على الرغم من مخاوف أبدتها الحكومة الإيرانية من تدخل الحرس الثوري في النشاط الاقتصادي وعدم رغبتها بالشراكة الاقتصادية مع المؤسسة العسكرية، فإن الحرس الثوري يتطلع إلى مواصلة ضغوطه بدعم من خامنئي والحفاظ على تأثيره في الاقتصاد الإيراني.
ويعول الحرس الثوري على توصيات خامنئي الأخيرة بشأن سياسة «الاقتصاد المقاوم» لممارسة الضغط على دوائر الحكومة الإيرانية، فضلا عن استمرار سيطرته على مجال الاستثمار الداخلي، وصد المستثمرين الأجانب عن الدخول إلى الاقتصاد الإيراني.
في هذا الصدد، قال قائد مجموعة «خاتم الأنبياء» الاقتصادية التابعة للحرس الثوري، الجنرال عباد الله عبد اللهي، إنها بحاجة إلى مبلغ من 5 إلى 7 مليارات دولار لإتمام مشاريع عملاقة غير مكتملة، موضحا أن إيران ستحقق 40 مليارا سنويا إذا ما اكتملت تلك المشاريع، حسبما أوردت وكالة «تسنيم» المنبر الإعلامي للحرس الثوري. وذكر القيادي في الحرس الثوري أن المجموعة استثمرت حتى الآن ما يعادل 25 مليارا وأنها متقدمة بنسبة 85 في المائة. ولم يذكر عبد اللهي تفاصيل وطبيعة تلك المشاريع. ويحاول الحرس الثوري أن يكون أكبر الرابحين في إيران بعد رفع العقوبات وإعادة الأموال الإيرانية المحتجزة لتمويل مشاريعه، ويواجه الحرس الثوري اتهامات بأنه كان أكبر الرابحين من فترة العقوبات، بينما يواجه الشعب الإيراني ظروفا قاسية منذ تطبيق العقوبات.
هذا، وقد اعتادت مجموعة «خاتم الأنبياء» الاقتصادية للبناء، أكبر شركة بقطاع الإنشاءات في إيران منذ فترة طويلة، على الفوز بتعاقدات مربحة من الدولة، لكنها أصبحت تواجه الآن أوقاتا صعبة بعد أن بدأت تنافسها شركات أجنبية أقدر على جذب التمويل، في وقت يحاول فيه الاقتصاد الإيراني الانفتاح على العالم الخارجي بعد سنوات من العقوبات. ويعد ما حل بالشركة من مشكلات عنصرا جديدا غير مرغوب لدى أصحابها «الحرس الثوري»، وأصبح له نفوذ اقتصادي بعد الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينات. وبدأت المجموعة نشاطها بأوامر من خامنئي وتعاون بين الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وقائد الحرس الثوري آنذاك محسن رضايي في 1988. ومنذ ذلك الحين أصبحت الشركة الضخمة تهيمن على قطاع البناء وفازت بعقود بمليارات الدولارات من الدولة، شملت منشآت للنفط والغاز ومد الطرق وبناء السدود.
ولم يتردد الحرس الثوري في إبداء استيائه على الملأ بعد معارضة حكومة روحاني تعزيز استثماراته في فترة ما بعد رفع العقوبات. ونقلت وكالة «تسنيم» للأنباء عن محمد علي جعفري، قائد الحرس قوله، في مارس (آذار)، إن «الحرس الثوري لديه إمكانيات هائلة في مجالات البناء. ومن المؤسف أن الحكومة لم ترحب بما اقترحه من مشروعات وبأنشطته»، كما كرر جعفري وقادة آخرون من القوات المسلحة استعدادهم للشراكة مع الحكومة في تنفيذ رغبات المرشد الأعلى في تطبيق سياسة «الاقتصاد المقاوم»، وكان خامنئي بداية هذا الشهر طلب من مساعد روحاني الأول إسحاق جهانغيري قيادة محاربة الفساد في البلاد والعمل بـ«الاقتصاد المقاوم».
بداية هذا الشهر، قال رئيس مجموعة «خاتم الأنبياء»، عباد الله عبد اللهي الذي يرتدي في كثير من الأحيان الزي العسكري، بصفته من قادة الحرس أن عدد من يعملون في مشاريع المجموعة يبلغ مليون شخص. لكن مسؤولين تنفيذيين في صناعة البناء ومحللين يقولون: إن هيمنة الشركة على القطاع ستتبدد على الأرجح مع وضع حكومة روحاني خططا لمشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية لإنعاش الاقتصاد، بعد رفع العقوبات الدولية التي كانت سارية على إيران بسبب برنامجها النووي.
فبدلا من اللجوء إلى مجموعة «خاتم الأنبياء» بدأت الحكومة تتجه إلى الشركات الأجنبية لبحث العقود والمشروعات لأسباب، من بينها أنها تريد دعما ماليا من الخارج في ظل الميزانية المقيدة بانخفاض الأسعار وما لحق بالبلاد من أضرار بسبب العقوبات.
في هذا الصدد، قال سعيد ليلاز، الاقتصادي المقيم في طهران لوكالة «رويترز»، إن «إيران تمر بواحدة من أسوأ الفترات المالية في تاريخها. فالحكومة ليس لديها المال كما أن مجموعة (خاتم الأنبياء) وغيرها من شركات المقاولات ليس لديها موارد مالية.. لذلك فإن الأولوية لدى الحكومة في مشروعات البناء هي إيجاد مصادر تمويل أجنبية».
في سياق متصل، قالت شركة دايو للهندسة والبناء، الكورية الجنوبية، في وقت سابق من هذا الشهر، إنها توصلت إلى اتفاق أولي مع إيران لترتيب تمويل بقيمة 5.1 مليار دولار لقطاع من طريق سريع يربط طهران ببحر قزوين.
وكانت مجموعة «خاتم الأنبياء» قد أبدت اهتمامها بهذا المشروع، لكن وكالة مخابرات الحرس الثوري «تسنيم» ذكرت أنها لم تعرض سوى 40 في المائة من التمويل المطلوب.
وقال مصدر صيني مطلع على سير المفاوضات إن الشركة الوطنية لمعدات النقل والهندسة الصينية توشك على الاتفاق مع طهران على مشروع للسكك الحديدية باستثمارات قدرها ثلاثة مليارات دولار لربط العاصمة بمدينة مشهد المقدسة في شمال شرقي إيران. وكانت مجموعة «خاتم الأنبياء» أبدت اهتمامها أيضا بهذا المشروع.
وقالت مصادر إن شركة صينية أخرى، هي مجموعة داليان لصناعة بناء السفن، تتباحث بشأن اقتراح لبناء سفن للحاويات وناقلات نفط لحساب إيران بما تصل قيمته إلى 12 مليار دولار. وإذا فازت داليان بهذه العقود فسيكون ذلك على حساب شركة إيران الصناعية البحرية، التي تملك حصة الأغلبية فيها «خاتم الأنبياء».
بدوره، قال رجل أعمال يعمل في قطاع النفط والغاز وله صلات مباشرة بمسؤولين إيرانيين كبار، إن «خاتم الأنبياء» اقترحت منذ فبراير (شباط) المشاركة في أكثر من عشرة مشروعات ضخمة لكن الحكومة لم توافق على أي منها. ويبدو أن عدة عوامل وراء إبعاد شركة خاتم الأنبياء، منها أن الشركات الصينية والكورية يمكنها الاستعانة بالدعم المالي من البلدين اللذين يتمتعان بسيولة كبيرة لدى مؤسسات دعم الصادرات والبنوك فيهما، ومن العوامل أيضا أنه في حين ازدهرت الشركات المرتبطة بالدولة مثل «خاتم الأنبياء» خلال سنوات العقوبات، فقد قال مسؤولون في إدارة روحاني إنهم يريدون بناء اقتصاد قوي أكثر كفاءة في عصر ما بعد العقوبات، وذلك بتقوية دور قوى السوق والقطاع الخاص.
من جانبه، قال ليلاز إن «مجموعة (خاتم الأنبياء) لديها قوة هندسية وتقنية هائلة لكنها لا تتمتع بالكفاءة. سيتقلص حجمها تحت ضغوط المنافسة.
على هذا الصعيد، ربما يكون للسياسة دور أيضا. فالحرس الثوري متحالف مع مراكز مصالح للمحافظين الذين يعارضون صعود روحاني نسبيا للسلطة. وربما لا تجد إدارته سببا يذكر يدعوها لدعم المصالح التجارية للحرس الثوري. وعموما حتى بعد رفع معظم العقوبات السارية على إيران، فما زالت بعض العقوبات تؤرق مجموعة «خاتم الأنبياء» بسبب الصلات التي تربطها بالحرس الثوري ومشاركتها في مشروعات، مثل تطوير الصواريخ.
وستظل المجموعة على قائمة للكيانات الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي لمدة سبع سنوات وقائمة أميركية للعقوبات إلى أجل غير مسمى.
وقال خبراء في العقوبات إن هذا لن يمنع كل الشركات الأجنبية من إبرام تعاملات مع «خاتم الأنبياء»، لكنه سيجعلها تفكر بكل حرص في مخاطر التعامل مع كيان أصوله مجمدة من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقالت مصادر بصناعة البناء إن المجموعة أبدت في لقاءات غير رسمية بالمسؤولين الحكوميين احتجاجات على استبعادها من التعاقدات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت ستحقق نجاحا كبيرا بهذه الاحتجاجات. كما شكا الحرس الثوري وتنفيذيون في مجموعة «خاتم الأنبياء» على الملأ من المشكلات التي تعاني منها الشركة.
وقد قالت الشركة مرارا إنها ليس لديها أي مشكلة في العمل مع الشركات الأجنبية، وإنها بدأت محادثات بشأن التعاون مع بعض الشركات الآسيوية والأوروبية. وسيخضع ما سيؤول إليه حال المجموعة لاختبار في وقت لاحق من العام الحالي، عندما يتوقع أن تنشر وزارة النفط شروط التعاقدات الجديدة للمستثمرين الأجانب في صناعة الطاقة.
فمن المتوقع أن تدرج الوزارة الشركات التابعة لـ«خاتم الأنبياء» بوصفهم شركاء محتملين تنطبق عليهم الشروط للشركات الأجنبية. وسيتعين على الشركات الأجنبية أن تقرر ما إذا كانت ترغب في الابتعاد عن هذه الشركات بسبب المخاطر القانونية المرتبطة بالعقوبات.
نزال بين الحرس الثوري وحكومة روحاني يهدد مكاسب ما بعد {الاتفاق النووي}
إيران تتجه إلى الشركات الأجنبية للخروج من أسوأ فتراتها المالية
نزال بين الحرس الثوري وحكومة روحاني يهدد مكاسب ما بعد {الاتفاق النووي}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة