في حكم المؤكد أن جوزيه مورينهو مدرب تشيلسي السابق سيقوم بإجراء تغييرات كاسحة داخل أولد ترافورد، ومثل سلفه، لويس فان غال، سينصب اهتمامه الرئيس على الانضباط والتحليل.
في يونيو (حزيران) 2013، أضاء وجه جوزيه مورينهو بابتسامة الفوز، وعاين الحضور من حوله هالة من الهدوء تحيط بملامحه. وشبه كثيرون منهم المشهد بأن ملامحه بدت أقرب لما تبديه القطة من سعادة هادئة لدى مداعبة أحد أصدقائها لها بمنطقة الرقبة. وأعلن مورينهو قائلاً: «إنني الشخص الأكثر سعادة»، لتتردد أصداء عبارته بشتى جنبات الأرض. كان ذلك حين عاد لتوه لفترة ثانية داخل تشيلسي وحيث بدأت قصة غرامه مع كرة القدم الإنجليزية.
ورغم أن البعض يصرون على نعته بـ«عدو كرة القدم»، فإن الإنصاف يقتضي القول إن مورينهو تعلم من أفعاله الطائشة السابقة، والآن أصبح أكبر سنًا وأكثر حكمة ولينًا، وبدت جل رغباته منصبة ببساطة على العمل بجد لدفع تشيلسي نحو القمة من جديد. وبالفعل، قدم أداء رائعًا، حيث بدا المدرب البرتغالي صاحب الأداء الأعلى، أو مثلما قال غريمه جوزيب غوارديولا: «سيد قاعة المؤتمرات الصحافية».
إلا أن العبارة التالية تحديدًا هي ما يحتاج منا إلى إعادة التركيز بها، حيث قال مورينهو داخل قاعة المؤتمر الصحافي: «أحمل الطبيعة ذاتها داخلي، ولا أزال الشخص ذاته، وأحمل بداخلي القلب ذاته. ولا يزال شغفي بكرة القدم وعملي كما هو».
المعروف أن مانشستر يونايتد شهد جدالاً محتدمًا وعلى مدار فترة طويلة حول ما إذا كان من الصواب الاستعانة بمورينهو في تدريب الفريق، وليس من قبيل المبالغة القول إن هذا الجدال امتد لسنوات. وقد سبق أن فكر مسؤولو النادي في الاستعانة به ليحل محل سير أليكس فيرغسون عام 2013، لكنهم خلصوا في نهاية الأمر إلى أن أسلوبه وشخصيته لا تلبيان احتياجات النادي.
الآن، قرر النادي أخيرا الاستعانة به، وتأمل العناصر الرائدة من داخل النادي، أمثال سير بوبي تشارلتون وفيرغسون، في أن يعاينوا خلال الفترة المقبلة الوجه الدافئ والساحر لمورينهو. والمؤكد أن هذا الوجه سيظهر بالفعل أمام الجميع لدى اجتماعه بهم في أولد ترافورد خلال واحدة من المناسبات ذات الطابع الاستعراضية التي لطالما تألق خلالها مورينهو.
وقال مورينهو، بعد إعلان تعيينه رسميا أمس مدربا لمانشستر يونايتد: «إن الأندية العملاقة تحتاج إلى مدربين كبار». وأوضح أنه يريد دفن السنوات الثلاث الماضية في ملعب أولدترافورد، التي شهدت تغيير مدربَين، فشلا في تكرار إنجازات المدرب الأسطوري السير أليكس فيرغسون، وهما ديفيد مويز والهولندي لويس فان غال، وقال: «أحس بشعور رائع، لقد جاء هذا الأمر في وقت مناسب من مسيرتي؛ لأن مانشستر يونايتد هو أحد الأندية التي يتعين عليك أن تكون جاهزا للإشراف عليها، وهو ناد عملاق».
وأضاف: «الأندية العملاقة بحاجة إلى أفضل المدربين، وأعتقد أنني جاهز لمواجهة هذا التحدي»، وتابع: «أعتقد أني أريد نسيان السنوات الثلاث الماضية، والتركيز على النادي العملاق الموجود بين يدي الآن». وأوضح: «ما يتعين على اللاعبين أن يعرفوه هو أنني أريد تحقيق الفوز، أريد أن يشعر أنصار النادي واللاعبون بهذا الأمر». وختم «سأبذل ما في وسعي لكي أضع الفريق في الاتجاه الذي نريده جميعا. أنا سعيد، أنا فخور بتقلد هذا المنصب».
وفي هذه اللحظة، يمكننا القول إن مورينهو قد عثر على ضالته المهنية داخل إنجلترا، وكذلك وجد بها وطنًا روحيًا له، ذلك أنه على خلاف الحال داخل إسبانيا أو إيطاليا، على سبيل المثال، تتميز إنجلترا بشغف إعلامي بالجوانب الشخصية للمدرب. والواضح أن مورينهو يعي جيدًا هذا الأمر، ويتميز ببراعة واضحة في التعامل معه واستغلاله. ولا شك أنه سيكون من المثير معاينة كيف سيتمكن غوارديولا من التكيف مع هذا الجانب تحديدًا من عمله.
بوجه عام، ترتبط كرة القدم داخل مدينة مانشستر بالإثارة، ومن بين التساؤلات التي تفرض نفسها هنا ما إذا كان مورينهو سينجح في التحول إلى الشخصية القيادية التي يرغب فيها مانشستر يونايتد. وهل من الممكن أن تترك تجاربه خلال آخر فترة له مع تشيلسي تأثيرًا عليه؟ وهل استوعب أي دروس منها؟
الملاحظ أن الفترة الثانية لمورينهو داخل ستامفورد بريدج اتبعت نمطًا مألوفًا، حيث شهدت في البداية أداء رائعًا وحصد بطولات، قبل أن يسيطر عليه شعور بأن العالم بأكمله يحاربه، مما دفعه نحو السقوط في نوبات غضب شخصية، ثم خلق في النهاية شعورًا عامًا بالإنهاك.
ومع هذا، يبقى من الصعب تفهم كيف تفاقمت الأمور إلى الدرجة التي بلغتها، حيث تحول تشيلسي من نادٍ يدافع عن اللقب إلى نادٍ يفصله عن عتبة الهبوط نقطة واحدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما تعرض مورينهو للطرد. بحلول ذلك الوقت، كان لاعبوه بالفعل قد توقفوا عن الإنصات لما يقوله منذ أمد طويل، وبدت إمارات الخلاف بينه وبينهم واضحة. ومع هذا، فإن هذا المدرب صاحب المهارات المهنية الرفيعة ليس من نوعية الأشخاص الذين يمكن لهم الانحناء أمام مطالب الآخرين، أو الذين قد يدفعهم البعض للشك بقدراتهم. في الواقع، يحول اعتزاز مورينهو بذاته دون ذلك، وكذلك البطولات الكثيرة التي حصدها. وتشير الأرقام إلى أن مورينهو البالغ 53 عامًا حصد على مدار مشواره بمجال التدريب ثماني بطولات للدوري الممتاز داخل أربع دول، بجانب بطولتي دوري أبطال أوروبا مع ناديين مختلفين، وبطولة دوري أوروبا، وبطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، وثلاث بطولات كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، والكأس الإسبانية، والكأس الإيطالية.
والتساؤل الذي يراود البعض الآن، هل من الممكن تغيير الأساليب القاطعة التي تميز بها مورينهو، والتي أكسبته شهرة واسعة؟ الواضح أنه حتى مورينهو ذاته خالجته هذه الرغبة، لكنه لم يفلح في ذلك. والآن، مع انتقاله إلى أولد ترافورد، من المتوقع أن يحاول مورينهو خلال الفترة الأولى الظهور في صورة مدرب صاحب شخصية متعاونة ودبلوماسية، لكن ستأتي حتمًا لحظة بعينها سيشعر خلالها بدافع لضرورة التحرك نحو الفوز مهما كانت التكاليف، إضافة إلى العوامل الداخلية الأخرى المعقدة التي تشكل مصدر قوة شخصيته الساحرة.
وتنبغي الإشارة هنا إلى كيف تحدث مورينهو، في صيف 2013، حول أنه وضع نهاية لعدائه مع أرسين فينغر، خصمه القديم في آرسنال، لكن في فبراير (شباط) 2014، عاود مورينهو سيرته الأولى بوصفه فينغر بأنه «متخصص في الفشل».
في الواقع، أثار مورينهو دومًا الانطباع بأنه يبحث عن المواجهات، إما مع منافسين مثل غوارديولا أو كلاوديو رانيري (منذ الفترة التي قضاها مع إنترناسيونالي)، أو مجموعات تنوعت ما بين الكيانات المنظمة للعبة كرة القدم ولجان الحكام و«يونيسيف»، الشريك الخيري لبرشلونة. بالنسبة لمانشستر يونايتد، من الواضح أنه يعي جيدًا ما الذي سيواجهه مع قدوم مورينهو إليه، في الوقت الذي يدرك مورينهو أن النادي يقف خلفه ويؤازره. وإلا، فستتحول أنظار النادي من جديد نحو شخص آخر خلافه.
اللافت أنه حتى في المواقف التي يكون فيها مورينهو مخطئًا، مثلما كان الحال لدى هجومه غير المبرر على إيفا كارنيرو، طبيبة تشيلسي، بداية الموسم، يسيطر على مورينهو شعور بأنه على صواب. ومن المنتظر أن يصل الخلاف إلى أروقة المحاكم الشهر المقبل، مع رفض مورينهو إنجاز تسوية خارج المحكمة. كما أن لديه شعورًا بأن إخفاق تشيلسي في الدفاع عن لقبه يكمن وراءه نقص الاستثمار في الفريق وحالة اضطراب سادت قبل انطلاق الموسم، بجانب الزخم السلبي الذي أصبح من المتعذر وقفه لاحقًا.
من ناحيته، يتطلع مانشستر يونايتد بأنظاره الآن نحو قدرة مورينهو على علاج ما ألمّ به من مشكلات. ويأمل مسؤولو النادي في أن ينجح المدرب الجديد في تحفيز اللاعبين وبث الحماس في نفوسهم. والمؤكد أنه بعد حالة السبات التي هيمنت على الفريق تحت قيادة فان غال، فإن أسلوب مورينهو في اللعب - أو بالأحرى أي أسلوب للعب الكرة عامة - سيكون أمرًا أكثر إثارة بالنسبة للفريق. ومع ذلك، ينبغي التنويه هنا إلى أنه مثل فان غال، يولي مورينهو أولوية واضحة للانضباط والتحليل. وقد حقق أول شهرة له بالمجال الكروي الفني كمحلل. ويتميز مورينهو بقدرة رائعة على الاهتمام بالتفاصيل، ويشتهر بالمطالب المستمرة التي يفرضها على اللاعبين، من حيث مستوى أدائهم.
وأخيرًا، فإن الفريق الذي سيرثه مورينهو لا يبدو مفعمًا بالطاقة والحيوية التي لطالما فضلها. في الوقت ذاته، سيكون من المثير متابعة ما إذا كان سيبدي ثقته في اللاعبين الناشئين أمثال جيسي لينغارد وماركوس راشفورد، بالنظر إلى أن مورينهو لطالما فضل الاعتماد على لاعبين أكثر خبرة في تنفيذ تعليماته. في النهاية تبقى الحقيقة أن التغيير أصبح أمرًا محتومًا لا مفر منه داخل مانشستر يونايتد، ويبدو للجميع أنها لا بد أن تكون تغييرات كاسحة. وبالنسبة لمورينهو، فإنه الرجل المثالي للاضطلاع بهذه المهمة.
مورينهو يستعد لثورة تغيير في يونايتد دون إثارة مشكلات
مع انتقاله إلى أولد ترافورد يتطلع المدرب البرتغالي لإظهار شخصية متعاونة ودبلوماسية
مورينهو يستعد لثورة تغيير في يونايتد دون إثارة مشكلات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة