«الفتيان الطيّبون» (The Nice Guys) جديد من المخرج الآتي من الكتابة شون بلاك يجمع فيه بين الممثلين راسل كراو ورايان غوزلينغ في دوري تحريين خاصين يبحثان عمن قتل الفتاة التي يشكل موتها لغز هذا الفيلم.
الأحداث تقع في لوس أنجليس عام 1977 وللتأكيد هناك فرقة موسيقية تعزف في حفلة مقطوعة «سبتمبر» (لفرقة Earth, Wind & Fire). المشكلة الوحيدة هنا هي أن المقطوعة طرحت في الأسواق بعد عام ونصف العام على ذلك التاريخ.
لكن إذا ما سُمح لغودزيللا أن يهدم سان فرانسيسكو وهي لا تزال قائمة، يمكن القبول بغلطة كهذه أو كالمرور من تحت إعلان لفيلم «جوز 2» علما بأن هذا الفيلم شهد عرضه الأميركي الأول في السادس عشر من يونيو (حزيران) سنة 1978 وليس سنة 1977.
جاكسون (راسل كراو) وهولاند (غوزلينغ) تحريان خاصان والعادة درجت في السينما على أن يحتفي الفيلم الذي يقدّم رجلين من المحققين، أو رجلين من البوليس (براد بت ومورغان فريمان في «سبعة») أو الذي يقدم رجلين أحدهما من رجال القانون والآخر من الخارجين عنه (مثل إيدي مورفي ونك نولتي «48 ساعة») هو التركيز على الفوارق بين الرجلين ومحاولة خلق مشاحنات ومواجهات قائمة على هذه المنطقة السلوكية والشخصية بالتحديد.
* تماثل طباع
المسألة تبدأ عادة بتبرير وجود بطلين متساويين يحققان في جريمة واحدة، ثم تمتد لتشمل تقديم كل منهما بمراجعة شخصية مختلفة تلقي الضوء على سلوكياته المتناقضة مع سلوك زميله كأن يكون أحدهما أكثر ميلاً للعنف، أو أن يكون قليل الثقة بزميله، أو أقل منه صمودًا في وجه التحديات أو أنه الشرطي الجيد بينما الآخر هو الشرطي الفاسد. وكل ذلك يوجه المخرج (تبعًا للسيناريو غالبًا) إلى اختيار واحد من وجهتين:
إما تقديم الفيلم على نحو جاد كما الحال في «سبعة» لديفيد فينشر (1997) أو كما حال بطلا «مطر أسود» مايكل دوغلاس وأندي غارسيا (المتحالفين مع الياباني كن تاكاكورا) في «مطر أسود» لريدلي سكوت (1989).
وإما تقديم الفيلم على نحو يثير السخرية والضحك بناء على تناقضات الشخصيتين كما الحال في «حرارة مدينة» (1984) الذي قام كلينت إيستوود فيه بتمثيل التحري الرصين في حين تكفّل بيرت رينولدز بأداء شخصية المثير للطرافة طوال الوقت (الفيلم أسوأ عمل قام كل منهما بتمثيله).
بناء التناقضات مهم لأن أي فيلم من بطولة ثنائية يحتاج، حسب منظور صانعيه، لشحنة مثيرة من تلك التناقضات الخصوصية. مل غيبسون أبيض وشريكه داني كلوفر أسود في «سلاح قاضٍ» (1987 لرتشارد دونر) وما تلاه. أميركي (روبرت ميتشوم) وياباني (كن تاكاكورا) في فيلم سيدني بولاك «الياكوزا» (1974) أو رجل (كلينت ايستوود) وامرأة (تين دالي» في «الفارض» (1976) لجيمس فارغو.
طبعًا من الأصعب أن تكون الشخصيتان متماثلتين في الطباع (ولو بقدر محدد) لأن تماثلهما يفرض البحث عن مناطق خلاف تثير الإشكال واهتمام المشاهد في نواحٍ أخرى. بينما من السهل تقديمها من المنطلق ذاته الذي شكله معظم من قام بأدوار ثنائية من فجر السينما وإلى اليوم: لوريل (النحيف) وهاردي (البدين)، أبوت (النحيف والجاد) ولو كوستيللو (البدين والخائف)، والتحري الصيني تشارلي شان (الملم والذكاء) وابنه الشاب الذي يحاول تقليد أبيه ويقع في أخطاء.
في الأفلام البوليسية كثير من الأمثلة في هذا الشأن. لكن كما أن تقديم شخصيتين متساويتين يحتاج إلى موهبة تعرف كيف تنبش في بدائل أخرى، لأنها لو لم تفعل لسقط الاهتمام بهما معًا، فإن تقديم التناقض وتعزيزه بالمواقف والمشاهد الكفيلة قد ينقلب سحره على الساحر كما حدث في «حرارة المدينة»، إذ أشبع مشاهديه سخرية من كلا بطليه وكما في Cop Out مع بروس ويليس وترايسي مورغن اللذين لا شأن لهما طوال الفيلم سوى معارضة كليهما للآخر.
* الأبيض وشريكه
العادة التي نراها في نحو 150 فيلمًا من هذا النوع القائم على بطولة ثنائية في أفلام بوليسية، هي شحذ ذلك الاختلاف الطبيعي لخلق أحداث تنبع من ذاته. هذا لا يتحقق دائمًا، وحتى حين يتحقق فإن المهمّة قد لا تُنجز جيدًا إذا ما تم فرض تلك الاختلافات على نحو سطحي أو مباشر.
بالتالي، هناك نماذج أفضل من أخرى بطبيعة الحال، وتلك الجيّدة تبقى جيدة على الدوام حتى ولو نظرنا إليها بعد عقود من تحقيقها.
فيرجيل تيبس (سيدني بواتييه) هو تحرٍّ أفرو - أميركي من المدينة أخذ فرصة ليزور قريبًا له في بلدة جنوبية. يلتقطه البوليس الأبيض مشتبهًا به بمجرد وقوع جريمة قتل. تنطلق أحداث «في حرارة الليل» (نورمان جويسون، 1967) لتنتقد تلك العنصرية المنتشرة ليس فقط بين مدنيين بيض في تلك البلدة، بل بين رجال قانون بيض (يرأسهم رود ستايغر) حتى من بعد إطلاق سراح التحري الأسود. فجأة يحتاج رئيس البوليس لذكاء التحري فيرجيل لحل جريمة القتل. لكنهما لن يعملا معًا. كبرياء رئيس البوليس المزيّف يمنعه من ذلك.
أسود وأبيض هي المعادلة التي تنتقل إلى فيلمين آخرين هما «هيكي وبوغز» (1972) مع التحري الأبيض روبرت كالب (أخرج الفيلم) والأسود (بل غوسبي)، لكن الفيلم بدا مثل إعلان مدفوع الثمن عن أهمية التعايش فسقط في أرضه. وهي المعادلة الأنجح في فيلمي «سلاح قاضٍ» لرتشارد دونر و«48 ساعة» لوولتر هل.
لا يبني «سلاح قاضٍ» تناقضاته على مسألة صراع عنصري، فالأبيض مل غيبسون ليس عنصريًا على الإطلاق ولا داني كلوفر في موقع دفاع عن النفس وتأكيد الذات. ما يذهب إليه الفيلم، تحت إدارة جيدة من المخرج رتشارد دونر، هو تصوير منهجي عمل بين رجل أعزب يضع الحياة والموت في ميزان واحد فيقدم على المخطرات من دون حساب، بينما يعاين الآخر وضعه كربّ عائلة ويمارس المنطق الواقعي في كل شيء ويثمن الحياة على الموت تبعًا لذلك.
«48 ساعة» يختلف من حيث إنه يدور حول شرطي (نك نولتي) مفرط في الاعتداد بنفسه ويميل إلى البطش ولا يقيم وزنا كبيرًا للآخرين (خصوصًا إذا كانوا من عنصر آخر) ولص محكوم عليه بالسجن (إيدي ميرفي) يخرجه الأول لمساعدته في الإمساك بمجرمين خطرين. واحد من الطرق لتحويل بؤرة الصراع بين هاتين الشخصيّتين إلى ما هو مجد وبذلك تجنب الغرق في الكليشيات والإكثار من تكرارها، هو تصوير عنف المجرمين، مما يحيي قيمة بطلي الفيلم أكثر وأكثر.
«سبعة»، فيلم ديفيد فينشر الممتاز (1995) يلغي المعادلات السابقة ويجرؤ على تقديم تحريين من عنصرين لكن مع معاملة كل منهما معاملة مستقيمة رصينة واحدة ومن حجم لا تفضيل عليه. سومرست (مورغان فريمن) يتميّز بالخبرة وميلز (براد بت) بالإقدام وعندما ينجح المجرم (كَفن سبايسي) بالنيل من الثاني يخلق منه وحشًا آدميًا ولو إلى حين. المادة المستخدمة لتقديم حكاية بوليسية برأسين تختلف من حيث تعتمد على الأبيض والأسود كتنويع اجتماعي وليس على محاولة تنميط كل منهما ليكرر مفادات لا قيمة لها.
أفلام الثنائي التحري.. تعود إلى الواجهة
وجهان لكل بطولة في أي عمل سينمائي
أفلام الثنائي التحري.. تعود إلى الواجهة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة