بحصولها على خمسة أصوات مقابل صفر لإنجلترا، وصوت واحد لملف مشترك بين النرويج والسويد والدنمارك، جاء دور ألمانيا الغربية لاستضافة البطولة الأوروبية الثامنة لكرة القدم.
وحصل الألمان على التأييد بعدما أثبتوا أنهم الأفضل في البطولة من حيث النتائج، لكونهم المنتخب الوحيد الذي أحرز اللقب مرّتين، عامي 1972 و1980، مقابل فوز كل من الاتحاد السوفياتي وإسبانيا وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا وفرنسا بلقب وحيد.
ومرّة جديدة، خاضت كل الدول الأعضاء في «يويفا» تصفيات البطولة الثامنة من خلال سبع مجموعات، على أن ينضمّ أبطالها إلى ألمانيا الغربية في النهائيّات التي أقيمت بين 10 و25 يونيو (حزيران) 1988.
أبرز مفاجآت التصفيات تمثل في فشل فرنسا حاملة اللقب، والبرتغال التي وصلت إلى نصف النهائي في التأهل إلى النهائيّات. ومنذ رفع عدد الفرق في النهائيّات إلى ثمانية عام 1980، باتت فرنسا المنتخب الوحيد الذي فشل في التأهل للنهائيّات بعد فوزه بالبطولة السابقة مباشرة.
في المقابل، ترافقت إيطاليا وإنجلترا إلى النهائيات من جديد، ومعهما الاتحاد السوفياتي العائد بعد غيابه عن ثلاث بطولات متتالية، بينما كان منتخب جمهورية آيرلندا الوحيد الذي يبلغ النهائيات للمرّة الأولى.
وقبل الإعلان عن الدولة المضيفة للنهائيّات، اشترطت دول الكتلة الشرقية عدم إقامة أي مباريات في برلين الغربية، باعتبارها ليست جزءًا من جمهورية ألمانيا الاتحادية، وخضع الاتحاد الألماني لكرة القدم لرغبة تلك الدول، فاستبعدت برلين عن قائمة المدن المضيفة، وتم اختيار 8 مدن أخرى تنتشر في جميع أنحاء الدولة، أي بمعدل مباراتين لكل ملعب.
قمة في الافتتاح
في مجموعة ضمّت ثلاثة أبطال سابقين، وذلك للمرّة الأولى في النهائيات، تعادل المنتخب المضيف مع المنتخب العائد إيطاليا بهدف لهدف في المباراة الافتتاحية للبطولة التي أقيمت في دوسلدورف.
هدف إيطاليا سجّله المهاجم روبرتو مانشيني بعد سبع دقائق على بداية الشوط الثاني، وكان هدفه الأول في مباراته الدولية رقم 14.
ولم يتأخر الردّ الألماني أكثر من ثلاث دقائق، فجاء هدف التعادل بتسديدة لأندرياس بريمه من ركلة حرّة غير مباشرة.
اللقاء الآخر جمع إسبانيا والدنمارك للمرّة الثالثة على التوالي في البطولات الكبرى، حيث كان الإسبان قد أخرجوا منافسيهم عبر ركلات الترجيح في نصف نهائي البطولة الأوروبية السابقة في فرنسا، ثم اكتسحوهم بنتيجة (5 - 1) في كأس العالم لسنة 1986 في المكسيك.
ولم تجد إسبانيا صعوبة كبيرة في تحقيق «ثلاثيّة» انتصاراتها المتتالية، ففازت بنتيجة (3 - 2) في مباراة كان محورها المهاجم ميشيل (خوسيه ميغيل غونزاليس) الذي سجّل الهدف الأول في الدقيقة الخامسة، ثم حصل لاحقًا على ركلة جزاء بعدما عرقله المدافع الدنماركي جون سيفبيك، فسدّدها بنفسه، لكنّ الحارس ترولس راسموسن استطاع صدّها.
تجدر الإشارة إلى أنّ المدافع الاحتياطي لارس أولسن دخل المباراة في الدقيقة 74 بديلاً لقائد الدنمارك مورتن أولسن، بينما بقي على مقعد البدلاء لاعب ثالث يحمل اسم العائلة نفسه، يسبر أولسن، لكن ما من علاقة قربى تجمع بين أي منهم.
في أولى مباراتي المرحلة الثانية، حقّق الألمان فوزهم الأول على الدنمارك بنتيجة (2 - 0) ليخرجوهم من المنافسة.
الهدف الأول سجّله المهاجم الشاب يورغن كلينزمان، والثاني، سجله نجم شاب آخر هو لاعب خط الوسط المهاجم أولاف تون برأسه، رغم أنّه كان أقصر لاعب في المباراة.
وكانت هذه النتيجة نهاية مرحلة مميّزة للمنتخب الدنماركي بقيادة المدرّب سيب بيونتيك، بلغ خلالها الدور نصف النهائي للبطولة الأوروبية السابعة «فرنسا 1984»، ونهائيّات كأس العالم للمرّة الأولى عام 1986.
وبعد مباراة «شبه ثأريّة»، تساوت إيطاليا مع ألمانيا الغربية في صدارة المجموعة بفوزها على إسبانيا بهدف وحيد سجّله جيانلوكا فيالي قبل 17 دقيقة من انتهاء المباراة.
وإن كانت مباراة إيطاليا مع إسبانيا «شبه ثأريّة»، فإنّ مباراة ألمانيا الغربية مع إسبانيا كانت ثأريّة بحقّ، إذ إنّ الإسبان كانوا قد كبّدوا الألمان خسارتهم الأولى في النهائيّات على الإطلاق في البطولة السابقة، وفي آخر مباريات الدور الأول أيضًا.
وارتقى الهدّاف رودي فولر إلى مستوى الحدث، فسجّل هدفي المباراة لفريقه بعدما كان قد «صام» عن التهديف أكثر من سبع مباريات دوليّة.
واحتلت ألمانيا الغربية بهذا الفوز صدارة المجموعة، بينما خرجت إسبانيا من المنافسة.
ولحقت إيطاليا بالألمان إلى الدور نصف النهائي بفوزها على الدنمارك (2 - 0)، حيث سجّل الهدفين البديل أليساندرو التوبيلّي في الدقيقة 67 بعد دقيقة واحدة من دخوله، والبديل الآخر لويجي دي أغوستيني في الدقيقة 87.
أسوأ مشاركات إنجلترا
توّج منتخب آيرلندا بلوغه أول نهائيّات بطولة كرويّة كبرى بفوز ثمين على «غريمه» العريق منتخب إنجلترا في أولى مباريات المجموعة الثانية بهدف مبكر سجله راي هاوتون في الدقيقة السادسة.
المباراة الأخرى في المجموعة أسفرت عن فوز مماثل للاتحاد السوفياتي، صاحب الأداء الباهر في كأس العالم 1986، على منتخب هولندا المرشح للفوز بالبطولة بهدف وحيد سجّله فاسيلي راتس في الدقيقة 52 بعكس مجريات المباراة. وشارك ماركو فان باستن نجم هولندا المتعافى من إصابة أبعدته عن الملاعب أشهرًا عدّة بديلا، ولم تنجح محاولاته في تعديل النتيجة.
الفريقان الفائزان واصلا تصدّرهما المجموعة في المرحلة الثانية بعد تعادلهما (1 - 1)، سجّل هدف آيرلندا روني ويلان في الشوط الأول، وعادل أوليغ بروتاسوف للاتحاد السوفياتي في الشوط الثاني.
وسطع نجم فان باستن العائد إلى تشكيلة هولندا الأساسيّة في المباراة ضدّ إنجلترا، إذ سجّل الهاتريك الخامس في تاريخ البطولة الأوروبيّة، ليحافظ على أمل فريقه بالتأهّل إلى الدور نصف النهائي، بينما تأكّد خروج إنجلترا من المنافسة نهائيًا.
أحرز فان باستن أول أهدافه في آخر دقائق الشوط الأول، وتمكّن الإنجليز من تحقيق التعادل بهدف سجّله القائد برايان روبسون بعد ثماني دقائق على بداية الشوط الثاني. غير أنّ المهاجم الهولندي عاد ليمنح فريقه التقدّم في الدقيقة 71، ويعزّزه بالهدف الثالث بعد أربع دقائق، ويفسد بذلك فرحة الحارس الإنجليزي بيتر شيلتون بخوضه المباراة المائة مع منتخب بلده. تجدر الإشارة إلى أنّ شيلتون بات في هذه المباراة أيضًا أكبر لاعب يشارك في نهائيات البطولة الأوروبية، إذ بلغ عمره 38 عامًا و271 يومًا، بعدما كان اللقب في عهدة الحارس الإيطالي دينو زوف منذ عام 1980، غير أنّ الدنماركي مورتن أولسن خطف اللقب من شيلتون بعد يومين فقط.
وفي ختام مباريات المجموعة الثانية، سعت آيرلندا للخروج من لقائها مع هولندا بتعادل على الأقل، بينما كانت الأخيرة بحاجة إلى الفوز، كي تضمن تأهلها للدور نصف النهائي. واستمرّ التعادل السلبي حتى الدقيقة 82. عندما أحرز اللاعب الهولندي البديل فيم كيفت هدفًا غريبًا بكرة رأسية لولبيّة.
المباراة الأخرى بين إنجلترا والاتحاد السوفياتي تقدّم الأخير بهدف من تسديدة لسيرغي ألينيكوف بعد 127 ثانية من صافرة البداية، فبات أسرع هدف في النهائيّات، (ظل كذلك طيلة 16 عامًا)، وعادل الإنجليز النتيجة في الدقيقة 16 برأسيّة من طوني آدامز، إلا أنّ أوليكس ميخايلتشينكو أعاد التقدّم لفريقه قبل نهاية الشوط الأول، ثم عزّز زميله البديل فيكتور بازولكو النتيجة في الشوط الثاني، ليحتلّ السوفيات صدارة المجموعة أمام هولندا، وتتجرّع إنجلترا خسارتها الثالثة على التوالي.
«لعنة» الاستضافة
في أولى مباراتي الدور نصف النهائي، شكّل لقاء ألمانيا الغربيّة على أرضها مع هولندا بقيادة المدرّب رينوس ميكيلز، إعادة للمباراة التي جمعت الفريقين في نهائي كأس العالم 1974 (فاز فيها الألمان بقيادة فرنز بيكنباور).
كلّ هذه المجريات تكرّرت بعد 14 عامًا، إنما بشكل عكسي. فبعد انتهاء الشوط الأول من دون أهداف، احتسبت ركلة جزاء لألمانيا الغربية في الدقيقة العاشرة من الشوط الثاني، وسجّل منها ماتيوس هدف التقدّم للألمان، غير أنّ رونالد كومان عادل النتيجة لهولندا بركلة جزاء أيضًا، ولمّا لاحت بوادر الوقت الإضافي، خطف فان باستن الفوز لهولندا بتسديدة في الزاوية البعيدة لمرمى الحارس آيكه إيميل.
وأخيرًا تفوّقت هولندا على ألمانيا الغربية، للمرّة الأولى منذ 32 عامًا، بعد سبع خسائر وثلاثة تعادلات، لتحجز مقعدها في أول نهائي لها في البطولة الأوروبية، والأخير حتى اليوم، بينما باتت ألمانيا الغربية أول دولة مضيفة تفشل في إحراز لقب البطولة على أرضها منذ اعتماد نظامي المجموعات وخروج المغلوب.
نهائي رابع للسوفيات
بعد 24 ساعة من فشل الألمان في الوصول إلى نهائي البطولة الأوروبية لمرّة رابعة قياسيّة، بعد الأعوام 1972 و1976 و1980، نجح منتخب الاتحاد السوفياتي في تحقيق هذا الإنجاز بدلاً منهم بفوزه على إيطاليا (2 - 0).
انتهى الشوط الأول من المباراة بالتعادل السلبي، مما أعطى الطليان بعض الأمل، إذ إنّ مبارياتهم الثلاث في الدور الأول كان شوطها الأول ينتهي بالنتيجة نفسها، قبل أن تعود لتحقّق الفوز في اثنتين منهما والتعادل الإيجابي في المباراة الثالثة. غير أنّ السوفيات هم الذين ارتقوا بأدائهم في الشوط الثاني هذه المرّة، فسجّلوا هدفين في غضون أربع دقائق عن طريق سيرغي ليتوفتشينكو في الدقيقة 58 وبروتاسوف في الدقيقة 62، وضربوا موعدًا متجدّدًا في النهائي مع هولندا.
هدف لا يتكرّر
كما الدور نصف النهائي، خيّمت أجواء «الثأر» على المباراة النهائيّة للبطولة الثامنة، حيث دارت التساؤلات عمّا إذا كانت هولندا سوف تستطيع الثأر لخسارة تعرّضت لها قبل نحو 14 يومًا بعدما نجحت في الثأر لخسارة عمرها 14 عامًا.
وهذه المباراة باتت الأولى في النهائيّات التي تجمع فريقين سبق لهما أن تواجها في الدور الأول، واتجهت كل الأنظار إلى ماركو فان باستن، الذي شارك بديلاً في المباراة الأولى ضدّ السوفيات، لكنّه تحوّل في غضون أسبوعين إلى النجم الأول للبطولة.
وبعد مرور أكثر من نصف ساعة بقليل، بدأ فان باستن يفرض نفسه على اللقاء، إذ تطاول لكرة مرفوعة من الجهة اليمنى، إثر ركلة ركنيّة لهولندا، وحوّلها برأسه إلى قائد الفريق رود خوليت وسط تقدّم مدافعي الاتحاد السوفياتي، ليحولها قويّة في سقف مرمى الحارس داساييف.
وفي الدقيقة التاسعة من الشوط الثاني كانت اللمحة الكرويّة التاريخية للنجم فان باستن التي لا تزال عالقة في أذهان هواة الكرة بعد مرور نحو 28 عامًا. لقد تلقى فان باستن كرة عرضية وهو في جانب صعب بالقرب من خط المرمى، ويبعد نحو ثمانية أمتار عن الشباك، وبينما كان الاحتمال المنطقي أن يعيد الكرة إلى الجهة اليسرى حيث يوجد خوليت، قام بدلاً من ذلك بتسديد الكرة على الطاير نحو الزاوية البعيدة لتعلن أجمل الأهداف في تاريخ البطولة الأوروبية.
ولاحت أمام السوفيات فرصة للعودة إلى المباراة عندما حصلوا على ركلة جزاء تقدم لها إيغور بيلانوف، لكنّ الحارس فان بروكلين تصدى لها، ليسهم في إحراز منتخب بلده أول بطولة كبرى في تاريخهم. أمّا الاتحاد السوفياتي، فبات أول فريق يخسر ثلاث مباريات نهائيّة للبطولة الأوروبية، بعد عامي 1964 و1972.
وعلى صعيد البطولة الثامنة ككل، تبقى الإشارة إلى أنّها تميّزت عن جميع البطولات الأوروبية الأخرى، لكونها لم تشهد أي تعادل سلبي، أو أي بطاقة حمراء، أو أي وقت إضافي لمباريات الدورين نصف النهائي والنهائي.
هدّافو بطولة 1988
ماركو فان باستن هولندا 5 أهداف
رودي فولر ألمانيا الغربية هدفان
أوليغ بروتاسوف الاتحاد السوفياتي هدفان