نجاح بطولة كأس الأمم الأوروبية الأولى في عام 1960 شجّع المزيد من الدول على المشاركة في البطولة الثانية، بما فيها إنجلترا وإيطاليا.
فقد بلغ عدد المنتخبات التي أكّدت خوضها للتصفيات 29 منتخبًا، وبذلك اضطرّ 26 منها للعب تصفية أولية أثمرت انتقال 13 منتخبًا إلى دور الـ16 مع 3 منحت حقّ الانتقال إلى هذا الدور تلقائيًا، وهي منتخبات الاتحاد السوفياتي والنمسا ولوكسمبورغ.
وإن كانت السياسة قد فرضت انسحاب إسبانيا من تصفيات البطولة الأولى، بعدما أوقعتها القرعة في مواجهة الاتحاد السوفياتي، فإنّ الدور هذه المرّة كان على اليونان، التي أوقعتها قرعة التصفية الأولية مع ألبانيا، علما بأن البلدين كانا رسميًا في حالة حرب!.
وأحدثت لوكسمبورغ كبرى مفاجآت التصفيات بإخراجها هولندا من دور الـ16 قبل أن تحتاج الدنمارك لمباراة إعادة كي توقف مسيرة منتخب «الأسود الحمر» نحو النهائيّات. ولن تسجّل لوكسمبورغ فوزًا آخر في تصفيات البطولة الأوروبية حتّى عام 1995!
بداية متعثرة للإنجليز
مشوار إنجلترا وإيطاليا في التصفيات لم يبلغ نهايته المنشودة، حيث خرجت إنجلترا على يد فرنسا في التصفية الأولية، بينما فازت إيطاليا على تركيا في المرحلة نفسها قبل أن يخرجها الاتحاد السوفياتي من دور الـ16.
وكما في البطولة الأولى، لم يختر الاتحاد الأوروبي البلد المضيف إلا بعد انتهاء التصفيات، التي تأهلّ في نهايتها منتخب الاتحاد السوفياتي حامل اللقب، إلى جانب ثلاثة «ضيوف» جدد على النهائيّات هم المجر والدنمارك وإسبانيا. فوقع الاختيار على إسبانيا لاستضافة الدورين نصف النهائي والنهائي، وتوجب عليها هذه المرّة أن تقبل بمشاركة الاتحاد السوفياتي رغم الخلافات السياسية التي استمرّت بين الدولتين منذ انسحاب إسبانيا من تصفيات البطولة الأولى قبل أربع سنوات.
والجدير بالذكر أنّ لاعب منتخب الدنمارك أولي مادسين أحرز خلال سبع مباريات خاضها فريقه في التصفيات 11هدفًا، وهو رقم قياسي استمرّ حتى عام 1996.. عندما أصبحت الفرق تخوض 10 مباريات أو أكثر في التصفيات.
هذا وكان من البديهي أن تخصّص إسبانيا للمباريات الأربع في النهائيّات أفضل ملعبين لديها: سانتياغو برنابيو في العاصمة مدريد، وكامب نو في برشلونة.
الأرض تنتصر لأصحابها
افتتح منتخب إسبانيا بطولة كأس الأمم الأوروبية الثانية مساء 17 يونيو (حزيران) في العاصمة مدريد بفوزه على المجر 2 - 1 في الوقت الإضافي، بعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل بهدف لهدف. وهذا بات أول فوز يحققه منتخب مضيف للنهائيات، بعدما كانت فرنسا قد خسرت مباراتيها في البطولة الأولى.
وقد سجّل هدف المجر فيرينتس بيني، البالغ من العمر 19 عامًا و183 يومًا، فبات أول لاعب يحرز هدفًا في النهائيّات قبل بلوغ عامه العشرين، وسوف يحتفظ بهذا اللقب وحيدًا طيلة 20 عامًا.
في نصف النهائي الآخر الذي أقيم مساء اليوم نفسه على ملعب كامب نو، استهلّ الاتحاد السوفياتي مشواره في البطولة الثانية كما فعل في البطولة الأولى، حين سجّل ثلاثية نظيفة في مرمى تشيكوسلوفاكيا، لكنّ فوزه هذه المرّة جاء على حساب الدنمارك، فاستطاع الوصول إلى المباراة النهائية للمرّة الثانية على التوالي.
وقد سجّل هدف السوفيات الثاني فيكتور بونيديلنك، أحد هدّافي «فرنسا 1960»، فبات أول لاعب يسجّل في أكثر من بطولة، كما تصدّر الترتيب العام لهدّافي كأس الأمم الأوروبية برصيد ثلاث إصابات في بطولتين، علما بأن زميله فالنتين إيفانوف سجّل الهدف الثالث في مرمى الدنمارك، فتصدّر هو الآخر الترتيب العام متساويًا مع بونيديلنك.
المباراة التي «لا يرغب أي فريق في خوضها» كاد منتخب المجر أن يحسمها بهدف وحيد في الدقيقة 11 سجّله فيرينتس بيني أيضًا. لكنّ الدنمارك استطاعت تسجيل هدف التعادل قبل صفرة النهاية بثماني دقائق، ففرضت وقتًا إضافيًا على مباراة المركز الثالث للمرة الأولى في النهائيّات.
في مطلع الشوط الإضافي الثاني، سجّل دييغو نوفاك هدف التقدّم للمجر من ركلة جزاء، هي الأولى التي تثمر هدفًا في النهائيّات، وألحقه بهدف آخر بعد ثلاث دقائق، ليحرز لفريقه الميدالية البرونزية ويتصدّر ترتيب هدّافي البطولة الثانية.
يذكر أنّ لاعب خط الوسط المجري زولتان فارغا بات في هذه المباراة أصغر لاعب يشارك في النهائيّات، بدلاً من اليوغوسلافي فخر الدين يوسفي. وقد بلغ عمر فارغا 19 عامًا و171 يومًا.. علما بأن زميله بيني صاحب الهدف يكبره بنحو أسبوعين فقط. وسوف يستمرّ فارغا في حمل هذا اللقب 16 عامًا.
عام سواريز!
أمام 79 ألفًا و115 متفرّجًا احتشدوا في ملعب سانتياغو برنابيو يوم 21 يونيو، أقيمت المباراة النهائيّة بين إسبانيا والاتحاد السوفياتي، فباتت المباراة التي حضرها أكبر حشد جماهيري، لا بين المباريات النهائية فحسب، بل بين كافة المباريات التي شهدتها نهائيات البطولة الأوروبية على الإطلاق.
إضافة إلى ذلك، كانت هذه المباراة النهائيّة الأولى، والوحيدة حتّى اليوم، التي تجمع بين الفريق المضيف وحامل اللقب. وكان مدرّب المنتخب الإسباني قد رسم خطة المواجهة مع السوفيات على أرض رملية قبل المباراة النهائية، فاستعمل الحجارة لتمثيل لاعبيه وأكواز صنوبر لتمثيل لاعبي الاتحاد السوفياتي، لأنّ «الحجارة أكثر صلابة» حسب تعبيره!
وقد أدار المباراة النهائيّة الحكم الإنجليزي آرثر هولاند، بعدما كان مواطنه آرثر إليس قد أدار المباراة النهائية للبطولة الأولى، وهي المرّة الوحيدة التي قاد فيها حكمان من البلد نفسه مباراتين نهائيتين متتاليتين.
هذا ولم يضع الإسبان الكثير من الوقت كي يسعدوا جمهورهم الصاخب، فسجّل لهم لاعب خط الوسط خيسوس ماريا بيريدا هدف التقدّم في الدقيقة السادسة، الذي بات أسرع هدف في النهائيّات، وسيبقى كذلك طيلة 20 عامًا، إضافة لكونه أسرع هدف يسجّل في مباراة نهائيّة للبطولة حتّى اليوم.
ردّ حامل اللقب جاء سريعًا كذلك، حيث أحرز المهاجم السوفياتي غاليمزيان حسينوف هدف التعادل بعد دقيقتين فقط من هدف بيريدا. وانتظر الإسبان حتى ما قبل صفرة النهاية بست دقائق كي يسجّلوا هدفًا آخر عبر مارسيلينو مارتينيز حافظوا عليه هذه المرّة، فباتوا أول منتخب يفوز بكأس الأمم الأوروبية على أرضه وبين جمهوره.
وللصدفة، سوف يعود مارسيلينو لتسجيل هدف حاسم ومتأخر أيضًا لصالح ناديه ريال ساراغوسا في المباراة النهائية لكأس المعارض الأوروبية ضدّ نادي فالنسيا، وذلك بعد أربعة أيام فقط من تسجيله هدف الفوز في نهائي بطولة كأس الأمم الأوروبية!
أمّا زميله لويس سواريز، نجم المنتخب البطل، فكان قد أحرز لتوّه كأس الأندية الأوروبية البطلة للعام 1964 مع ناديه الإيطالي إنترناسيونالي ميلانو، فبات أوّل لاعب يحمل لقبي البطولتين في الوقت نفسه.. وسوف يعود سواريز إلى الساحة الدولية مع المنتخب الإسباني بعد 26 عامًا، حيث سيكون مدرّبًا للمنتخب في بطولة كأس العالم للعام 1990.
في المقابل، فشل الحارس السوفياتي العملاق ليف ياشين، الذي كان قد بدأ مسيرته كحارس مرمى في فريق للهوكي على الجليد، في قيادة منتخب بلده إلى الفوز بكأس الأمم الأوروبية للمرّة الثانية على التوالي، رغم إحرازه لقب أفضل لاعب أوروبي للعام 1963...وهو لا يزال حارس المرمى الوحيد الذي فاز بهذا اللقب.
ويذكر أنّ ياشين وزميليه إيفانوف وبونيدلنك باتوا معًا أكثر اللاعبين خوضًا للمباريات النهائيّة في البطولة الأوروبية. ورغم أنّ لاعبين عدّة شاركوا في مباراتين نهائيتين لاحقًا، إنما لم يستطع أحد المشاركة في ثلاث مباريات نهائيّة حتى اليوم!.
هدّافو بطولة 1964
دييغو نوفاك المجر هدفان
فيرينتس بيني المجر هدفان
خيسوس ماريا بيريدا إسبانيا هدفان