المعركة بين الشيخ رفعت وقارئي زمانه، كان الشيخ مصطفى إسماعيل بعيدا عن ميكروفون الإذاعة، لا يعرفه إلا الذين سمعوه في ليالي طنطا وبعض المدن والقرى الأخرى في الوجه البحري من مصر. وكان حينذاك في العشرينات من عمره، ولكن شهرته بجمال الصوت وجودة الأداء بلغت مسامع المشايخ في القاهرة، فقد جمعته بعض المناسبات بهم، فقرأ وسمعوه وعرفوا ما يمكن أن يبلغه ذات يوم بصوته وأدائه.
ويسجل أن الشيخ مصطفى أتى له أن يجلس بين يدي الشيخ رفعت ويسمعه صوته ويعرض عليه فنه، ففرح به الشيخ وقال له بلهجة تشجيع واستحسان: «فتح الله عليك يا بني.. حافظ على صوتك فسيكون لك شأن كبير». وحين أقعد المرض الشيخ رفعت عن الانتظام في تلاوة القرآن بالإذاعة المصرية، كان الشاب مصطفى إسماعيل يشق طريقه إلى القلوب «وفي سرعة خاطفة.. ملك ناصية الميكروفون، واستأثر بأسماع الناس في ليالي رمضان الحاشدة التي كانت تذاع في باحة قصر عابدين في القاهرة.. وقصر رأس التين في الإسكندرية. كانت ليالي رمضان هي الباب الذي انفتح على مصراعيه للشيخ الشاب مصطفى إسماعيل لكي يصبح أشهر قارئ للقرآن الكريم في نهاية عصر الشيخ رفعت، وفي أعقاب عصر الشيخ رفعت الذي توفي سنة 1950.
ويروي المؤلف أن الشيخ مصطفى بعد شهرته قد لقي ما لقيه الشيخ رفعت من نقد بعض المشايخ وحملتهم على طريقته في التلاوة، وتتبعهم له حتى في حياته الخاصة، وتحدثهم حتى عن طريقته في ارتداء ملابسه وعمامته!
الشيخ مصطفى إسماعيل.. 73 عاما «في ظل القرآن»
حياة واحد من أبرز القراء في مصر والعالم العربي
الشيخ مصطفى إسماعيل.. 73 عاما «في ظل القرآن»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة