حتّى قبل أن تحظى دول «عظمى» كرويًا بفرصة استضافتها لمرّة أولى، كإنجلترا وألمانيا الغربية وهولندا، حطّت البطولة الأوروبيّة لكرة القدم رحالها في إيطاليا للمرّة الثانية في يونيو (حزيران) عام 1980، وبعد 12 عامًا فقط على الاستضافة الأولى، التي توّجت بفوز الطليان بلقبهم الأوروبي الوحيد حتى اليوم.
ولعلّ قرب الطليان من «صانعي القرار» في القارّة كان عاملاً حاسمًا في منحهم هذه الاستضافة، فبعد 10 سنوات من تلك البطولة، ستصبح إيطاليا أول دولة أوروبية تستضيف كأس العالم مرّتين أيضًا.
يذكر أن اختيار الدولة المضيفة للنهائيّات بات يتم قبل إجراء التصفيات التمهيدية، وهو تم في الواقع يوم 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977، كما لم تعد الدولة التي يحالفها حظ «الاستضافة» تشارك في التصفيات، بل تتأهلّ إلى النهائيّات تلقائيًا، بعكس ما كانت عليه الحال في البطولات الخمس الأولى.
وقد أتى هذا التغيير نتيجةً منطقية لتطوّر آخر شهدته البطولة الأوروبية، وهو رفع عدد الفرق المتأهّلة للنهائيّات إلى ثمانية، مع اعتماد نظام الدوري من مجموعتين بدلاً من خروج المغلوب، وتأهل بطلي المجموعتين إلى المباراة النهائيّة والوصيفين إلى مباراة تحديد صاحب المركز الثالث. وقد ارتفع بذلك عدد المباريات في النهائيّات إلى 14 مباراة، بدلا من 4 مباريات فقط.
مرحلة التصفيات للبطولة جمعت 31 فريقًا توزّعت على 7 مجموعات، على أن ينضمّ أبطالها السبعة إلى إيطاليا في النهائيّات. وقد أجريت قرعة التصفيات في العاصمة الإيطالية روما يوم 30 نوفمبر 1977 وأقيمت المباريات بين مايو (أيار) 1978 وفبراير (شباط) 1980.
وتأهّلت عن المجموعات السبع للتصفيات منتخبات إنجلترا (المجموعة الأولى) وبلجيكا (الثانية) وإسبانيا (الثالثة)، التي ضمّتها المجموعة الثانية في النهائيّات إلى جانب إيطاليا، إضافة إلى هولندا (المجموعة الرابعة) وتشيكوسلوفاكيا (الخامسة) واليونان (السادسة) وألمانيا الغربية (السابعة)، التي تألّفت منها المجموعة الأولى في النهائيّات، علمًا بأنّ اليونان كانت الضيف الجديد الوحيد على النهائيّات، بينما كانت تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الغربية وهولندا المنتخبات التي احتلت على التوالي صدارة البطولة السابقة عام 1976.
«ثأر» ألماني
للمرّة الأولى والوحيدة حتى الآن في النهائيّات، خاض المباراة الافتتاحية للبطولة المنتخبان اللذان خاضا المباراة النهائيّة للبطولة السابقة، وهما ألمانيا الغربية وتشيكوسلوفاكيا، وهذا اللقاء كان الأول أيضًا بين منتخبين سبق لهما الفوز بلقب البطولة.
جرت المباراة الافتتاحية على الملعب الأولمبي في روما يوم 11 يونيو، واستطاع فيها الألمان أن يثأروا من التشيك بهدف وحيد سجّله نجمهم كارل هاينز رومينيغه برأسيّة نادرة، مستغلاً كرة رفعها من الجهة اليسرى هانز مولر، «السفير» الجديد للعائلة الكروية الألمانية الشهيرة.
مساء اليوم نفسه، فازت هولندا بصعوبة على اليونان وبهدف وحيد أيضًا سجّله كيس كيست من ركلة جزاء، لتشارك ألمانيا الغربية صدارتها للمجموعة وتجعل من مباراتهما في المرحلة الثانية قمّة مبكرة.
وفي لقاء شهد ثاني «هاتريك» في النهائيّات، بعد الأول عام 1976 للمنتخب نفسه، تألّق الألماني كلاوس ألوفس بتسجيله ثلاثة أهداف في مرمى هولندا بالدقائق 20 و60 و65، وأسهم في صنع كل منها زميله المتألّق أيضًا بيرند شوستر.
بعد هدف الألمان الثالث بنحو 8 دقائق، أشرك مدرّبهم يوب درفال اللاعب لوثر ماتيوس البالغ من العمر 19 عامًا و85 يومًا، فأصبح أصغر لاعب يشارك في النهائيّات، بدلاً من المجري زولتان فارغا (19 عامًا و171 يومًا).
إلى ذلك، بدأ ماتيوس في هذه المباراة مسيرتين قياسيتين؛ الأولى ترتكز على مدّة مشاركته في نهائيّات البطولة الأوروبية، التي ستمتدّ 20 عامًا، بينما ترتكز الثانية على عدد مبارياته الدولية مع المنتخب الألماني، الذي سيبلغ 144 مباراة بعد نحو 20 عامًا أيضًا (23 فبراير 2000 تحديدًا)، ما شكّل رقمًا قياسيًا عالميًا آنذاك، قبل أن يصل لاحقًا إلى 150 مباراة دولية في نهائيّات البطولة الأوروبية كذلك.
ولعلّ خبرة ماتيوس المحدودة في المنافسات الكبرى هي التي دفعته لارتكاب خطأ كادت تكون تكلفته باهظة، وذلك بعد 6 دقائق فقط من نزوله إلى الملعب؛ فقد أعاق الهولندي بيني فاينستيكرز على حدود منطقة الجزاء الألمانية في الدقيقة 79، ليتمكّن جوني ريب من تسجيل ركلة الجزاء وإعادة فريقه إلى المباراة، حيث استطاع أيضًا فيلي فان دي كيركهوف تسجيل هدف ثانٍ في الدقيقة 85، لكنّ الألمان الذين صمدوا شوطًا كاملاً بعد تقدّمهم بهدف أمام الهولنديّين في نهائي كأس العالم 1974، لم تكن مهمّتهم على القدر نفسه من الصعوبة في الدقائق الخمس المتبقّية في المباراة، فأنهوها بنتيجة 3 - 2 وحجزوا مكانهم في المباراة النهائيّة بنسبة كبيرة.
في المباراة الأخرى بالجولة الثانية، فازت تشيكوسلوفاكيا على اليونان بنتيجة 3 - 1، وسجّل بطل ركلات الجزاء في عام 1976 أنطونين بانينكا هدفها الأول في الدقيقة السادسة من ركلة حرّة مباشرة، ليعادل بذلك أسرع هدف في نهائيّات البطولة الأوروبية الذي كان الإسباني بيريدا قد سجّله في نهائي عام 1964.
بعد فوزين متتاليين، خاضت ألمانيا الغربية آخر مبارياتها في المجموعة أمام اليونان، التي كانت خسرت مباراتيها الأوليين، فأراح درفال قائد الفريق بيرنارد ديتس إضافة إلى شوستر وألوفس صانعي الفوز على هولندا، وذلك لأن كلاً من اللاعبين الثلاثة كانت لديه بطاقة صفراء.
ورغم بعض الفرص الخطرة لليونان، فإن المباراة انتهت من دون أهداف، فتأكد وصول الألمان إلى المباراة النهائيّة، للمرّة الثالثة على التوالي، وهو رقم قياسي، فيما خرجت اليونان من المنافسة لتغيب بعدها عن النهائيّات طيلة 24 عامًا قبل أن تفجّر عند عودتها إحدى كبرى مفاجآت البطولة الأوروبية.
أمّا منتخب تشيكوسلوفاكيا حامل اللقب، فتواجه مع نظيره الهولندي في مباراة ثأريّة للأخير، الذي كان قد خسر أمام التشيك في نصف نهائي البطولة السابقة. لكنّ اللقاء انتهى بالتعادل 1 - 1، فاستطاع التشيك التأهّل إلى مباراة المركز الثالث بفارق الأهداف عن منتخب الطواحين، الذي خرج من البطولة خالي الوفاض.
الحصان الأسود للبطولة
منافسات المجموعة الثانية انطلقت بتعادلين؛ الأول سلبي بين منتخبي إيطاليا المضيف وبطل عام 1968، وإسبانيا بطل عام 1964، والآخر بنتيجة 1 - 1 بين إنجلترا الفائزة ببرونزية عام 1968 وبلجيكا الفائزة ببرونزية عام 1972.
وبعد يوم واحد فقط من مباراة ألمانيا الغربية وتشيكوسلوفاكيا، باتت هذه ثاني مباراة في نهائيّات البطولة تجمع منتخبين سبق لهما الفوز باللقب.
وكما في المجموعة الأولى، بدت مباراتا المرحلة الثانية مؤشرًا قويًّا على من سيتأهّل عن المجموعة الثانية إلى المباراة النهائيّة ومباراة المركز الثالث؛ فقد فازت إنجلترا على إيطاليا بهدف وحيد أحرزه ماركو تارديلّي في الدقيقة 79، وبلجيكا على إسبانيا بنتيجة 2 - 1، لتتصدّر المجموعة بفارق الأهداف عن إيطاليا.
وخاض الفريق المضيف مباراته الثالثة مع المتصدّر على أمل الفوز ولا شيء غيره للوصول إلى النهائي، بينما كان التعادل يكفي منتخب بلجيكا، الحصان الأسود للبطولة.
وفي مواجهة أفضل فريق دفاعي في العالم، توجّب على البلجيك ابتكار طريقة ما ليتقنوا هم الدور الدفاعي هذه المرّة، فكان لهم ما أرادوا بفضل حنكة مدرّبهم غي تايس.. فقد بدأ تايس اللقاء بخط وسط معزّز، ولم يشرك المهاجم الصريح إيرفن فاندنبيرغ، كما وجد في «مصيدة التسلّل» أفضل حل لإيقاف الطليان، فأوقعهم فيها مرّات ومرّات، خصوصًا مع نجاح مدافعيه في تنفيذها بشكل مثالي. وبهذا التعادل، تأهّلت بلجيكا إلى النهائي بفارق الأهداف، بينما اكتفى الطليان بالوصول إلى مباراة المركز الثالث.
فوز إنجلترا على إسبانيا بنتيجة 2 - 1 لم يجدِ نفعًا، فقد خرج المنتخبان من المنافسة يدًا بيد.
وتمحورت أهمّ مجريات المباراة حول المهاجم الإسباني داني (دانيال رويز)، الذي أحرز هدف التعادل لإسبانيا من ركلة جزاء بعد دقيقتين فقط من دخوله الملعب بديلاً في بداية الشوط الثاني. وفي غضون خمس دقائق من الهدف، سجّل داني هدفًا ثانيًا من ركلة جزاء أخرى، غير أن الحكم ألغى الهدف وطلب من داني إعادة تسديد الركلة، فتمكّن الحارس الإنجليزي راي كليمنس من التصدّي لها بنجاح، قبل أن تحرز إنجلترا هدف الفوز.
هذا وبات داني بذلك أول لاعب في تاريخ البطولة الأوروبية يتصدّى لركلتي جزاء، وهو الوحيد حتى اليوم الذي تصدّى لركلتي جزاء في المباراة نفسها، والوحيد أيضًا الذي سجّل ركلة جزاء وأهدر ركلة أخرى.
معاناة الطليان مستمرة
للمرّة الرابعة في ست بطولات، وجد الفريق المضيف نفسه يخوض مباراة المركز الثالث بدلاً من المباراة النهائيّة، وهذه كانت مباراة «البرونزية» الأخيرة في البطولة الأوروبية، حيث تمّ إلغاؤها ابتداءً من البطولة السابعة، كما كانت الوحيدة التي تجمع الفريق المضيف مع حامل اللقب.
سيطر الطليان على مجريات المباراة، لكنّ تألق الحارس التشيكي ياروسلاف نيتوليتشكا حال دون حسمهم النتيجة، حتى إنّ تشيكوسلوفاكيا استطاعت التقدّم في النتيجة بهدف أحرزه المدافع لاديسلاف يوركيميك في الدقيقة 54 من تسديدة صاروخيّة بعيدة بعدما وصلت إليه كرة جانبيّة من ركلة ركنيّة نفذها بانينكا.
وسجّل فرنشيسكو غراتسياني هدف التعادل للطليان في الدقيقة 73، لكنّ التشيك كادوا يتقدّمون من جديد قبيل نهاية المباراة عبر زدينيك نيهودا، غير أن براعة حارس إيطاليا المخضرم دينو زوف حالت دون ذلك.
وللمرة الأولى والوحيدة في تاريخ البطولات الكروية الرسمية، احتكم الفريقان إلى ركلات الجزاء مباشرةً، ومن دون خوض وقت إضافي، اختصارًا للوقت ولمعاناة الفريقين في منافسة «هامشيّة».
لكنّ تلك الركلات جاءت ماراثونيّة أيضًا، حيث سجّل كل من الفريقين ركلاته الثماني الأولى، ولم تحسم المباراة إلا بعد أن صدّ الحارس التشيكي الركلة رقم 17 التي سدّدها فولفيو كولوفاتي، بينما استطاع يوزيف بارموش تسجيل الركلة رقم 18 وتأكيد علوّ كعب تشيكوسلوفاكيا في تنفيذ ركلات الجزاء للبطولة الثانية على التوالي.
وتمكّنت تشيكوسلوفاكيا بذلك من إحراز الميداليّات البرونزية الأخيرة للبطولة الأوروبية، علمًا بأنّها كانت قد أحرزت كذلك الميداليات البرونزيّة الأولى في بطولة عام 1960، أمّا إيطاليا، فسوف تتمكّن من التعويض في البطولة الكبرى التالية، وهي كأس عالم 1982، بإشراف المدرّب نفسه إنزو بيرزوت والقائد نفسه دينو زوف.
يذكر أنّ زوف بات في هذه المباراة أكبر لاعب يشارك في النهائيّات؛ إذ بلغ من العمر 38 عامًا و114 يومًا، وسوف يبقى كذلك طيلة 8 سنوات.
وبفضل تألّق زوف ومدافعيه، نالت إيطاليا لقب أفضل دفاع في البطولة؛ إذ لم يدخل مرماها في المباريات الأربع سوى هدف واحد، وهو رصيد قياسي سيعادله فريقان لاحقًا، لكن ما من فريق سيكسره.
مهاجم مغمور بطلاً للنهائي
بعدما جاءت المباراة الافتتاحية لهذه البطولة بمثابة إعادة لنهائي البطولة الخامسة بين ألمانيا الغربية وتشيكوسلوفاكيا، جاءت المباراة النهائيّة بين ألمانيا الغربية وبلجيكا بمثابة إعادة للمباراة الافتتاحية للبطولة الرابعة، التي استضافتها الأخيرة عام 1972.
وأقيمت المباراة على الملعب الأولمبي في العاصمة روما، الذي بات أول ملعب يستضيف نهائي بطولتين، ناهيك بأنّه استضاف المباراة النهائيّة المعادة لأولى هاتين المباراتين.
هذا، وكان الألمان قد سجّلوا في مرمى البلجيك خلال المباراة الافتتاحية للبطولة الرابعة بعد مرور 23 دقيقة، لكنّهم لم يتأخروا هذه المرّة أكثر من 10 دقائق.. فقد اندفع شوستر، نجم الفوز على هولندا، داخل النصف البلجيكي من الملعب متبادلاً الكرة مع ألوفس قبل أن يرفعها إلى هورست روبيش داخل الصندوق، فتلقّفها الأخير على صدره وسدّدها أرضيّة زاحفة في قلب شباك جان ماري بفاف، ليسجّل أول أهدافه الدولية مع الـ«مانشافت».
يذكر أنّ روبيش البالغ من العمر 29 عامًا، لم يكن ضمن الفريق الألماني المشارك في النهائيّات حتى أصيب نجم الهجوم الألماني كلاوس فيشر قبيل انطلاق البطولة، وهو في الواقع لم يشارك ضمن التشكيلة الأساسية في المباراة الافتتاحيّة ضدّ تشيكوسلوفاكيا.
ولم يطرأ تعديل على النتيجة حتى قبل نهاية المباراة بربع ساعة، حيث حصلت بلجيكا على ركلة جزاء، بعد إعاقة أوليه شتيليكه لفرنسوا فان در إلست، سجّل منها رينيه فاندرايكن هدف التعادل.
وإذ بدأ الوقت الإضافي يلوح في الأفق، احتسب الحكم ركلة ركنية للألمان قبل دقيقتين من صافرة النهاية تصدّى لها «الاختصاصي» رومينيغه ورفعها عالية في قلب منطقة المرمى، لتقابلها ضربة رأس قويّة من الاختصاصي أيضًا روبيش في الشباك البلجيكية بمحاذاة القائم.
أسقط في يد البلجيك، فما تبقّى من الوقت لم يكن كافيًا للتعويض، فتوّج الألمان بذلك أبطالاً لمرّة ثانية قياسيّة، مستعيدين اللقب الذي كان التشيك قد جرّدوهم منه في البطولة السابقة.
يذكر أن مفارقة تمثلت في أنّ أهداف البطولة السادسة بدأت برأس ألمانية، عبر هدف رومينيغه في مرمى التشيك، وانتهت بالطريقة نفسها عبر هدف روبيش الثاني. أمّا لقب الهدّاف، فناله ألماني آخر هو كلاوس ألوفس، صاحب الهاتريك في المرمى الهولندي، وذلك للبطولة الثالثة على التوالي بعد مواطنيه غيرد مولر عام 1972، وديتر مولر عام 1976. ونظرًا لأدائهما في هذه البطولة بشكل أساسي، فاز رومينيغه في نهاية عام 1980 بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب أوروبي، وجاء مواطنه شوستر وصيفًا.
تبقى الإشارة إلى أن هذه البطولة باتت الوحيدة التي تقام من دون دور نصف نهائي، حيث إن هذا الدور سيعود إلى نظام البطولة ابتداءً من عام 1984، وبالتزامن مع إلغاء مباراة المركز الثالث.
هدّافو بطولة 1980
كلاوس ألوفس ألمانيا الغربية 3 أهداف
كيس كيست هولندا هدفان
هورست روبيش ألمانيا الغربية هدفان
زدينيك نيهودا تشيكوسلوفاكيا هدفان