أخيرًا، خرج أحد أكثر الأسرار انتشارًا في الوسط الرياضي إلى العلن، حيث تقرر بعد ظهيرة الاثنين الماضي تعيين البرتغالي جوزيه مورينهو مدربًا لمانشستر يونايتد، في محاولة لدفع النادي بعيدًا عن فترة من الاضطرابات. ويأتي القرار بمثابة ذروة قصة ملحمية من الغزل المتبادل البطيء ظل يحوم حول العناوين الرئيسية للصحف على مدار ستة أشهر.
بالنسبة للاعبي مانشستر يونايتد، فإن الفوز الذي حققوه، السبت الماضي، بنهائي بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم أمام كريستال بالاس، لم يكن بمثابة فجر جديد للفريق بقدر ما كان أشبه بجنازة على غرار ما كان سائدًا بين شعوب «الفايكينغ» للمدرب لويس فان غال بعد موسمين من انعدام التوازن. وحتى في اللحظة التي خطا خلالها فان غال إلى داخل قاعة المؤتمر الصحافي حاملاً كأس البطولة تحت ذراعه، كانت الكاميرات مثبتة على مورينهو على الجانب الآخر من المدينة، حيث بدا متحمسًا.
المعروف أن فان غال واحد من المدربين الذين يحظون بالاحترام والتقدير على نطاق واسع، رغم كل الجلبة المثارة حوله على شبكات التواصل الاجتماعي وبالصحف خلال فترة عمله بمانشستر يونايتد التي هيمنت عليها حالة من الركود. ومع هذا، ظل هذا الموقف الأخير تجربة مهينة له - ذلك أن مدربًا منتصرًا يجلس على المنصة يضع أمامه الكأس المتلألئة بكل فخر في مواجهة حشد من ممثلي وسائل الإعلام العالمية الذين تركزت أنظارهم على شخص آخر من المقرر أن يخلفه. حقيقة الأمر، حمل هذا الموقف بصمة مورينهو القاسية التي لا تعرف الرحمة، رغم غياب الأخير عن المشهد!.
الآن، يدور الحديث حول عقد لمدة ثلاث سنوات لمورينهو داخل أولد ترافورد، لتكتب بهذا كلمة النهاية في قصة طويلة من الغزل العلني شارك بها عدد من كبار الوكلاء الرياضيين وعاقدي الصفقات ووسائل الإعلام. الحقيقة أن المرء يشعر حيال الأمر برمته وكأنه أتى متأخرا عما كان متوقعًا، فقد بدأت علاقة الغرام تلك من 12 عامًا منذ النظرة الأولى تجاه مدرب برتغالي شاب ووسيم يقف على خط التماس في نصف الملعب الخاص بمانشستر يونايتد في الوقت الذي كان فريقه آنذاك، بورتو، ينزل هزيمة مدوية بالنادي الإنجليزي ليلقي به خارج بطولة دوري أبطال أوروبا.
بيد أن التساؤل الأهم الآن، ما السر وراء اعتقاد مثل هذا العدد الكبير من الأشخاص حول مانشستر يونايتد، من مشجعين إلى مديرين إلى عاملين بوسائل إعلام على صلة بالنادي، يعتقدون أن الاستعانة بمورينهو فكرة جيدة.
ورغم أن هذا القول قد يبدو غريبًا بالنسبة لمدرب ناجح مثل مورينهو، فإن الحقيقة تبقى أن تعيينه مدربًا لمانشستر يونايتد يعد في جوهره قرار شهرة، ولا يعدو كونه محاولة لجذب الأضواء إلى النادي على نحو جديد وتلميع علامته التجارية وصقلها. أما داخل الملعب، فإن مورينهو لا يوفر كرة القدم ذات الطابع الهجومي المثير. في الواقع، تعتبر الاستعانة به بديلاً عن فان غال بمثابة مقايضة أسلوب لعب يركز على الاستحواذ على نحو مفرط مقابل أسلوب لعب دفاعي يعتمد بصورة مفرطة على الهجمات المرتدة، وإن كان هذا يجري في ظل حضور سينمائي للمدرب بإيماءاته وإشاراته للاعبين على خط التماس.
المعروف أن مورينهو يفتقر إلى القدرة على التصرف على نحو لطيف، وكذلك عدم اهتمامه بتنمية مهارات اللاعبين الناشئين. كما أنه بعيد تمامًا عن التصور الذي يتمسك به ملاك النادي، آل غليزر، تجاه مانشستر يونايتد والذي يعتبرونه مجرد مصدر هائل للدخل وحساب مصرفي لا ينفد مطلقًا.
ويبدو واضحًا أن الخطوة المثلى لمانشستر يونايتد، انطلاقًا من رغبته في إعادة بناء صفوفه، الاستعانة بأفضل مدرب شاب على مستوى القارة الأوروبية وإغداق الدعم والأموال والصبر عليه. ومن الأسماء التي يمكن النظر إليها في هذا الإطار أوناي إمري، الذي فاز ببطولة دوري أوروبا ثلاث مرات خلال توليه مسؤولية تدريب إشبيلية، أو توماس توشيل مدرب بروسيا دورتموند، النجم الألماني الصاعد بمجال التدريب، والذي يتميز بخطته الواضحة وطاقته الكبيرة.
فيما يتعلق بمورينهو، فإنه ربما فاز ببطولتي دوري خلال الأعوام الخمس الماضية وتعرض للطرد من منافس قوي هذا الموسم. وربما بدا مستنزفًا خلال الفترة الأخيرة له داخل تشيلسي، حيث سيطر عليه الاهتمام المبالغ فيه بتفاصيل لا جدوى من ورائها، بينما تراجع مستوى أداء الفريق على بعض الأصعدة المحورية. إلا أنه رغم كل ما سبق، تظل الحقيقة أنه مدرب ينتمي إلى الفئة الأولى الممتازة من أبناء مهنته - خاصة لما يتميز به من شهرة وشخصية كاريزمية وقدرة لا حدود لها على جذب الاهتمام - حتى وإن كان قرار الاستعانة به في تدريب النادي يبدو أشبه بزواج مصلحة بين اثنين من المشاهير في منتصف العمر يرمي لإعادة اجتذاب الأضواء نحوهما.
ومع هذا، وحتى لو كان هذا الدافع المحرك وراء مورينهو، فإنه لا تزال هناك حجة قوية ترى أن هذه العلاقة ستنتهي بالنجاح. على أدنى تقدير، سيتمكن مورينهو من دون شك في دفع النادي نحو العودة إلى الأربعة الأوائل على مستوى كرة القدم الإنجليزية وكذلك على صعيد بطولة دوري أبطال أوروبا. وقبل أي شيء، لدى مورينهو رغبة حقيقية في الاضطلاع بهذه المهمة.
ومنذ فترة بعيدة ترجع لعام 2009، بدأت أنظار مورينهو تتحول نحو مانشستر يونايتد بالفعل. وفي عام 2012، ظن أن الوظيفة أصبحت رهن إشارته بمجرد رحيل سير أليكس فيرغسون، ليفاجئ بمانشستر يونايتد يختار بدلاً منه ديفيد مويز. لقد ناضل مورينهو كثيرًا وتلهف كثيرًا كي يحظى نهاية الأمر بهذه الفرصة. والآن، مع نجاحه أخيرا في اقتناصها، من غير المحتمل ألا يعمد لاستغلالها على أفضل نحو ممكن.
من ناحية، يملك مورينهو الإرادة والثقة بالذات التي تمكنه من إدارة فريق مانشستر يونايتد بقوة، رغم كل ما يضمه من تناقضات جرى تجميعها تحت قيادة ثلاثة مدربين مختلفين. والمعتقد أنه سيرغب في شراء عدد ضخم من اللاعبين فور توليه مهامه رسميًا، مثلما سبق وأن فعل بالماضي. داخل تشيلسي، قام بصرف أكثر من 70 مليون جنيه إسترليني من الثروة التي جلبها مالك النادي من الوقود الحفري خلال حقبة ما بعد الانهيار السوفياتي، خلال العام الأول له بالنادي. هذه المرة، سيجري إنفاق المال مجددًا، لكن بالتأكيد لن يكون من الحكمة مطلقًا ألا يبدي المدرب الجديد ثقته في تطور أداء لاعبين على قدر عالٍ من الموهبة مثل أنتوني مارسيال أو حتى ماركوس راشفورد، لاعب الهجوم المحبوب والجريء وصاحب اللياقة البدنية الجيدة والذي قدم بعضًا من أفضل لحظات أداء مانشستر يونايتد على استاد ويمبلي. أما واين روني، اللاعب المفضل لدى مورينهو، فسيبقى بالتأكيد عنصرًا محوريًا بالفريق.
ورغم هذا، سيعمد مورينهو بصورة أساسية لبناء الأسلوب المعتاد، بحيث يعتمد في الخلف على لاعبين أقوياء في مركز الظهير الكامل بحيث يتولون مهام الدفاع بقلب الملعب. وفيما وراء ذلك، ينشر مورينهو بعضًا من عناصر قوته، مع اهتمامه المعتاد بالتفاصيل وحضوره القوي الملهم للاعبين وإيمانه بأن المباراة تبدأ فعليًا منذ أول مؤتمر صحافي له قبل المباراة.
على هذا الصعيد، من السهل أن يخالجك السأم تجاه مورينهو، مثلما حدث مع كثير من اللاعبين، كما يسهل أن تغفل عن بعض أفضل ما يملكه من مهارات في خضم المشاحنات ومشاعر المرارة.
بوجه عام، تتميز مسيرة مورينهو الكروية بثلاث فترات مميزة: فوزه ببطولة دوري أبطال أوروبا مع بورتو عام 2004، في إنجاز يقترب من مستوى، إن لم يكن يكافئ، إنجاز كلاوديو رانيري بفوزه ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز مع ليستر سيتي. كما جاء فوز إنترناسيونالي بدوري أبطال أوروبا بمثابة انتصار للإرادة والعزيمة والتنظيم. كما قاد تشيلسي نحو الفوز بالدوري عامي 2005 و2006.
أما العنصر المشترك بين الفترات الثلاث فيكمن في وجود مسحة من الشعور بالمظلومية لدى مورينهو. ومن الواضح أن البرتغالي لم يكن بالصورة التي نعرفه بها الآن عندما كان النجاح أمرًا متوقعًا، مثلما كان الحال خلال مواسمه الثلاثة مع ريال مدريد. الملاحظ أن مورينهو يصبح في أفضل حالاته عندما يعمل كقوة خارجية مدمرة عازمة على تدمير جميع التحالفات الأخرى. ومن هذه الزاوية تحديدًا، قد تكون هذه اللحظة المثالية للاستعانة به داخل مانشستر يونايتد، بالنظر إلى أن مهمته هناك في جوهرها مهمة إحياء. يذكر أن مانشستر يونايتد أنهى المواسم الثلاثة السابقة في المراكز الـ7 والـ4 والـ5 على الترتيب.
ومع هذا، فإن البعض يرى أنه حتى هذه المهمة تفوق قدراته، مشيرين إلى أن مورينهو بلغ قمة تألقه واحتفظ بها على امتداد عقد، وهي الفترة الزمنية المعتادة لتألق نجم كبار المدربين. والآن، يقف في مواجهة الكثير من المعارك بانتظاره، بجانب تجدد العداء بينه وبين أرسين فينغر مدرب آرسنال، علاوة على المرارة ذات الطابع الشخصي المهيمنة على علاقته بجوزيب غوارديولا الذي سيتولى تدريب مانشستر سيتي هذا الموسم.
في النهاية يبدو أن اختيار مورينهو لتدريب مانشستر يونايتد كان أشبه بقرار محتوم، ذلك أنها الخطوة الوحيدة المتبقية أمام كلا الطرفين - ومن يدري بما يكون مانشستر يونايتد قد استعان حقًا بالرجل المناسب، حتى وإن كان لأسباب خاطئة.
مورينهو خيار جيد ليونايتد.. لكنه ليس الأمثل
الاستعانة بالمدرب البرتغالي في مانشستر أشبه بزواج المصلحة بحثًا عن روح التجديد
مورينهو خيار جيد ليونايتد.. لكنه ليس الأمثل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة