أبدى إعلاميون وصحافيون تخوفهم من عودة رموز نظام مبارك الذي قامت ضدهم ثورة «25 يناير» في مصر، عقب قيام قرينة حبيب العادلي وزير داخلية حسني مبارك بإصدار صحيفة جديدة تحمل اسم «الزمان»، فضلا عن «البدء في تدشين موقع إلكتروني وقناة فضائية»، مؤكدين أن «الزمان» تمثل «تحديا للجو الصحافي العام الذي يعاني أزمة حادة مع وزارة الداخلية»، فضلا عن تبني أفكار ما قبل «ثورة يناير»، وعودة لوزير داخلية مبارك (الذي كان محبوسا في قضية قتل متظاهري الثورة وقضايا مالية أخرى) للمشهد العام من جديد.
ويؤكد خبراء الإعلام، أنه لا يوجد قانون يجرم من سبق اتهامهم في قضايا أخلاقية وجنائية بألا يمتلكوا وسائل إعلام، مطالبين بأن «يضم قانون الإعلام الجديد مدة زمنية معينة تقدر بنحو 10 سنوات لمنع امتلاك من كانوا محبوسين على ذمة قضايا قنوات ووسائل إعلامية؛ منعا للشبهات ومنعا لمحاولات غسل الأموال».
وأثار صدور جريدة «الزمان» كثيرا من التساؤلات، بداية من اسم رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، وهي الكاتبة الصحافية إلهام شرشر، زوجة العادلي سابقا، مرورا بظهور اسم نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد مستشارا للصحيفة، انتهاء بتأكيدات رددها البعض بأن الصحيفة ستكون جواز مرور لرجال مبارك إلى الساحة الإعلامية من جديد.
وقال الدكتور إسماعيل إبراهيم، المشرف على قسم الصحافة في كلية الإعلام وفنون الاتصال جامعة 6 أكتوبر، إنه «بصدور جريدة (الزمان) عاد بنا الزمان إلى الوراء، وعادت الأوضاع إلى ما قبل 25 يناير (كانون الثاني)، وكأن مصر لم تقم فيها ثورة ضد نظام مبارك، ولم يضح شباب بأنفسهم»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أنه «بصدور الجريدة التي يعتقد أن من يمولها العادلي وزير الداخلية الأسبق، الذي كانت مظالمه وطريقة إدارته جهاز الشرطة وقمعها للشعب المصري، هي سبب أساسي فجّر غضب الجماهير».
بينما قالت مصادر صحافية، إن «زوجة العادلي تقود تحركا على نطاق واسع من أجل تدشين شبكة إعلامية كبرى خلال الفترة المقبلة بموقع إلكتروني وقناة فضائية إلى جانب الصحيفة وجميعهم يحملون اسم (الزمان)، وهي تحمل رؤية واضحة لعودة رجال الحزب الوطني المنحل إلى الحياة السياسية من جديد»، لافتة إلى أن الهدف الرئيسي للتحرك الإعلامي هو «إيجاد مسلك شعبي لعودة رموز مبارك للمشاركة في الحياة السياسية؛ وذلك باحتواء القناة المزمع تدشينها على برامج تخدم ذلك التوجه، وكذلك احتواء الجريدة على مادة تسير في ذلك الاتجاه».
وأكدت المصادر، أن «تلك التحركات تبلورت على أرض الواقع، وذلك بقيام شرشر بإجراء لقاءات على نطاق محدود وسري بعدد من كبار الصحافيين والكتاب من أجل الاتفاق على كيفية الإعداد لخروج الشبكة الإعلامية إلى النور».
إلهام شرشر زوجة العادلي دافعت عن نفسها بقولها: إنها أصدرت الصحيفة لتمارس عملها الصحافي الذي انقطعت عنه لفترة بعد ثورة يناير.. وعنونت في مقال افتتاحي بصحيفتها الجديدة تقول «منذ زمن وأنا معنية بهموم أمتي التي أعتز بالانتماء إليها والانتساب لها، أمتي العربية والإسلامية؛ لذلك فـ(الزمان) منبر لمواجهة قوى الشر والظلام التي هبت من أماكن متعددة ومختلفة يجمعها هدف واحد، هو موالاة الضربات والطعنات ضد مصر».
الصحيفة الجديدة يكتب فيها كتاب ومفكرون مصريون بارزون، مثل الداعية خالد الجندي، ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس، والكاتب الصحافي مفيد فوزي، بجانب نقيب الصحافيين الأسبق.
من جانبه، قال الدكتور إسماعيل إبراهيم، وهو مدير تحرير «الأهرام» الأسبق، المشرف على قسم الصحافة بإعلام أكتوبر: «عندما يصدر العادلي جريدة ترأس مجلس إدارتها وتحريرها زوجته إلهام شرشر، فهذا يمثل قمة التحدي لإرادة المصريين، وإن كان من حق العادلي أن يصدر جريدة ويدشن إمبراطورية إعلامية، ما دامت المحاكم قد برأته في إطار موسم (البراءة للجميع) من نظام مبارك؛ إلا أن صدور هذه الجريدة يأتي متزامنا مع أزمة نقابة الصحافيين، وبدء محاكمة نقيب الصحافيين يحيى قلاش ووكيل النقابة وسكرتيرها العام، في واقعة غير مسبوقة في تاريخ النقابات المهنية، وهذا في حد ذاته تحدٍ للجو الصحافي العام».
وتابع إسماعيل بقوله، إن «وجود اسم الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد على هذه الجريدة مستشارا للتحرير لهو دليل آخر وتأكيد على أن الزمن يعود إلى الوراء، وأن (إعلام مبارك) قادم، وهو الذي سيتسيد المشهد؛ فالعادلي لن يكتفي بصحيفة ورقية، وإنما سيطلق فضائية وموقعا إلكترونيا.. أي أنه سيكون له أزرع إعلامية تتبنى فكره وفلسفة النظام الذي كان يمثله، وحارس أمنه سنوات طويلة، وكان مسؤولا عن إسكات كل معارض له، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة». وقال إبراهيم، إن «تصفح مواد العدد الأول يؤكد كل ما نقوله؛ فهي صحيفة أفكار ما قبل يناير، وهي ضد كل ما قامت من أجله ثورة الشباب.. ولا أدري من أين حصل العادلي على الأموال التي تمكنه من الصرف على هذه الإمبراطورية الإعلامية؟، فلا يعقل أن مسؤولا حكوميا كان يتقاضى راتبا يمكن أن تكون لديه كل هذه الأموال التي ينفق منها على صحيفة وفضائية وموقعا إلكترونيا»، مؤكدا أنه لا سبيل إلا بحماية المجتمع من مثل هذه الصحف؛ لأنها ستتكاثر في الفترة المقبلة، فقد خرج معظم نظام مبارك من السجون، وعادوا من خلف ستار حمايتهم، الذي اختبأوا فيه من غضبة الشعب؛ فهم عادوا لينتقموا، وخاصة من شباب (25 يناير)، والأمل في صحافة حرة موضوعية تستطيع مواجهة صحافة الزيف التي عاد زمانها».أما الإعلامي أحمد يوسف، مذيع بقناة النيل الثقافية بالتلفزيون المصري، فقال «لا توجد صناعة تتغير في مصر أو كل الوطن العربي مثل صناعة الإعلام في مصر التي تتغير بسرعة رهيبة، فبعد انفتاح القنوات الخاصة بأمر من صفوت الشريف وزير إعلام مبارك آنذاك مع مطلع الألفية ثم انفجار كم ضخم منها بعد ثورة يناير، أضحت الأمور الآن أشد دراماتيكية، فمن وقع عليهم المحاكمات الشعبية والقانونية من أسباب الغضب المصري العام والذي بسببهم قامت الثورة بدأوا يلجأون للإعلام لغسل سمعتهم».
مضيفا، «رأينا أحمد عز، أحد أركان نظام مبارك، بعد خروجه من السجن ترددت الأخبار عن استثماره في سلسلة قنوات، والآن العادلي، الحقيقة أنه لا يوجد قانون يجرم من اتهموا في قضايا سابقة، ألا يمتلكوا وسائل إعلام، وفي اعتقادي أنه لا بد أن تحدد فترة زمنية تقدر بنحو 10 سنوات، لمن يشرع بعد خروج من السجن في إصدار قنوات أو وسائل إعلامية»، لافتا إلى أنه «قانون مهم يجب أن ينضم لقانون الإعلام الجديد منعا للشبهات، ومنعا لمحاولات غسل الأموال والسمعة».
واستطرد يوسف بقوله لـ«الشرق الأوسط» «لكن من الناحية القانونية لا يوجد ما يمنع ذلك، ورغم أن السخط الشعبي المصري كبير على مثل هذه المحاولات؛ لكن المخاوف الكبرى أن المواطن المصري متساهل من جهة فلو انطلقت فضائية العادلي سيتابعها المواطنون حتى وإن سخروا في باطنهم من الشخص وجرائمه، من جهة أخرى ينقص مصر والوطن العربي منظمات مجتمع مدني تحافظ على المهنة وعلى حقوق المشاهدين من الضحك عليهم، سواء في الجانب الإعلاني أو الإعلامي، وهو ما نحاول تأسيسه حاليا لإنشاء منظمة مجتمع مدني إعلامية احتراما لعقول المشاهدين».
مصدر مطلع بالمجلس الأعلى للصحافة (المسؤول عن إصدار تراخيص الصحف في مصر)، قال إن «العادلي لم يتقدم بطلب لإصدار الصحيفة؛ لكن ما قدم للمجلس طلب يحمل اسم شخص آخر وليس شرشر زوجة العادلي للحصول على ترخيص لإصدار الجريدة منذ مارس (آذار) الماضي، ويتضمن الطلب أسماء 10 مساهمين لشركة «إس إتش» التي تصدر عنها (الزمان).
في السياق ذاته، قال الدكتور حسام شاكر، عضو هيئة تدريس بكلية الإعلام جامعة الأزهر لـ«الشرق الأوسط»، إن «سيطرة فئة ممن يطلق عليهم رموز النظام السابق على مجموعة إعلامية من قناة وصحيفة وموقع يضع السلطة الحالية في موقف حرج، لأن المتلقي عندما يسمع بأن رموز نظام مبارك خلف هذه المجموعة بأموالهم ورجالهم فسيتبادر إلى ذهنه بأن عملية غسل للأفكار ستحدث لتجميل نظام مبارك، خاصة أن الإعلام له مفعول السحر في توجيه الرأي العام وقلب الحقائق وتصوير ما ليس له وجود على أنه واقع لا بد منه».
شرشر زوجة العادلي تعود للصحافة بمنصب رئيس مجلس إدارة
إعلاميون اعتبروها تحديًا للجو الصحافي العام.. وتبني أفكار ما قبل ثورة يناير
شرشر زوجة العادلي تعود للصحافة بمنصب رئيس مجلس إدارة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة