تشهد المؤسسات الدستورية في لبنان تراجعًا مضطردًا يقارب حد التلاشي، بفعل الفراغ الرئاسي الذي يطبق على البلاد، ويطفئ شمعة عامه الثاني اليوم، مخلفًا شللاً شبه تام في البرلمان، وتعطيلاً لعمل الحكومة، وضربًا للاستحقاقات الدستورية الذاهبة من تأجيل إلى آخر، خصوصًا الانتخابات النيابية التي ترفض قوى سياسية وازنة تقديمها على انتخاب رئيس.
وبرأي هذه القوى، فإن انتخاب الرئيس يعني الذهاب إلى الانهيار الشامل، ويقدم أطرافها حجتهم على ذلك، فبعد الانتخابات النيابية، تصبح الحكومة مستقيلة بحكم الدستور، وأي خلاف على اسم الرئيس العتيد يعني استمرار الفراغ الرئاسي كما هو الواقع الآن، ولكن هذه المرة مع فراغ حكومي قاتل.
هذه المحاذير لا تتوقف على القوى السياسية المتخوفة من مجازفة الاستحقاق النيابي قبل الرئاسي، إنما يؤيدها العالمون بخفايا الدستور، الذين ينبهون إلى مخاطر الغوص في أهواء تقود البلاد إلى الدمار، بحسب رأي المرجع الدستوري إدمون رزق، الذي لاحظ أن «الفراغ الرئاسي جعل الدولة معلقة منذ سنتين، ومنتقصة وحتى مفقودة، بسبب مناقضة ميثاق العيش المشترك، وخرق الدستور عن سابق تصور وتصميم». معتبرًا أن «تلاحم الجهالة وسوء النية، أبقى الجمهورية بلا رئيس، ما انعكس سلبًا على وضع الدولة بكاملها، وارتد تعطيلاً للمؤسسات وشللاً للإدارة».
إدمون رزق الذي كان أحد نواب الطائف، وتولى بنفسه صياغة التعديلات الدستورية التي أخذ بها مجلس النواب، وسبق له أن شغل مناصب وزارية في أكثر من حكومة، أعلن في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المخزون الحضاري والثقافي للبنان مهدد بالنفاد، بفعل الشغور الرئاسي الآخذ بالبلد إلى الدمار والتدمير الذاتي»، مؤكدًا أن «كل ذريعة للغياب المتمادي، أو التغيب (النواب عن جلسات انتخاب الرئيس) ساقطة حكمًا، لأن أي غياب لأي صاحب مهمة أو وظيفة يعتبر خيانة للدستور، تستوجب المساءلة والمحاسبة الدقيقة».
المرجع الدستوري ذهب أبعد في توصيف واقع الفراغ القائم، حيث شدد على أن «التوصيف الحقيقي للوضع المؤسسي الراهن، يعني بوضوح أن لبنان ومنذ بدء الشغور، دخل في دوامة انقلابية تحت حكم الأمر الواقع، فلم يبق أي اعتبار للدستور والقوانين والمبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي».
وقال رزق: «إن الشغور الرئاسي هو شكل من أشكال الخيانة الوطنية والانقلاب على الميثاقى الوطني، وسببًا لشلل المؤسسات المهددة بالمزيد من التدمير، وسببًا لسقوط الجمهورية بأسرها»، مضيفًا: «لا يمكن التذرع بنص يجعل مجلس الوزراء مؤتمنًا على صلاحيات رئيس الجمهورية، لأن المشرع الدستوري، خص هذه الأحكام لحالة قسرية طارئة ومؤقتة جدًا، كما في حال عجز الرئيس أو وفاته، ما يقتضي المسارعة إلى انتخاب رئيس للبلاد».
وأمام الأخذ والرد على اقتراح رئيس مجلس النواب نبيه بري، الرامي إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، على أن ينتخب البرلمان الجديد رئيسًا للجمهورية، أوضح رزق أن «المطلوب من رئيس المجلس النيابي تصرف لا مبادرات واقتراح تسويات، وهذا التصرف يتلخص بالمرابطة في مقر البرلمان، وإجراء دورات انتخابية متواصلة، وفق صلاحياته الدستورية، وبموجب النظام الداخلي للمجلس». وحذر من أن «سقوط الأدوار الدستورية لن يكون لها بديل إلا الثورة». وقال: «نحن في وضع الترويج للحلول الثورية والتحريض على الثورة، لتكون البديل على خرق الدستور، وانتهاك ميثاق العيش المشترك الذي هو ميثاق شراكة المسؤولية، لا المحاصصة واقتناص المنافع وترهيب الناس».
ولا يزال قصر بعبدا يسير أموره الإدارية، وإن كان تأثيره ضئيلا في ظل غياب شاغله، وفق ما أعلن مصدر مسؤول في القصر الجمهوري، حيث أوضح أن «القصر غير مقفل كما يتوهم البعض». وأشار إلى أن «كل المديرية العامة للقصر، وكل الإدارات والوحدات التابعة لها تعمل بشكل طبيعي، إلا أن الشيء المختلف هو غياب الرئيس».
المصدر الذي رفض ذكر اسمه، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل الدوائر والوحدات الإدارية تعمل بشكل طبيعي، لا سيما القسم المتعلق بعمل مجلس الوزراء»، لافتًا إلى أن «مدير عام القصر الجمهوري (أنطوان شقير) يحضر كل جلسات مجلس الوزراء، وبالتالي كل القرارات التي تتخذها الحكومة تتابع وتبلغ إلى الوزراء عبر المديرية العامة للرئاسة، وكل المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء يعممها القصر الجمهوري عبر المديرية العام للرئاسة، والأمانة العامة لمجلس الوزراء».
ولفت المصدر إلى أن «المسؤولين في القصر الجمهوري، اغتنموا غياب الرئيس وأجروا دورات تدريبية للموظفين. كما يشهد القصر ورشة عمل تأهيلية للقاعات الرئيسية، ومكتب الرئيس ومكاتب الموظفين، وهي شارفت على الانتهاء». مضيفًا أن «لواء الحرس الجمهوري التابع لقيادة الجيش، لا يزال يتولى حماية القصر والمنشآت التابعة له، لكن في غياب الرئيس، وتراجع الضغط الأمني عليه توسعت مهمته خارج القصر، لتصل إلى مداخل الضاحية الجنوبية غربًا، ومنطقة الجمهور شرقًا».
الشغور الرئاسي يطفئ شمعة عامه الثاني بشلل يضرب كل المؤسسات
القصر الجمهوري يملأ الفراغ بالروتين الإداري ودورات التدريب وورش الترميم
الشغور الرئاسي يطفئ شمعة عامه الثاني بشلل يضرب كل المؤسسات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة