من يقاتل تنظيم داعش في سرت؟

وجود جل الأطراف المسلحة في وسط البلاد قد يهدد بإشعال حرب أهلية

جنود ليبيون في مواجهة مع أعضاء تنظيم داعش بمدينة سرت أمس (رويترز)
جنود ليبيون في مواجهة مع أعضاء تنظيم داعش بمدينة سرت أمس (رويترز)
TT

من يقاتل تنظيم داعش في سرت؟

جنود ليبيون في مواجهة مع أعضاء تنظيم داعش بمدينة سرت أمس (رويترز)
جنود ليبيون في مواجهة مع أعضاء تنظيم داعش بمدينة سرت أمس (رويترز)

تمكنت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا من السيطرة أول من أمس على ميناء سرت لتواصل تقدمها السريع لاستعادة هذه المدينة الساحلية من أيدي تنظيم داعش. وتشكلت هذه القوات التي قاتلت التنظيم المتطرف في سرت (450 كلم شرق طرابلس) من جماعات مسلحة تنتمي إلى مدن عدة في غرب ليبيا، أبرزها مدينة مصراتة (مائتا كلم شرق طرابلس)، التي تضم المجموعات الأكثر تسليحا في البلاد؛ إذ تملك طائرات حربية من نوع «ميغ» ومروحيات قتالية.
وتشكلت هذه الجماعات المسلحة عام 2011 خلال الانتفاضة الشعبية التي قتل فيها العقيد معمر القذافي. ورغم إطاحة النظام، فإن هذه الجماعات احتفظت بأسلحتها، وأصبحت اللاعب العسكري الأبرز في ليبيا والأكثر تأثيرا في أمنها.
وسبق أن شكلت هذه الجماعات المسلحة تحالفا عسكريا صيف 2014 أجبر البرلمان المنتخب على الفرار إلى شرق البلاد، وأقام حكومة أمر واقع لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي. وتلاشى هذا التحالف الذي عرف باسم «فجر ليبيا» مع دخول حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس نهاية مارس (آذار) الماضي، وحصولها على ولاء الغالبية العظمى من الجماعات المسلحة في الغرب الليبي.
وبهذا الخصوص تقول إيميلي إيستيل، الخبيرة في شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط في معهد «أميركان إنتربرايز»، إن القوات التي تهاجم تنظيم داعش في سرت من جهتيها الغربية والجنوبية «هي عبارة عن ميليشيات تنحدر من مصراتة تضم نحو ألفي عنصر».
وتخوض قوات حرس المنشآت النفطية، بقيادة إبراهيم الجدران، معارك مع تنظيم داعش شرق سرت، وقد نجحت هذه القوات التي تسيطر على موانئ نفطية رئيسية، بينها راس لانوف والسدرة، في استعادة قرى وبلدات من أيدي التنظيم خلال الأيام الماضية. وبحسب متحدث باسمها، فإن هذه القوات تستعد لاقتحام سرت من جهتها الشرقية خلال ساعات.
وتعد قوات حرس المنشآت، المعروفة أيضا باسم «قوات برقة»، تحالفا معاديا للمتشددين يتكون من قبائل محلية في شرق ليبيا، ويدعو إلى الفيدرالية ويطالب بحكم ذاتي للمنطقة أيضا. وكانت هذه القوات معادية لتحالف «فجر ليبيا»، الذي ضم جماعات إسلامية، لكنها أعلنت ولاءها لحكومة الوفاق الوطني فور دخولها إلى طرابلس. وقد خاضت هذه القوات معارك عنيفة مع تنظيم داعش في يناير (كانون الثاني) الماضي، إثر محاولة عناصر من التنظيم التقدم نحو منطقة الهلال النفطي ودخول السدرة وراس لانوف، وهو ما لم يتمكنوا من تحقيقه.
والى جانب قوات حرس المنشآت، تساهم وحدات من الجيش الليبي في العملية ضد تنظيم داعش، رغم أن الجيش منقسم بين سلطتي حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، والحكومة الموازية غير المعترف بها دوليا في شرق ليبيا، التي يقود قواتها الفريق أول ركن خليفة حفتر الذي ينأى عن العملية العسكرية في سرت. وتتبع القوات التي تقاتل تنظيم داعش في سرت غرفة عمليات مشتركة، يوجد مقرها في مدينة مصراتة وأنشأتها حكومة الوفاق الوطني. لكن طبيعة وجود قيادات منفردة للجماعات المسلحة التي تتكون منها هذه القوات، والمنافسة في ما بينها، تصعب مهمة الغرفة العسكرية في السيطرة عليها.
وفي هذا السياق ترى إيستيل أن «القوات المنخرطة في العملية ضد تنظيم داعش لا تتبع هيكلية قيادية موحدة، ولا تتشارك النظرة ذاتها لليبيا في فترة ما بعد تنظيم داعش». فيما تتنافس الجماعات المسلحة في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي على الأدوار الأمنية في طرابلس والمدن الليبية الأخرى. وغالبا ما تخوض هذه الجماعات، التي يعتبر بعضها متشددا، مواجهات مسلحة في ما بينها.
وبعد نحو شهر من انطلاق العملية العسكرية، نجحت القوات الموالية لحكومة الوفاق في دخول سرت من جهتها الغربية، وتقدمت سريعا لتبلغ وسط المدينة الخاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف منذ يونيو (حزيران) 2015.
ويقول مصدر دبلوماسي ليبي: «كان من المتوقع أن تحدث معركة عنيفة، لكن المعركة لم تكن صعبة كما كان يتصورها البعض. ربما بالغنا في إحصاء أعدادهم؟»، في إشارة إلى تقارير تحدثت عن وجود نحو خمسة آلاف عنصر من التنظيم المتطرف في سرت.
ومن جهتها، تعتبر إيستيل أن «استخدام القوة الجوية والقدرات التقنية الأخرى القادرة على إبطال مفعول متفجرات تنظيم داعش، يعتبر السبب الرئيسي لتقدمهم السريع».
ومن المفترض أن يسهم طرد تنظيم داعش من سرت في تعزيز شرعية حكومة الوفاق الوطني على الصعيدين الخارجي والداخلي، وقد يدفع الدول الكبرى إلى التعجيل بتسليحها لمساعدتها على بناء جيش ليبي موحد. لكن التحدي الأبرز في مرحلة ما بعد «تحرير سرت» يتمثل في العمل على نزع السلاح من الجماعات التي تتمسك به.
وترى إيستيل أن «كل الأطراف المسلحة الرئيسية تستخدم الهجوم على تنظيم داعش ذريعة للسيطرة على مزيد من الأراضي. ووجودها معا في وسط ليبيا قد يهدد بإشعال حرب أهلية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.