ليست التحديات السياسية وحدها التي تحول حتى الساعة دون اتخاذ قرار نهائي بإسقاط المساعدات جوًا للمحاصرين في أكثر من 19 منطقة في سوريا. إذ تشكل التحديات التقنية أيضا عاملاً أساسيا يجعل المنظمات الدولية التي تتولى تنفيذ عمليات مماثلة، تتريث في الإقدام على خطوة في هذا الاتجاه قبل استنفاد كل الاحتمالات التي قد تمكّن من إيصال المساعدات برًا، وذلك نظرًا للتعقيدات المحيطة بالإجراءات الواجب اتخاذها لتأمين سلامة الطاقم الذي سيتولى العمليات الجوية، وأيضا سلامة السكان المحاصرين.
«برنامج الأغذية العالمي»، التابع للأمم المتحدة، أعد بالتعاون والتنسيق مع «المجموعة الدولية لدعم سوريا» خطة محكمة لإسقاط المساعدات جوًا على 19 منطقة محاصرة داخل سوريا، إلا أنّه ينتظر تمويل الحملة، وأيضًا موافقة حكومة النظام السوري قبل انطلاق العمليات التنفيذية. وبهذا الشأن، لا يبدو أن الأخير وحليفته موسكو سيتجاوبان مع التوجه الأممي لاستخدام الجو لإغاثة المحاصرين بعد تعذر الوصول إليهم برًا. ولا يستبعد دبلوماسيون غربيون أن يكون إعلان النظام في سوريا قبل ساعات موافقته على إرسال قوافل إغاثة إنسانية إلى 11 على الأقل من 19 منطقة محاصرة خلال شهر يونيو (حزيران) الجاري، مجرد «حيلة» لإضعاف المناقشات الدائرة حول إسقاط المساعدات جوًا. وهم في هذه النقطة يذكّرون بأن «لدى الحكومة السورية سجل سابق من النكث بوعود السماح بدخول المساعدات للمحتاجين». ولعل ما يبرر هذه المخاوف الدبلوماسية الغربية التصريحات الصادرة عن موسكو، وآخرها عن فيتالي تشوركين، المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، الذي وصف اشتراط المعارضة السورية إيصال المساعدات الإنسانية لمواصلة المحادثات بـ«الخاطئ غير الأخلاقي»، معتبرا أن «تحسين الوضع الإنساني في سوريا يتطلب رفع العقوبات عن دمشق».
في هذه الأثناء، تقول الأمم المتحدة إن نحو 600 ألف شخص يعيشون في 19 منطقة محاصرة داخل سوريا، ثلثاهم محاصرون في مناطق تخضع لسيطرة قوات النظام، بينما تحاصر الباقين فصائل المعارضة المسلحة أو تنظيم داعش. وأشار ستيفن أوبرايان، منسّق الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة، في تصريحات سابقة، إلى أن المنظمة الدولية تحتاج إلى «موافقة الحكومة السورية وكل الضمانات الأمنية المطلوبة، حتى يتسنى لنا تنفيذ عمليات الإسقاط الجوي.. نريد من كل الأطراف السماح بحرية الحركة للمدنيين ودخول المساعدات». وأوضح المنسق الأممي أن الأمم المتحدة لم تصل إلا لمنطقتين من المناطق المحاصرة برًا الشهر الماضي، بما يمثل الوصول لنحو 20 ألف شخص أو 4.3 في المائة فقط من إجمالي السكان المحاصرين في سوريا.
من ناحية أخرى، حسب عبير عطيفة، الناطقة الإعلامية باسم «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، فإن «المساعدات الجوية تبقى آخر حل يُلجأ إليه للوصول إلى الأشخاص المحاصرين في سوريا، وخصوصا أن مواقعنا ومراكز التخزين لدينا تقع على مسافة نحو 10 كيلومترات من بعض المناطق المحاصرة، ما يجعل الوصول إليها برا أسهل وأكثر أمانا». وأكدت عطيفة، في الوقت عينه، جهوزية طواقم البرنامج لإيصال المساعدات جوًا في حال اتخذ قرار بذلك. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «المروحيات مثلا لا تستطيع أن تحمل أكثر من 4 أطنان للمساعدات، وهذه كمية لا تكفي أكثر من 300 شخص، وفي المقابل فإن القافلة التي دخلت أخيرًا مدينة معضمية الشام ضمت 36 حافلة أدخلت مساعدات تكفي 23 ألف شخص لمدة شهر كامل».
وأوضحت عطيفة أن «برنامج الأغذية» قدّم خطة لـ«المجموعة الدولية لدعم سوريا» تستهدف الوصول إلى 19 منطقة محاصرة، على أن يتم في منطقتين منها، هما الفوعة وكفريا، في ريف محافظة إدلب، إنزال المساعدات الغذائية من علوّ شاهق نظرا للطبيعة الجغرافية للمنطقة. ولفتت إلى أنّه في معظم المناطق الأخرى ستستخدم طائرات الهليكوبتر ولكن من الارتفاع المعتاد. وشرحت الناطقة أن «عملية إنزال المساعدات، وكي تكون آمنة، يجب أن تحصل في منطقة بمحيط فارغ أقله 5 كيلومترات، لتجنب تعريض أرواح المدنيين للخطر، باعتبار أن الرياح قد تعصف بالمظلات التي تربط كل طن مساعدات بلوح خشبي». وقالت إنّه في محافظة دير الزور يقوم برنامج الأغذية منذ العاشر من أبريل (نيسان) بعمليات إنزال مساعدات بشكل شبه يومي لنحو 110 ألف شخص محاصرين هناك من قبل تنظيم داعش، لافتة إلى أنّه يجري استخدام الطائرات المدنية التي تحلق على ارتفاع 7500 قدم، لتفادي محاولات إسقاطها من قبل التنظيم الذي لا فرصة للتفاوض معه. وأضافت عطيفة: «نحن نتفق مع شركاء محليين على تسلّم هذه المساعدات فور إنزالها، وهم مدرّبون لعمليات مماثلة، وفي دير الزور بالذات ننسق مع متطوعي الهلال الأحمر باعتبار أنه، في معظم الأوقات وفي الظروف الصعبة، تضع المجموعات الأقوى على الأرض يدها على هذه المساعدات في حال إلقائها، من دون التنسيق مع شركاء فعليين على الأرض ليوزعوها على المدنيين».
من جهته، قال غريغ بارو، من برنامج الأغذية العالمي، لشبكة «سي إن إن» الأميركية، إنه لا يمكن التحليق فوق جميع المدن والمناطق التي يحتاج سكانها للمساعدات، مرجعًا ذلك إلى أن «السماء مكتظة جدًا بحركة الطائرات ولا بد من أخذ كل التصاريح اللازمة لذلك، وخصوصًا في دولة تشهد حربًا مثل سوريا». وتابع بارو كلامه، فيما يتعلق بمدى دقة وصول طرود المساعدات إلى المناطق المستهدفة، فقال: «هذا يعتبر تحديًا كبيرًا على الصعيد التكنيكي، حيث تلعب الرياح وارتفاع الطائرة والتوقيت دورًا كبيرًا، ولا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار».
تحديات «تقنية» تواجه عمليات إسقاط المساعدات جوًا في سوريا
موسكو تعتبر اشتراطها لمواصلة المحادثات «غير أخلاقي»
تحديات «تقنية» تواجه عمليات إسقاط المساعدات جوًا في سوريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة