قد تكون ممن يقضون وقتا طويلا يحدقون في الشاشات، لكن ذلك قد يجعلك تعجز عن رؤية الصورة الأكبر، بحسب بحث جرى مؤخرا. فقد أفاد جيوف كوفمان، الأستاذ بمعهد كارنيج ميلون، وماري فلنغان، الأستاذة بجامعة دارتماوث، في بحث نشر مؤخرا، أن «قراءة نص على الشاشة يجعل الناس تتعمق في التفاصيل، عكس الحال عند قراءة نص مطبوع، إذ إن ذلك يجعلهم يتوسعون في الأفكار، أي باختصار المستقبل للمطبوع».
«تخلق الشاشات الرقمية نوعا من الرؤية النفقية التي تجعلك تركز فقط على المعلومة التي تحاول الحصول عليها في تلك اللحظة، لا على النص بمعناه الأوسع»، وفق كوفمان.
يعتمد المقال على سلسلة من الدراسات التي ساهم في إعدادها أكثر من 300 مشارك، أجريت في الوقت الذي كان فيه الباحثان يعملان سويا في معمل تيلتفاكتور لتصميم الألعاب بمدينة دارتماوث.
خضع المشاركون في الأبحاث لتجارب تهدف إلى التأكد مما إذا كانوا يفكرون بطريقة تفصيلية أو مجردة. ففي أحد التجارب مثلا، يقوم مشارك بقراءة قصة قصيرة من تأليف ديفيد سيداريس ثم يخضع المشارك لاختبار مفاجئ قصير. أظهرت النتيجة أن المشاركين الذين قرأوا ملخصا مطبوعا سجلوا درجات أعلى في إجابتهم عن أسئلة الاستنتاج، مقارنة بالمشاركين الذين قرأوا نسخة «بي دي إف» محفوظة على جهاز حاسب محمول «لابتوب». في حين سجل القراء الذين قرأوا من الشاشة مباشرة، درجات أعلى ممن قرأوا من النسخة المطبوعة عن أسئلة مباشرة عن النص.
وفي تجربة أخرى، طُلب من المشاركين قراءة جداول بيانات عن أربع سيارات مختلفة، ثم طُلب منهم اختيار أفضل سيارة طبقا للإحصاءات التي شاهدوها. كانت النتيجة أن نحو ثلثي المشاركين الذين قرأوا الإحصاءات في النسخة الورقية جاءت إجاباتهم أفضل، في حين أن 43 فقط ممن قرأوا المعلومات نفسها على شاشة جهاز «لابتوب» أعطوا الإجابات الصحيحة، بحسب المقال.
أفاد كوفمان أن المعلومات في هذه الاختبارات كانت «متطابقة حرفيا»، وأن الفارق الوحيد أنها جاءت في هيئتين مختلفتين. المعنى المتضمن هنا في غاية الأهمية إذا وضعنا في الاعتبار الوقت الطويل الذي نقضيه جميعا جالسين من دون حراك أمام شاشات أجهزتنا.
واستطرد كوفمان أنه «مع مرور الوقت، ربما يقودنا ذلك إلى تبلور فكر أقل ميلا للتأمل في الصورة الكلية». يعطي البحث بصيصا من الأمل لمن يتطلعون لجعل القراء الرقميين يفكرون بشكل أوسع. وقد جرى تكليف بعض المشاركين الذين قرأوا البيانات الزائفة عن السيارات على جهاز «لابتوب» بمهام جرى تصميمها بحيث تشجعهم على التفكير بشكل تجريدي، وكانت النتيجة أن أداءهم كان أفضل من نظرائهم ممن لم يجر إعدادهم.
أضاف كوفمان أن التجربة أظهرت أنه لو أن صحيفة ما أرادت أن تجعل قراءها يفهمون الصورة الأكبر وراء القصة، فيجب على كُتّاب تلك الصحيفة مواجهة تأثير الشاشة عن طريق إضافة مزيد من النصوص التي تجعل القارئ يفكر بشكل نقدي في الموضوع.
كان الدافع لعمل البحث الوارد في المقال هو عدة أبحاث سابقة أجراها كوفمان وفلانغمان، وخلصت تلك الأبحاث إلى أن اللاعبين الذين استخدموا جهاز الكومبيوتر اللوحي «آي باد» في لعبة إلكترونية عن استراتيجية منع انتشار المرض قد واجهوا صعوبات في الاستراتيجيات بعيدة المدى مقارنة باللاعبين الذين استخدموا نسخا محسوسة من اللعبة نفسها.
أفاد كوفمان أنه «في الكومبيوتر اللوحي، لم يظهر المشاركون اهتماما بالتأثير بعيد المدى لقراراتهم»، مضيفا أنهم «غالبا ما كانوا يخسرون اللعبة في النهاية». وأشار كوفمان أنه قد تكون هناك استراتيجيات يستطيع الناس استخدامها للتخفيف من تأثير الشاشة الذي لاحظه الباحثون، وشرع كوفمان بالفعل في استخدام بعضها في حياته الشخصية.
«أقضي تقريبا ثلاثة أرباع وقت الاستيقاظ كل يوم خلف الشاشة، فإذا هممت بقراءة موضوع معين مكتوب بطريقة بي دي إف وبدأت أتعمق في التفاصيل، فإنني أقوم بطباعته فورا».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ»الشرق الأوسط»
القراءة على الشاشات تقلل الفهم.. والمستقبل للمطبوع
الشاشات الرقمية تجعلك تركز فقط على المعلومة لا النص

القراءة على الشاشات تقلل الفهم.. والمستقبل للمطبوع

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة