لبنان: «النكسة» البلدية تهز «المستقبل»

ريفي بعد فوزه عليه في طرابلس لـ «الشرق الأوسط»: أفكّر بالانتقال من الحالة الفردية إلى حالة أكبر

لبنان: «النكسة» البلدية تهز «المستقبل»
TT

لبنان: «النكسة» البلدية تهز «المستقبل»

لبنان: «النكسة» البلدية تهز «المستقبل»

لم يستوعب بعد تيار «المستقبل» في لبنان حجم «النكسة» التي تعرّض لها في جولة الانتخابات البلدية في مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان وثاني كبرى مدنه، وشهدت فوزًا كبيرًا وغير متوقع لوزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي الذي خاض المعركة وحيدًا بوجه تكتل القوى السياسية وفعاليات المدينة.
إلا أن الصدمة المدويّة التي لم يجد «التيار الأزرق» تفسيرا وافيا لها، دفعت بقيادييه إلى إطلاق حملة نقد ذاتي في محاولة لتحديد مكامن الخلل والأخطاء التي أدّت لتراجع شعبيته، ليس فقط في شمال البلاد، بل أيضا في العاصمة بيروت، حيث أتت النتائج البلدية «مخيبة»، حتى ولو تحمّل قسما لا بأس به حلفاؤه المسيحيون الذين فشلوا بدفع قواعدهم الشعبية للتصويت للائحة توافقية ضمّت معظم القوى السياسية وواجهت لائحة للمجتمع المدني تمكنت من تحقيق نتائج مفاجئة وخاصة في دائرة بيروت الثالثة.
بعكس كثير من القوى السياسية الأخرى، أقرّ تيار «المستقبل» في لبنان الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، بتراجعه وباقترافه «أخطاء» لم يحدد طبيعتها، وهو ما عبّر عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق أخيرا داعيا لمراجعة هذه الأخطاء وأخذ العبر من الاستحقاق البلدي قبل التجهز للاستحقاق النيابي المقبل في صيف العام 2017. واعتبر المشنوق - أحد وزراء «المستقبل» في الحكومة - أن التبدلات في المزاج الشعبي لم تقتصر على جمهور «المستقبل» إنما طاولت مؤيدي كل الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى على ضفتي 8 و14 آذار.
وفي حين لم يعلّق الرئيس الحريري بعد بشكل مباشر على نتائج الانتخابات البلدية، مكتفيًا بتهنئة الفائزين في الشمال عمومًا، وطرابلس خصوصًا، ودعوة قوى الطرابلسية إلى تجاوز الاصطفافات الانتخابية وتسهيل مهمة المجلس المنتخب في إنماء المدينة وحل مشاكلها، فإن الحركة التي تشهدها دارته في بيروت توحي بأن العمل قد بدأ فعليا لتدارك ما حصل. والأهم من ذلك، بدأ العمل للملمة صفوف التيار المهدد بالتفكك بعد انسحاب ريفي منه، وتلويحه ضمنًا بإمكانية تشكيل تيار يكون خارج جناح «المستقبل»، لا سيما أن «المستقبل» مقبل على استحقاق دستوري كبير ومهم وهي الانتخابات البرلمانية، التي ستحدد حجمه السياسي ودوره في قيادة المرحلة المقبلة.
من جهة ثانية، بعيدا عن تحفظات تيار «المستقبل» وحلفائه الخاسرين في معركة الشمال، بدأ وزير العدل المستقيل أشرف ريفي أكثر وضوحًا في قراءته لما حصل، وذهب بعيدا في تحديد معالم المرحلة المقبلة، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» بأن انتخابات طرابلس حمّلته مسؤولية كبرى جعلته يفكّر بـ«الانتقال من الحالة الفردية إلى حالة أكبر». ولفت ريفي إلى أنّه لم يقرر بعد كيف ستكون هذه الحالة، مضيفًا «لا أخفي أنها وضعتني أمام هذا التحدي، وسأتعاطى معه وفق ما تستوجبه الظروف وتطلعات الناس، فالشارع السنّي ليس شموليًا إنما هو تعدّدي ويستوعب الجميع».

«الخيارات الخاطئة»
وتحدث ريفي عن «الكثير من العوامل التي قلبت المزاج الشعبي في طرابلس ضدّ تيار المستقبل»، مشيرا إلى «الكثير من الخيارات الخاطئة التي انتهجها هذا التيار، بدءًا بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وطريقة معالجة ملف ميشال سماحة، والتحالف الانتخابي مع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي طعنهم في الظهر عبر حكومة القمصان السود التي أطاحت بحكومة الرئيس سعد الحريري». وأبدى اللواء ريفي، أيضًا، أسفه لأنهم (المستقبل) «فضلوا التحالف مع ميقاتي بدل أن يلتقوا مع أشرف ريفي، أو أقله أن يستنكفوا عن هذه المعركة»، مشيرًا إلى «وجود عوامل أخرى مثل الترهل في التيار، وفشل المسؤولين المحليين (في طرابلس) بأن يكونوا على قدر المسؤولية».
ورغم أن طابع المعركة البلدية هو إنمائي بامتياز، شدد ريفي على أن «التصويت في المدن يغلب عليه الدافع السياسي، لذلك فإن طرابلس صوتت بالسياسة أكثر مما صوتت للإنماء، خصوصًا أن لائحة التحالف السياسي، شكّلها سياسيون ضمّت تمثيلاً فاقعًا مثل (الأحباش) والعلويين الممثلين لرفعت عيد المطلوب للعدالة».
ومع تقلّص مساحة التفاهم بينه وبين «المستقبل» خصوصًا بعد انتخابات طرابلس التي اكتسحتها لائحته، أشار وزير العدل إلى أنه «لا خلافات شخصية مع الرئيس سعد الحريري، إنما افتراق على الخيارات السياسية». وقال: «المطلوب منه الاعتراف باستقلاليتي الكاملة، وأنا عندما قدمت استقالتي من الحكومة، كانت الأسباب كثيرة منها هجوم (حزب الله) على المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والإخفاق في التعاطي مع ملف ميشال سماحة، وفشل الحكومة الذريع في معالجة الملفات بما فيها ملف النفايات». ومن ثم، عبّر عن أسفه لأن «تيار المستقبل ذهب إلى خيارات تتناقض مع مسيرتنا، وهي خيارات غير مقبولة لدى جمهورنا، الذي اعتبرها خيارات استسلام وانكسار»، معتبرًا أن «نتائج الانتخابات في كل لبنان أظهرت أن الناس بات لديها خيار استراتيجي نحو التغيير، ولديها تذمر من الطبقة السياسية، وهي أعطت إشارات كبيرة من بعلبك إلى الجنوب وبيروت والضاحية الجنوبية، لكنها كانت أكثر تعبيرًا في طرابلس».

مزاج الناخب
عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب السابق الدكتور مصطفى علوش، لم يخف وجود أخطاء قادت إلى هزيمة التحالف السياسي الذي كان تياره جزءًا منه في طرابلس، وإذ أقرّ بأن «هذه النتيجة لم تكن متوقعة»، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لم تكن هناك قراءة جدية لمزاج الناخب الطرابلسي، إن لجهة امتناع الناس عن النزول إلى صناديق الاقتراع بنسبة 75 في المائة، أو لجهة عدم التصويت للتحالف السياسي الذي خاض المعركة».
ولا ينكر علوش أن «منطق المظلومية والاستفراد (الذي رفعه الوزير أشرف ريفي) تحبّه الناس وتؤيده، بالإضافة إلى الشعارات التي رفعت أي شعارات ثورة الأرز وقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وأوضح من المؤكد أن «جمهورنا في تيار (المستقبل) لم يستطع تقبّل هذا التحالف من دون نشرح أو نفسّر له الأسباب التي أملت علينا الدخول في هكذا تحالف». وأضاف: «قد يهضم جمهورنا تحالفنا مع الرئيس نجيب ميقاتي، لكنه بالتأكيد لم يهضم التحالف مع الوزير (السابق) فيصل كرامي ومع جماعة الأحباش (المعروفة بولائها إلى النظام السوري وأتباعه في لبنان)».
أما في القراءة السياسية وما إذا كان تبدل المزاج الشعبي هو استراتيجيًا أو مجرد رسالة تنبيه إلى «المستقبل» وقيادته، أبدى علوش، اعتقاده بأن «هناك تغيرًا جزئيًا وليس كاملاً في المزاج الشعبي»، مضيفًا أن «هناك عوامل تراكمت منذ 11 سنة، أي منذ تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهناك غياب للمواقف التي تجيّش الناس»، ومذكرًا بأن تيار المستقبل «ليس حزبًا عقائديًا أو ثوريًا، بل لديه الكثير من البراغماتية، وهو تيار ليبرالي وليس صاحب سطوة في وضع عصبة دائمة تجعل الناس تلتف حوله بشكل دائم».
ويلفت علوش إلى أن «التكتلات أو الشعارات الطائفية والمذهبية، قد تجعل الجمهور يلتف حول الزعيم، لكن هذه الشعارات لا بد أن تقود نحو الكارثة». وقال: «عندما يكون الشخص في موقع المسؤولية لا يمكنه أن يلجأ إلى التجييش الطائفي». وتطرق عضو المكتب السياسي في «المستقبل»، إلى الحملة التي خاضها ريفي في طرابلس والشعارات التي رفعها، وتمسكه بقضية رفيق الحريري، وسأل: «لو كان الوزير ريفي رئيسًا للحكومة هل كان استقال من منصبه؟ لماذا وافق على الدخول في الحكومة وهو يعرف أنها حكومة توازنات سياسية؟ لماذا قاتل من أجل الدخول إلى الحكومة؟ ولو كان وزيرًا للداخلية هل كان بمقدوره أن يتصرف بخلاف ما يقوم به الوزير نهاد المشنوق ويترك الشغب يعمّ المدينة؟» ومن ثم شدد على أن «مرحلة ما بعد الانتخابات تفرض واقعًا جديدًا للتعاطي مع الشارع، وفهمًا أكبر لخيارات الناس، ولكن من دون الانجراف وراء الغرائز، لأننا بالتأكيد نرفض أن نربح شعبيًا ونخسر الوطن، بل المطلوب أن نتفّهم رغبات الناس، وأن نحافظ على الوحدة الوطنية معًا».

خسائر.. واعتراض
في الحقيقة، لم تقتصر «خيبات» تيار «المستقبل» شمالاً على مدينة طرابلس بل طرقت أبوابه في قضاء المنية – الضنية أيضًا، حيث خسر في بلدة سير، كبرى بلدات القضاء ومسقط رأس النائب أحمد فتفت، بوجه ﻻئحة «سير أحلى» المدعومة من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي. ولقد وصف فتفت النتيجة هناك بـ«غير المتوقعة والقاسية». وهنا يردّ خلدون الشريف، السياسي الشمالي ومستشار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، النتائج المفاجئة و«النكسات» التي شهدتها أكثر من منطقة لبنانية لـ«الحركة الاعتراضية على الطبقة السياسية التي تشكلت من المجتمع المدني الذي بدأ حراكه في العام 2015 ضمن حملات بدنا نحاسب وطلعت ريحتكم»، ولفت الشريف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّه «رغم أن المفاجآت حلّت في أكثر من منطقة فإنها أتت في طرابلس لتكون جرس الإنذار الأقوى وبالتحديد على المستوى السني، ما يتطلب إعادة نظر بالخطاب والأداء السياسي وبطريقة التعاطي مع الشارع». وأردف «لا شك أن حالة الاسترخاء لدى القوى السياسية في طرابلس، ونحن منها، واعتبارها أن المعركة مضمونة ساهمت إلى حد بعيد بفوز الطرف المنافس المتمثل باللواء ريفي الذي قاد معركة لائحته بنفسه، بخلافنا، باعتبار أننا ارتأينا عدم استخدام الخطاب السياسي وترك المرشحين إلى المجلس البلدي يخوضون معركتهم بأنفسهم».

لا تطرف ولا اعتدال
ولا يذهب الشريف بعيدا بقراءة أبعاد معركة كما فعلت بعض قوى 8 آذار، التي اعتبرت أن نتائج طرابلس «توحي بانتصار التطرف على الاعتدال»، فهو يشدد على عدم إمكانية تصنيف ريفي بـ«المتطرف»، معتبرا أن خطابه «حاد وشعبوي لكنّه غير متطرف». وإذ ردّ تراجع «المستقبل» على مستوى لبنان لـ«تخليه عن الشعارات التي كان رفعها عند دخوله الحكم، وغياب قائده عن لبنان إضافة لحالات التمرد وأبرزها تمرد ريفي الذي كان يُعتبر أحد أبرز صقور تيار الحريري»، ذكّر الشريف بأن «خطاب رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري لم يكن يوما حادا»، لافتا إلى أن «الحريرية السياسية لطالما كانت قائمة على التسويات، وبالتالي ليس صحيحا أن من يعبّر عن الحريرية السياسية هو اللواء أشرف ريفي». كذلك رأى الشريف أن الحديث عن «سقوط الأحادية السنّية، الذي يُعتبر أصلا مصلحة وطنية، وقيام ثنائيات وثلاثيات أمر مبكر»، مشددا على وجوب انتظار النتائج التي ستفرزها الانتخابات النيابية المقبلة.

الفائزون في انتخابات مدينة طرابلس
* من لائحة «قرار طرابلس» المدعومة من اللواء أشرف ريفي وزير العدل المستقبل:
خالد عمر تدمري – رياض عزت يمق – أحمد عبد الوهاب المرج – خالد وليد الولي – أحمد عبد القادر قمر الدين (رئيسا للبلدية) – زاهر إبراهيم سلطان – جميل أحمد جبلاوي – سميح محمد حلواني – أحمد محمود البدوي – توفيق محمد أمين العتر – محمد نور أسعد الأيوبي – باسل أسعد الحاج – محمد عدنان تآمر – يحيى واصف فتّال – لؤي عبد الكريم المقدم – وأحمد عبد الحميد القصير
* من لائحة «لطرابلس» المدعومة من تيار «المستقبل» والرئيس نجيب ميقاتي والوزير فيصل عمر كرامي:
أحمد مصطفى حمزة – عزام بهاء الدين عويضة – شادي غسان نشابة – رشا فائز سنكري – محمد صفوح أحمد عصمت يكن – محيي الدين علي البقّار – عبد الحميد وليد كريمة – باسم عبد الوهاب بخاش.



«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)
TT

«قمة فلسطين» محطة أولى في مسار طويل لصد التهجير

من القمة (رويترز)
من القمة (رويترز)

الدورة غير العادية من اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، عقدت في القاهرة، بناء على طلب دولة فلسطين، لمواجهة تحدي «التهجير» الذي زادت خطورته مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مقترح لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. ولقد أعقبه كلام عن عزمه على السيطرة على القطاع وتحويله إلى ما وصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط»، وهو المقترح الذي قوبل بانتقادات عربية ودولية واسعة.

تنسيق عربي واسع

ورغم الرفض العربي الواضح منذ اليوم الأول لمقترح ترمب، فإن انعقاد القمة استدعى كثيراً من التحضيرات والاتصالات بدأت باجتماع «خماسي عربي» في القاهرة مطلع فبراير (شباط) الماضي، شارك فيه وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وخلصت الجهود العربية إلى توجيه رسائل عدة إلى ترمب على رأسها «رفض التهجير».

لم تتوقف الأمور هنا، بل استمرّت البيانات والمباحثات بشأن مستجدات القضية الفلسطينية مع تفاقم «تحدي التهجير»، حتى أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن «اتصالات مكثفة مع دول عربية عدة لبحث مستجدات القضية الفلسطينية».

وتلا ذلك الإعلان عن استضافة القاهرة قمة عربية «طارئة» هدفها بحث التطورات «المستجدة والخطيرة» للقضية الفلسطينية. وكان مقرراً عقدها في 27 فبراير الماضي، لكنها أرجئت إلى 4 مارس (آذار) الحالي لـ«استكمال التحضير الموضوعي واللوجيستي»، بحسب إفادة رسمية للخارجيّة المصرية.

التحضير لـ«القمة الطارئة»

تطلّب التحضير تنسيقاً للمواقف العربية - العربية واتصالات واجتماعات على مدار الساعة، كان أبرزها لقاء أخوي تشاوري جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، الشهر الماضي في الرياض، رحّب بعقد «القمة العربية الطارئة». وجرى خلاله تبادل وجهات النظر حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، خصوصاً الجهود المشتركة الداعمة للقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في قطاع غزة.

التزام بدعم القضية

وتأكيداً على قضية العرب المركزية حملت هذه الدورة غير العادية اسم «قمة فلسطين»، وعكست كلمات القادة والزعماء المشاركين فيها موقفاً موحداً رافضاً للتهجير داعماً لإعادة إعمار قطاع غزة، والأهم كونه مؤيداً لخيار السلام، مع توجيه دعوات للرئيس الأميركي لدعم مسار السلام، استناداً إلى مبدأ «حل الدولتين».

وجاء «بيان القاهرة» في ختام فعاليات القمة الطارئة متضمناً 23 بنداً، من بينها «اعتماد الخطة المقدّمة من مصر، بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين والدول العربية واستناداً إلى الدراسات التي أُجريت من قبل البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة، بشأن التعافي المبكّر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة». وأيضاً، حمل البيان تحذيراً واضحاً من «أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني»، وعدّها «تهديداً لأسس السلام في الشرق الأوسط، وينسف آفاقه المستقبلية ويقضي على طموح التعايش المشترك بين شعوب المنطقة».

لبّت مخرجات «قمة فلسطين» العربية الطارئة، الكثير من «التطلعات والآمال التي كانت معقودة عليها»، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

إذ قال السياسي والحقوقي الجزائري، محمد آدم المقراني، إنها «عكست التزاماً عربياً جماعياً بدعم القضية الفلسطينية». ورأى الدكتور عبد الحكيم القرالة أستاذ العلوم السياسية بالأردن أنها كانت «متوائمة مع حجم الظرف الطارئ الذي تمر به القضية الفلسطينية من أطروحات للتهجير وتصفية القضية». وبينما ذكر السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أنها تضمنت «حلولاً سياسية وأمنية عملية تلبي كثيراً من التطلعات»، لفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور، أحمد يوسف أحمد، إلى أن قرارات القمة جاءت «متناسبة مع التحديات، لا سيما تبنيها الخطة المصرية لإعادة الإعمار وتصورها لإدارة وحكم قطاع غزة وطرحها لقضية الإصلاح الداخلي الفلسطيني».

معضلة «حماس»

في بيانها الختامي، أكدت القمة أن خيار العرب الاستراتيجي هو «تحقيق السلام العادل والشامل». ودعت إلى «تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة، من أجل تحقيق السلام». ولكن بعد ساعات من اعتماد جامعة الدول العربية خطة مصر لإعادة إعمار قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، رفضت كل من أميركا وإسرائيل المقترح. وفي حين ادعى البيت الأبيض أن الخطة «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع»، عدّت إسرائيل عبر وزارة خارجيتها أن القمة «لم تعالج واقع ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

في المقابل، بينما حثّت القمة على توحيد الصف الفلسطيني، ورحبت بـ«تشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية» و«بجهود دولة فلسطين المستمرة في إطار الإصلاح الشامل»، لم يشر البيان الختامي إلى مصير حركة «حماس» في قطاع غزة، وهذه «معضلة» وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة شرطاً لأي اتفاق مستقبلي، كما شددت دول أوروبية عدة في أعقاب اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، على رفض أن يكون لـ«حماس» أي دور في قطاع غزة مستقبلاً.

غير أن رئيس الوزراء وزير الخارجية الفلسطيني، محمد مصطفى، أبدى تفاؤلاً إزاء هذه النقطة، وقال في مؤتمر صحافي ختامي للقمة: «لا نريد أن نعطي لأحد الذرائع... مطلوب من الجميع تقديم أفضل ما عنده لتجاوز العقبات... والمسؤول الأول عن الوضع الحالي هو إسرائيل». وأضاف مصطفى: «ضمن التوافقات الفلسطينية نحن كفيلون بتجاوز هذه القضايا ونعتمد على وطنية الجميع لحل أي خلاف».

من جهة ثانية، مع تأكيد الدكتور أحمد أن تحقيق وحدة الصف الفلسطينية «أمر ليس بالسهل»، لفت إلى «مؤشرات إيجابية» من بينها ترحيب «حماس» بقرارات القمة، وتحميل إسرائيل المسؤولية. واتفق معه الدكتور الرقب بقوله إن «المؤشرات الحالية توحي بقدر من البراغماتية الفلسطينية في التعامل مع الموضوع ورغبة في حل القضايا الداخلية العالقة».

بالتوازي، وفق أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، قدمت القمة «بديلاً واضحاً وعملياً وواقعياً لمقترح إخراج الفلسطينيين من أراضيهم». وأشار في مؤتمر صحافي في ختام أعمال القمة، إلى أن الخطة «ليست فنية فقط، بل ترسم مساراً لسياق أمني وسياسي جديد في غزة، يتضمن تشكيل لجنة تكنوقراط غير فصائلية، تتولى إدارة القطاع لمدة 6 أشهر تحت إشراف السلطة الفلسطينية... وهذه خطة مرنة وقابلة للتطوير حسب مقتضيات الواقع».

التحدي الصعب

في المقابل، عدّ الرقب أنه بقدر قوة قرارات القمة فإنها «تحتاج إلى خطوات إجرائية لتنفيذها على أرض الواقع... ومعظم القرارات بما في ذلك إعادة الإعمار تتطلب التزاماً إسرائيلياً بمراحل اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاباً كاملاً من قطاع غزة». وأكد السياسي الفلسطيني «ضرورة تحرك الدبلوماسية العربية للتأثير على الإدارة الأميركية وإقناعها بالخطة المصرية لإعادة الإعمار... كيلا تكون قرارات القمة ككثير من القرارات السابقة حبراً على ورق». وأردف: «نحتاج لخطوات إجرائية فعلية وعمل دؤوب كيلا نكون أمام خيارات صفرية». وفي هذا السياق، دعا الدكتور القرالة لحشد الدعم الدولي من أجل أفق سياسي واضح للقضية الفلسطينية... «لأن مخرجات القمة تحتاج إلى دعم وإسناد خلال الأيام المقبلة، بهدف البناء على الرؤية العربية والموقف الجامع لحل القضية الفلسطينية وانتشال المنطقة من براثن العنف».

من زاوية أخرى يبدو أن وضع مقررات القمة موضع التنفيذ «هو التحدي الأساسي الأصعب أمام القمة»، بحسب الدكتور أحمد، لا سيما مع رفض إسرائيل والولايات المتحدة لها، إذ قال: «القمة خطوة أولى تستتبعها خطوات أكثر صعوبة». وهذا تحد أشار إليه أيضاً أبو الغيط بقوله إن «القمة محطة أولى في مسار طويل أتمنى ألا يكون شاقاً». أما المقراني فرهن فعالية مخرجات القمة بـ«مدى التنسيق المستقبلي بين الدول العربية، وقدرتها على تجاوز الخلافات وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات المشتركة».

الواقع أن البيان الختامي يشير إلى «التنسيق في إطار اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية المشتركة لإجراء الاتصالات والقيام بالزيارات اللازمة للعواصم الدولية من أجل شرح الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة، والتعبير عن الموقف المتمسك بحق الشعب الفلسطيني بالبقاء على أرضه وحقه في تقرير مصيره». لكن الدكتور يوسف يلفت إلى «سير الإدارة الأميركية الحالية في اتجاهات متضاربة»، ويقول: «هذا لا يعني أنه لا مجال للتحرك، ولكن تبقى مواقف الإدارة الأميركية الحالية صعبة وتحتاج إلى مجهود لتغييرها ودفعها لدعم الخطة العربية».

وهكذا، انتهت القمة لكن العمل العربي لمواجهة تحدي «التهجير» وتصفية القضية لم ينته بعد، وهو ما يستدعي البدء في «مرحلة كسب المزيد من الدعم للخطة العربية».