بعد نهاية موسم طويل لنادي «إيه إتش إف» الحاصل على جائزة النادي النموذجي للعام من جانب اتحاد كرة القدم الإنجليزي، يخوض النادي سلسلة مكثفة من اللقاءات الودية على ملاعب ويلتون بارك لكرة القدم الممتازة، والواقعة على أطراف بلاكبيرن. جدير بالذكر أن «إيه إتش إف» يضم فرقًا لما دون الثامنة وما دون التاسعة وما دون الحادية عشرة من العمر. ويفتح النادي أبوابه لجميع الأطفال، وإن كانت غالبية لاعبيه من الأطفال المسلمين، خاصة أنه تجري إدارته من قبل «مؤسسة أبو حنيفة» التي تؤكد على تفسير تقدمي للإسلام وهدف تنمية نشء يمثل في المستقبل إضافة إيجابية للمجتمع البريطاني ككل.
ويخوض النادي مباريات أمام خصمهم التقليدي «فوليدج كولتس» الذي يتسم لاعبوه الأطفال باللون الأبيض من منطقة بيرنلي، وهو ناد يضم هو الآخر مدربين محترفين، بجانب كونه عضوًا في حملة «ريسبيكت» (احترم) التي ينظمها اتحاد كرة القدم لتعزيز أنماط السلوك الراقي في صفوف اللاعبين الناشئين والصغار. وأثناء مشاهدة الأطفال يتسابقون للاستحواذ على الكرة ويسددونها بزهو باتجاه الشباك صغيرة الحجم المصممة لتوائم ملعب مخصص للأطفال دون الـ8، تتضح أمامك تدريجيًا حقيقة أن هؤلاء الصغار تجري تنشئتهم على التشجيع الهادئ، وليس الضغط الصارخ. داخل ملعبين منفصلين، انهمكت 30 فتاة في لعب كرة القدم، وقد ارتدت بعضهن الغطاء المسلم التقليدي للشعر، تحت إشراف زبير باتيل، رئيس شؤون التدريب لدى «إيه إتش إف»، وهو مدرب مسجل لدى اتحاد كرة القدم ويعمل لدوام كامل، ويستعين به الاتحاد في برامجه الهادفة لتعزيز المهارات على الصعيد الوطني.
من جهتها، قالت إحدى الفتيات، سارة باتيل، 10 سنوات، إنها انضمت إلى «إيه إتش إف» وهي في الـسابعة، مؤكدة أنها لطالما استمتعت بلعب كرة القدم، وأنها تلقى تشجيعًا من جانب والديها على اللعب. وأضافت: «البعض يعتقد أنه أمر غريب لأن الفتيات عادة لا يلعبن كرة القدم، لكن لماذا ينبغي أن يحتكر الأولاد كل هذه المتعة؟» أما الغياب اللافت للصراخ داخل الملعب فيأتي نتاجًا لجهود إيجابية مكثفة مع أولياء الأمور لشرح المنتظر منهم، تحديدًا: «دعم الطفل خلال عملية تنمية مهاراته بمجال كرة القدم»، حسبما شرح ياسر صوفي، أمين النادي. أما زبير باتيل، فقد شرح فلسفته في التدريب باعتبارها تدور حول تشجيع اللاعبين على الإبداع والتعبير عن أنفسهم من خلال الكرة. أما دور الآباء والأمهات فيدور حول اتخاذ خطوة للخلف وتقديم الدعم، بدلاً من المبالغة في المشاركة فيما يدور داخل أرض الملعب، وهو توجه يرمي لنشر جو عام من الاسترخاء والهدوء، يجري تعزيزه عبر إمدادهم بأقداح من الشاي والقهوة بينما يجلسون على طاولات قائمة على مسافة مناسبة من أرض الملعب.
جدير بالذكر أنه جرت تنمية هذه الجهود الساعية لتوفير بيئة أفضل للآباء والأمهات، وكذلك الأطفال، على مستوى المنطقة بأكملها من جانب اتحاد كرة لانكشير، من خلال ورشة عمل «ناضجون في كرة القدم» التي ينوي اتحاد الكرة تعميمها على المستوى الوطني. من جانبها، وقفت سامينا علي على مقربة من أقداح الشاي والقهوة، تشاهد نجلها، يلعب في مباراة كان فريقه خلالها متقدما بثلاثة أهداف مقابل هدفين. وأعربت عن اعتقادها بأن النادي ساعد في تعزيز ثقته بنفسه وتنمية مهاراته وتوفير متنفس لطفل يملك بداخله طاقة متفجرة. وأضافت: «أشعر بسعادة بالغة لاختلاطه بصبية من كل مكان، وأنه لا وجود لحواجز أو تقسيمات». وعن وقوفها على خط التماس، قالت: «ظننت أنني لن أجد الكثير من الأمهات يشاهدن أطفالهن أثناء اللعب، لكن اتضح لي خطأ ظني. أما أنا فأحضر دومًا المباريات التي يشارك بها صغيري كي أوفر له الدعم».
من ناحية أخرى، يعتبر محمد آصف، 12 عامًا، من اللاعبين المميزين لدى «إيه إتش إف»، بجانب كونه عضوًا بين 13 عضو آخر بمجلس الناشئين داخل النادي. ويتولى المجلس تنظيم رحلات وأيام مخصصة للمرح والاستجمام، ويعمل كوسيلة لغرس الشعور بالمسؤولية داخل نفوس الأطفال. وقال آصف إن لعب كرة القدم يعد تجربة إيجابية من جميع جوانبها بالنسبة له، مشيرًا إلى أنه كان يتعرض فيما مضى لمضايقات من قبل زميل له بالمدرسة. أما الآن، فقد أصبح صديقه المقرب. وعلق على هذا بقوله: «أعتقد أن هذا يرجع إلى أننا بدأنا في اللعب معًا، وبالتالي أصبحنا على المستوى ذاته. بالنسبة لي، لم أكن أقدم أداءً جيدًا داخل الملعب، وكثيرون لم يرغبوا في انضمامي إلى فرقهم، لكن مع تلقي التوجيه والتدريب، تحسن مستواي كثيرًا، وأصبح الجميع يرغبون في انضمامي إليهم الآن».
على الجانب الآخر، فإنه لدى انطلاق صافرة نهاية المباراة، يحرص صوفي على تذكير لاعبي الفريق المنافس بأنه: «لا تنسوا أن تشتروا لأنفسكم قطعة حلوى». وبالفعل، يشتري لاعبو «فوليدج كولتس» بالفعل الحلوى. من ناحية أخرى، فإنه داخل مدن شرق لانكشير التي كثيرًا ما يهيمن التوتر على العلاقات بين المجتمعات المختلفة داخلها، نجح هذا النادي الذي أقامته «مؤسسة أبو حنيفة» عام 2012. في التحول سريعًا لمنارة للتدريب الجيد والاندماج والعلاقات الرياضية الودية. ويشرح صوفي أن مسؤولي النادي يؤمنون بأهمية الرياضة كجزء من الفلسفة «الشمولية» التي يدرسها رئيس المؤسسة، الشيخ امتياز دامييل، مشيرًا إلى أنهم يديرون وحدة كشافة أيضًا.
عندما بدأ النادي أنشطته، شارك في جميع مسابقات كرة القدم للأطفال المخصصة لأبناء أصحاب الأصول الآسيوية، لكن التجربة لم تروق لمسؤولي النادي. عن هذا، قال صوفي: «عاينا الكثير من الممارسات السيئة هناك، مثل أطفال يتعرضون للصياح بوجوههم وشتائم وعراك. لقد كان هناك قدر كبير من الجهل بخصوص ماهية البيئة الصحيحة للأطفال الذين يلعبون كرة قدم».
وأضاف: «في أغلب الأوقات، عكست الفرق الانقسامات القائمة داخل المجتمع الآسيوي، بين أبناء الهند وباكستان وبنغلاديش. أما نحن فليست لدينا أي حواجز بخصوص من يمكنه اللعب معنا، وقررنا عدم المشاركة في مثل هذه المسابقات، والإبقاء على مشاركة أطفالنا في المسابقات الرسمية. والآن، بدأت الكثير من الأندية الآسيوية الأخرى في الاحتذاء بحذونا».
يذكر أن بيتر ثورنتون، مدير لدى اتحاد كرة القدم عن منطقة لانكشير، أبدى تحمسه لتقدم نادي «إيه إتش إف» في مسابقة النادي النموذجي لعام 2015 - 2016. وعلق على النادي بقوله: «رغم كل ما يفعله (إيه إتش إف) لكرة القدم، فإن ميزته الكبرى تكمن في رسمه الابتسامة على الوجوه. لقد نجح هذا النادي في رفع سقف طموحات الأندية والفرق الآسيوية الأخرى، والتي تتزايد في عددها. وأصبحت أعداد متزايدة منها مشاركة في مسابقة الدوري التي ننظمها».
ونال «إيه إتش إف» بالفعل جائزة وطنية عبر عملية قامت على التنافسية وتضمنت بادئ الأمر قرابة 400 ناد على مستوى البلاد. وفي شرحه أسباب اختيار «إيه إتش إف»، أشار اتحاد كرة القدم إلى تأثير النادي على المواطنين العاديين وأبنائهم، وتوليه تدريب قرابة 300 طفل لم تسبق لهم المشاركة في كرة القدم الرسمية، بجانب توجه النادي القائم على الترحيب بمشاركة أبناء مختلف الفئات والديانات.
وخلال متابعته كرة قدم للفتيات، قال باتيل إنه نشأ في بلاكبيرن، حيث حمل بداخله دومًا عشقًا لكرة القدم، لكنه واجه صعوبة شديدة في إيجاد دور له بها، الأمر الذي يعزو في جزء منه إلى توقعات والديه. وأوضح أن أسر أطفال بلاكبيرن عادة ما ترغب من الصبية السير في طريق أكاديمي والحصول على «عمل آمن ومستقر ومهني». وحتى هذه اللحظة، يناضل مسؤولو النادي لإقناع الآباء والأمهات بالفوائد التي سيجنيها أطفالهم من وراء الرياضة. وبمرور الوقت، تولدت لدى باتيل رغبة في التدريب، وسافر للعمل بهذا المجال لبعض الوقت في الولايات المتحدة، ثم عمل مع بلاكبيرن روفرز ومانشستر يونايتد على مستوى الناشئين. وشق طريقه نحو الترقي في عمله حتى حصل على رخصة الفئة الأولى الممتازة من المدربين من «يويفا» في سن الـ26.
وأضاف باتيل أنه منذ عمله مع اتحاد كرة القدم منذ عام 2009. رغب في أن يصبح قدوة أمام الشباب المسلم الناشئ، وكذلك العمل على تعزيز الفهم العام للإسلام كدين يحث على السلام والقيم الرفيعة. ويأتي تقليد تقديم الحلوى والشاي للزائرين في إطار هذه الفلسفة، في محاولة لإظهار حسن الضيافة للضيوف.
وقال باتيل: «هناك ثلاث قيم أساسية داخل النادي، أولها كيف نلعب، والتي يجري غرسها في الأطفال بحيث ينشأون كأفراد مبدعين وشجعان في التعامل مع الكرة. وتتعلق القيمة الثانية بالتدريب، وتعتمد على المهارات، والتي تعد بمثابة الحامض النووي عبر مختلف الفرق. وتحمل القيمة الثالثة الأهمية الكبرى وتتعلق بسبب وجودنا من الأساس، وتدور حول ضرورة أن نسلط الضوء دومًا على من نحن وما هي قيمنا الحقيقية أمام الرأي العام».
واستطرد بأن: «المجتمع داخل بلاكبيرن يعاني من الانقسام والفصل بين المجتمعات الصغيرة المكونة له، ويعلم الجميع هذه الحقيقة. أما نحن فمهمتنا تحطيم هذه الحواجز وبناء علاقات طيبة وتغيير الأفكار النمطية. إن الأوضاع بالفعل يمكن أن تتبدل، ومن الممكن أن نصبح جزءًا من هذا التغيير. وقبل كل شيء، هذا تحديدًا ما جئنا هنا من أجله».
في بلاكبيرن.. نادٍ لناشئين مسلمين يرسم الابتسامة على الوجوه
يبني جسور التواصل وتوجهه قائم على الترحيب بمختلف الديانات
في بلاكبيرن.. نادٍ لناشئين مسلمين يرسم الابتسامة على الوجوه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة