السياسات المعادية للإسلام تتصاعد في قلب أوروبا

الاعتداءات الإرهابية تختبر التزام ألمانيا بحماية حقوق الأقليات

والد سليمان مالك إمام مسجد محلي يصلي في بيته في مدينة إرفورت الألمانية (واشنطن بوست)
والد سليمان مالك إمام مسجد محلي يصلي في بيته في مدينة إرفورت الألمانية (واشنطن بوست)
TT

السياسات المعادية للإسلام تتصاعد في قلب أوروبا

والد سليمان مالك إمام مسجد محلي يصلي في بيته في مدينة إرفورت الألمانية (واشنطن بوست)
والد سليمان مالك إمام مسجد محلي يصلي في بيته في مدينة إرفورت الألمانية (واشنطن بوست)

تقف هذه المدينة التي يعود تاريخها للعصور الوسطى بمبانيها ذات الأسقف المائلة وشوارعها التي تغطي أرضيتها قطع الأحجار، في الخطوط الأمامية لحرب ثقافية متصاعدة حول الإسلام في الغرب.
ربما كان دونالد ترامب يدعو لحظر المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة، ولكن على هذا الجانب من الأطلسي أيضا، يتعرض الإسلام إلى الهجوم، مع تنامي المعارضة السياسية لهذا الدين، بينما تظهر رسالة معادية للإسلام كنداء للحشد من جانب أقصى اليمين الأوروبي.
وفي ألمانيا، تختبر الهجمات الإرهابية في البلدان المجاورة وموجة قياسية من المهاجرين من الشرق الأوسط الإرادة الوطنية لحماية حقوق الأقلّيات التي تم اعتمادها بعد الحرب العالمية الثانية. وقد انضم حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يكتسب حضورا بشكل متزايد، إلى صفوف التيارات المعادية للإسلام. ففي الأسابيع الأخيرة، كشف حزب البديل من أجل ألمانيا عن هجوم لاذع على الإسلام، محذّرا من «توسع ووجود عدد متنامٍ من المسلمين»، على التراب الألماني.
وجاء إعلان السلطات يوم الخميس الماضي عن القبض على 3 سوريين كانوا يتظاهرون بأنهم مهاجرون، واتهامهم بالتخطيط لشنّ هجوم على مركز «دوسلدورف» التاريخي باسم تنظيم داعش، ليصب مزيدا من الوقود على حملة الحزب.
ويقول الحزب الذي يؤيده واحد من بين كل 6 ناخبين إنه يريد حماية حقوق النساء والأمن الوطني والثقافة الألمانية. ويطالب هذا الحزب بحظر ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات، ويجهز لإصدار بيان رسمي معاد للإسلام بناء على «أبحاث علمية». وهنا في شرق البلاد الذي كان شيوعيا في السابق، توغّل الحزب مسببًا صدمة للسكان المسلمين عبر تدشين جهد لوقف بناء أول مسجد في إرفورت.
ووفقًا لسجلات المدينة، يقول 75 في المائة من سكان إرفورت البالغ عددهم 200 ألف نسمة إنهم «لا يدينون بأي دين». لكن مسؤولي حزب البديل من أجل ألمانيا يشعرون بالغضب حيال فكرة ارتفاع المآذن، على مسافة ليست ببعيدة من أبراج كنائس إرفورت العتيقة.
وقال ستيفان مولر، المسؤول المحلي بحزب البديل من أجل ألمانيا، إن «هذه المسألة مهمة للغاية، بحيث لا ينبغي أن نسكت عليها. واجبنا تجاه بلدنا يستوجب منّا أن نرفع أصواتنا. نحن وطنيون». وفي الوقت نفسه، يعبّر القادة المسلمون والسياسيون التقدميون عن قلقهم، بينما يصفون تحركات الحزب المعادية للإسلام بأنها انعكاس لما وصلت إليه الأمور.
وخلال هذا العام، أغلقت جامعتان ألمانيتان على الأقل حجرات الصلاة الخاصة بالمسلمين، قائلة إن أماكن التعليم العالي يجب أن تكون علمانية، وأن الإسلام يجب ألا ينال «معاملة خاصة». وهم يشجعون المسلمين الذين يريدون الصلاة على استخدام «قاعات الصمت» العامة المخصصة لكل الطلاب.
في ألمانيا، كما في أجزاء أخرى من أوروبا، مؤخرًا هناك موجة من الهجمات على المساجد، بما في ذلك محاولات للإحراق العمدي والتخريب. ويشعر البعض هنا، وليس فقط المسلمون، بقلق عميق تجاه هذه الموجة.
بهذا الصدد، أفاد بودو راميلو، المحافظ اليساري للولاية التي تقع إرفورت ضمن حدودها: «بنيت المحارق لمعسكرات الاحتجاز في الحرب العالمية الثانية في إرفورت. كان معسكرا الاعتقال، بوخنفالد ودورا يقعان هنا. واستهدفت أول موجة كبيرة من موجات التعصب بني وطننا من اليهود»، مشددا: «علينا ألا نسمح أبدا لصوت الأغلبية بأن يحرم الأقلية من الازدهار».
ويرى القادة المسلمون المعارضة المتصاعدة في ألمانيا جزءا من الظاهرة نفسها التي حوّلت الإسلام إلى قضية انتخابية في الولايات المتحدة، كما في فرنسا، وأستراليا، وهولندا وبولندا وغيرها من البلدان الأوروبية.
أوضح أيمان مازيك، رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا عن الموقف العدائي تجاه الإسلام الذي يتخذ حزب البديل من أجل ألمانيا: «للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، هناك حزب يحاول من جديد أن يقيد بشكل وجودي مجتمعا دينيا بالكامل وتهديده. يذكرنا هذا بأيام هتلر».
وتشهد المعارضة السياسية في أوروبا للأشكال الأكثر تشددا من الإسلام تصاعدا منذ سنوات. ففي 2009، منعت سويسرا فعليا من بناء مسجد جديد. وبعد عام على ذلك، مررت فرنسا قانونًا يحظر ارتداء أغطية الرأس للسيدات في الأماكن العامة. لكن الزعماء المسلمين يخشون من عودة مشاعر العداء للإسلام في أنحاء الغرب.
وفي الولايات المتحدة، يستهدف ترامب المسلمين، بينما في أستراليا الشهر الماضي أصبح «الغزو الإسلامي» من المهاجرين الفارين من الحرب موضوعا مهيمنًا على الانتخابات الرئاسية التي خسرها اليمين المتطرف بفارق ضئيل. وفي بريطانيا، واجه أول عمدة مسلم للندن حملة سعى خلالها حتى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى الربط بينه وبين المتطرفين.
وفي فرنسا، زادت أعمال العنف ضد المسلمين بأكثر من 3 أضعافها في 2015، حيث قفزت من 133 واقعة إلى 429، وفقا لوزارة الداخلية الفرنسية. وفي مايو (أيار)، دخلت الشرطة البولندية المساكن الجامعية في كاركاو لاستجواب عدد من الطلبة الأجانب حول صلاتهم بالإرهاب، وهو ما أدى لمزاعم بالتنميط العنصري والإساءة للمسلمين.
وفي يناير (كانون الثاني)، مررت مدينة راندرز الدنمركية مشروع قرار يلزم المؤسسات العامة بتقديم طعام لحم الخنزير. وقال المؤيدون الذين احتشدوا دعمًا للقرار إن الثقافة الغذائية الدنماركية يجب أن تعلو على الاشتراطات الدينية للمهاجرين المسلمين. فيما اعتمدت مقاطعة فينيتو الإيطالية، في أبريل (نيسان)، تغييرا في قانون يقول منتقدون إنه يجعل بناء المساجد أمرا أكثر صعوبة.
من جهته، قال لوكا زايا، محافظ فينيتو المنتمي لحزب الرابطة الشمالية اليميني، لصحيفة «نوفا دي فينتسيا»: «أقف تماما ضد بناء مساجد جديدة. وقد قابلت للتو عددا من هؤلاء الدعاة، وقلت لهم بوضوح إنه ينبغي أن تقام الشعائر الدينية بالإيطالية، لأسباب تتعلق بالشفافية».
ولطالما كانت ألمانيا حصنا للتسامح في أوروبا، حيث يستشهد كثيرون بتاريخ الحرب العالمية الثانية كمثال على الخطر عندما يتم استهداف الأقليات الدينية والعرقية. ويشير بعض أنصار حزب البديل من أجل ألمانيا إلى النفوذ المتزايد للجماعات المتشددة في ألمانيا، كدليل على ما يحدث عندما يُترك الدين من دون ضوابط ولا رقابة.
وفي 2014 على سبيل المثال، أثارت مجموعة من المتشددين صدمة للناس في مدينة فوبرتال الألمانية، عندما ارتدوا زيا مميزا وأطلقوا على أنفسهم «شرطة تطبيق الشريعة». ويزعم أنهم أخبروا المارة بعدم تناول المشروبات الكحولية أو ارتياد الملاهي الليلية.
ورغم أن منتقدي الإسلام يصرون على أنهم ليسوا ضد المسلمين في شيء، فإنهم يستهدفون الدين على نحو أوسع نطاقا. لكن معارضي التيار اليميني يقولون إن مواقف هذا الأخير يقف نفسه ضد حقوق الأقليات والنساء.
وانهار اجتماع كان مزمعا إجراؤه بين قيادة حزب البديل من أجل ألمانيا ومسؤولين مسلمين كبار في ألمانيا الشهر الماضي، وحمل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية انهيار الاجتماع. ومن أجل إنتاج مواد تقول إن الإسلام غير متوافق مع الديمقراطية الألمانية، يعتمد حزب البديل من أجل ألمانيا على مرجعيات من أمثال تيلمان ناغيل، الأستاذ السابق للدراسات الإسلامية في جامعة غوتنغن الذي هاجم في مقابلة هاتفية ممارسة «الكياسة السياسية». وقال إن «المبادئ الأساسية للإسلام لا يمكن أن تتصالح مع دستورنا الحر».
في إرفورت، فاجأت معارضة حزب البديل من أجل ألمانيا لبناء مسجد جديد مجتمعا محليا قوامه 70 مسلما، الذين يسعون للحصول على تصريح ببناء المسجد الذي سيكون الأول في المدينة. ومن المخطط أن يتم بناء المسجد على أرض عشبية في مربع صناعي على تخوم البلدة. وواقع الأمر أن الحزب اكتشف أمر الخطة فقط عندما أخبر أحد الزعماء المسلمين المحليين الحزب عنها خلال اجتماع الشهر الماضي.
وأوضح سليمان ماليك، وهو مهاجر من باكستان عمره 33 عاما، الذي يقود جهود بناء المسجد: «رأيت الكراهية في أعينهم عندما أخبرتهم. إنهم يريدون انتهاك حريتنا الدينية، لكني لا أعتقد أنهم سينجحون. هذه قضية وطنية الآن، ولا أظن أن ألمانيا تريد أن يحدث هذا».

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».