«الإسلام في أوروبا» بين إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب

كتاب جديد لمجموعة باحثين من إصدار مركز «المسبار»

«الإسلام في أوروبا» بين إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب
TT
20

«الإسلام في أوروبا» بين إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب

«الإسلام في أوروبا» بين إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب

يسعى كتاب «الإسلام في أوروبا: إشكاليات الاندماج وتحديات الإرهاب»، والصادر عن مركز المسبار للبحوث والدراسات، ضمن إصدارات الكتاب الشهري، إلى البحث عن إشكاليات الهوية والاندماج وتحديات الإرهاب لواقع المسلمين في أوروبا.
شارك في تأليف هذا الكتاب عدد من الباحثين الذين درسوا الحالة الإسلامية في أوروبا؛ حيث يسعى الباحث الجزائري محمد زناز، في بحثه الذي يتضمنه هذا الكتاب إلى الإجابة عن أسئلة من قبيل: إلى أي مدى تجذَّر الدين الإسلامي في أوروبا؟ وإلى أي مدى أصبح جزءًا من الثقافة الأوروبية؟ وهل تصالح المسلمون مع قيم الحضارة الأوروبية، وهل اندمجوا في المجتمعات الأوروبية وكيَّفوا معتقداتهم مع قيم الغرب الأوروبي؟
ويركز الباحث على الحالة الفرنسية لاعتبارات كثيرة أهمها: كون فرنسا الدولة العلمانية الوحيدة في أوروبا، علاوة على أنها أهم بلد يتمركز فيه المسلمون؛ إذ يشكلون نحو (10 في المائة) من مجموع السكان، معتبرا أنه من خصوصيات الحداثة الأوروبية أنها وضعت الفرد في المركز، وبما أنه كذلك، فالفرد ليس شيئا، وإنما هو شخص قادر على المعرفة، على امتلاك نفسه ووهب ذاته بكل حرية، والدخول في علاقات مع أشخاص آخرين. وهو ما أصبح يعرف باستقلالية الفرد (ذكرا أو أنثى) مع الحداثة الأوروبية؛ إذ بات يتمتع بحقوق سياسية وقانونية يصعب إيجاد نظير لها في الثقافات الأخرى، إن لم تكن تتناقض معها تماما، كما هو حاصل في الثقافة الإسلامية. فإلى اليوم لا يمكن الحديث عن فرد ولا مواطن بالمعنى الحقيقي العصري في كل البلدان العربية والإسلامية؛ إذ لا تزال «الأنا» غارقة في «النحن».
وبعد أن ترصد دراسة زنار كيفية تعامل الإسلام في أوروبا مع المواثيق وحقوق الإنسان الكونية، يتطرق الباحث إلى آلية تعاطي المسلمين مع مفاهيم المساواة بين الجنسين. ويقول: «تستورد الجاليات الإسلامية إلى قلب أوروبا بعض السلوكيات والتقاليد التي لا تتلاءم مع ثقافة المجتمع الغربي المضيف؛ وأهم مثال على ذلك تزويج القاصرات رغم أنوفهن في فرنسا وألمانيا وغيرهما».
من جهتها ترى الباحثة التونسية روضة القدري، أن صعود «الإسلاموفوبيا» في فرنسا تفاقم في العقود الأخيرة، وهذه الظاهرة تفسر بعوامل عدة - عززت أشكالا أخرى من كراهية الأجانب في أنحاء العالم - من بينها: الأزمة المالية والاقتصادية المستمرة منذ بداية السبعينات، مع ما تحمل من معدل بطالة، وإقصاء، وتدني شروط الحياة عند شرائح واسعة من المجتمع، وحرمان وفقد أمل، ومخاوف وغيظ في صفوف ضحايا هذه الأزمة.
ومن خلال البحث تناولت القدري تاريخ العلاقة بين الفرنسيين والإسلام في فرنسا على مراحل ثلاث: بين أواسط السبعينات ونهاية الثمانينات، ثم المرحلة الثانية التي تمتد من الثمانينات إلى 2001، تليها المرحلة الثالثة التي تبدأ بعد الاعتداءات التي أعلنت عنها القاعدة في الولايات المتحدة، التي تتابعت بعد ذلك جراء التدخل الثاني في العراق؛ حيث شهدت فرنسا نموا كثيرا من أشكال الصراع ضد الإسلاموفوبيا، وقد تولى ذلك جمعيات الشباب المسلمين (والمسلمات)، مثل: اتحاد الشباب المسلم، التجمع ضد العنصرية والإسلاموفوبيا، السكان الأصليين للجمهورية، والمثقفين والمثقفات بالثقافة الإسلامية. هذا إلى جانب التنظيمات التي تتحرك ضد كل أشكال كراهية الأجانب باسم الأفكار الإنسانية والكونية وحقوق الإنسان.
وتختم الباحثة باستنتاج أن «الأصولية التجارية أو الاقتصادية» وهي أصل هذا التطور أدت إلى نتيجة، أو إلى مكمل لها وهو «الأصولية الدينية». وترابُط هذين النمطين من الأصولية قد شجع على الانطواءات على الهوية، وكان هذا الأساس لكل أشكال كراهية الأجانب التي تتربص بكل مجتمعات الكرة الأرضية. وفي سياق متصل، يسعى الباحث الجزائري بوحنية قوي، إلى الإجابة عن سؤال رئيس: كيف يمكن قراءة مشروع قانون مكافحة الجريمة وسط تنامي مشاعر الكراهية تجاه الجالية المسلمة في فرنسا؟
ففي ضوء التفجيرات الإرهابية التي شهدتها فرنسا العام 2015 فجرت وسائل الإعلام الأوروبية النقاش حول مسألة هوية المهاجرين وأصولهم ودرجة اندماجهم في أوروبا؛ وتنادت الأصوات اليمينية من جديد لضرورة استحداث قانون جديد يرتبط بالجنسية وتعقب الإرهاب والإرهابيين، وما تولد لاحقا في مشروع قانون للاستخبارات الجديد في فرنسا. ويعتقد الرافضون لمشروع القانون أنه ربما يطلق يد الاستخبارات والأمن للتضييق على الحريات العامة بدعوى مكافحة الإرهاب، لكن الحكومة الاشتراكية رفضت تلك الاتهامات، وأكدت أن مشروع القانون فرضته التحديات الأمنية التي تواجهها فرنسا، وأن هناك ضمانات دستورية وقانونية تكفل الحريات. الكتاب اشتمل على دراسات أخرى، قاربت موضوع الإسلام في أوروبا، من زوايا مختلفة، وفي بيئات أخرى إضافة إلى فرنسا، ساعية إلى تكوين رؤية أكثر علمية عن قضية لم تعد هم المسلمين وحدهم، بل تجاوزتهم إلى المجتمعات التي يعيشون فيها، ويكونون جزءا من نسيجها المتنوع.



أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
TT
20

أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

يحتلّ موقع ساروق الحديد مكانة عالية في سلسلة المواقع الأثرية التي كشفت عنها عمليات التنقيب المتلاحقة في الإمارات المتحدة، ويتميّز بترابه الأثري الذي يشهد له الكم الهائل من اللقى التي خرجت منه في العقدين الأخيرين. تشكّل هذه اللقى مجموعات عدة مستقلة، منها مجموعة كبيرة من الأسلحة المعدنية تحوي خنجرين فريدين من نوعهما، لكل منهما مقبض منحوت على شكل فهد رابض يمدّ قائمتيه الأماميتين في الأفق.

تتبع منطقة ساروق الحديد إمارة دبي، وتجاور قرية الفقع بين مدينة دبي ومدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي. شرعت دائرة التراث العمراني والآثار التابعة لبلدية دبي في استكشاف هذا الموقع في عام 2002، بالتعاون مع عدد من البعثات الأجنبية، وأدت حملات التنقيب المتواصلة خلال السنوات التالية إلى العثور على مجموعات متنوعة من اللقى تعود إلى فترات زمنية تمتد من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي، منها مجموعة من الأختام، ومجموعة من الأواني الطينية، ومجموعة من الأدوات المعدنية.

تنقسم مجموعة الأدوات المعدنية إلى مجموعات عدة، أكبرها مجموعة من الأسلحة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، تشابه في صناعتها وفي صياغتها أسلحة معاصرة لها خرجت من مواقع أثرية أخرى في الإمارات وفي المناطق المجاورة لها. يأخذ القسم الأكبر من هذه الأسلحة شكل خنجر من الحجم المتوسط، يتكوّن من مقبض بسيط ونصل مروّس. يبدو المقبض مجرّداً من الزينة في أغلب الأحيان، غير أن بعض النماذج تخرج عن هذا السياق، وتتميّز بنقش زخرفي متقن يشهد لأسلوب فني ساد في هذه الناحية من الجزيرة العربية كما يبدو.

يتجلّى هذا النقش الناتئ في خنجر من البرونز يتكون من مقبض يبلغ طوله 13 سنتيمتراً، ونصل طوله 16 سنتيمتراً. يتكوّن هذا النقش من مساحات زخرفية مختلفة، تشكّل معاً تأليفاً تجريدياً يجمع بين تقاسيم متناغمة. يعلو هذا التأليف شريط أفقي يحدّ قاعدة نصل الخنجر، تزيّنه سلسلة من الحبيبات المتلاصقة. يستقرّ هذا الشريط فوق مساحة مكعّبة تأخذ شكل تاج تزيّنه زخرفة حلزونية مكوّنة من مفردتين تشكيليتين معاكستين. في النصف الأسفل من هذا المقبض، تحضر مساحة مستطيلة تزينها سنابل منتصبة محوّرة هندسياً، تستقرّ في إطار يحدّه شريطان مزخرفان بشبكة من الخطوط الأفقية. ترتفع هذه الكتلة المتراصة فوق قاعدة أسطوانية، وتشكلّ هذه القاعدة الطرف الأسفل لهذا المقبض البديع.

يحضر هذا النقش بشكل مشابه في خنجر آخر يبلغ طول نصله الحديدي 13.7 سنتيمتر، وطول مقبضه البرونزي 9 سنتيمترات. ويظهر هذا التشابه من خلال السنابل المنتصبة في كتلة مستطيلة تشكّل عموداً يعلوه تاج يزينه تأليف حلزوني مماثل. يستقر هذا العمود فوق قاعدة أسطوانية مجرّدة، ويشكّل معها تكوين مقبض هذا الخنجر الذي تأكسد نصله الحديدي العريض.

يبرز في هذا الميدان خنجران فريدان من نوعهما يحمل كل منهما مقبضاً نُحت على شكل حيوان من فصيلة السنّوريّات، يمثّل كما يبدو فهداً رابضاً. يتشابه هذان الخنجران البرونزيان من حيث الحجم تقريباً، غير أنهما يختلفان في التكوين، ويظهر هذا التباين عند دراسة مقبض كل منهما؛ إذ يحمل أحدهما صورة فهد مجسّم، ويحمل الآخر صورة مزدوجة لهذا الفهد. يظهر الفهد المفرد في خنجر يبلغ طول نصله المقوّس بشكل طفيف 19.5 سنتيمتر، وطول مقبضه 14 سنتيمتراً. يتكوّن هذا المقبض من مجسّم على شكل فهد ينتصب عمودياً فوق قاعدة تأخذ شكل تاج تزينه زخرفة حلزونية، تماثل في تأليفها النسق المعتمد. يشكّل رأس هذا الفهد قمة المقبض، وملامحه واضحة، وتتمثّل بعينين دائريتين، وأنف شامخ، وشدقين مفتوحين. يرتفع هذا الرأس فوق عنق طويل مقوّس، يحدّه عقد من الحبيبات الناتئة، يفصل بينه وبين البدن. يتكوّن هذا البدن من صدر طويل مستطيل، تعلوه قائمتان أماميتان تمتدّان في الأفق، مع قدمين مقوّستين بشكل طفيف. الفخذان عريضتان، والذيل منسدل، وهو على شكل ذيل الأسد، ويتميز بخصلة عريضة تعلو طرفه، تنعقد هنا بشكل حلزوني.

يتكون الخنجر الآخر من نصل يبلغ طوله 16 سنتيمتراً، ومقبض على شكل قوس منفرج طوله 12.5 سنتيمتر. تتكرّر صورة الفهد، مع اختلاف في التفاصيل؛ إذ يغيب الطوق الذي يحيط بالعنق، وتستقيم القائمتان الأماميتان عمودياً، وتحضر في وسط العين نقطة غائرة تمثّل البؤبؤ. ينتصب هذا الفهد فوق فهد آخر يظهر بشكل معاكس له، ويشكّل رأس هذا الفهد المعاكس الطرف الأسفل للمقبض، وقاعدة للنصل المنبثق من بين فكّيه.

يمثّل هذان الخنجران حالة فنية استثنائية في ميدان مجموعات الأسلحة المتعددة التي خرجت من مواقع الإمارات الأثرية، ومواقع سلطنة عُمان التي شكّلت امتداداً لها، ويبرزان بطابعهما التصويري الذي يأخذ هنا شكل منحوتتين مجسّمتين. تعكس هاتان المنحوتتان أثر بلاد السند وبلاد الرافدين، غير أنّهما تتميّزان بطابع محلّي خاص، ويظهر هذا الطابع في قطع أخرى تنتمي كذلك إلى ما يُعرف تقليدياً بالفنون الصغرى.