اتفاق روسي ـ أميركي على التهدئة بريف دمشق وموسكو تلزم النظام بهدنة 72 ساعة

المعارضة تتعاطى بريبة مع «الهدن المؤقتة» التي يفرضها الثنائي الدولي

رجل يقف قرب نافذة محطمة يبدو من خلالها الاضرار التي اصابت محطة حافلات جبلة بريف اللاذقية بفعل التفجير الذي تبناه داعش اول من امس (رويترز)
رجل يقف قرب نافذة محطمة يبدو من خلالها الاضرار التي اصابت محطة حافلات جبلة بريف اللاذقية بفعل التفجير الذي تبناه داعش اول من امس (رويترز)
TT

اتفاق روسي ـ أميركي على التهدئة بريف دمشق وموسكو تلزم النظام بهدنة 72 ساعة

رجل يقف قرب نافذة محطمة يبدو من خلالها الاضرار التي اصابت محطة حافلات جبلة بريف اللاذقية بفعل التفجير الذي تبناه داعش اول من امس (رويترز)
رجل يقف قرب نافذة محطمة يبدو من خلالها الاضرار التي اصابت محطة حافلات جبلة بريف اللاذقية بفعل التفجير الذي تبناه داعش اول من امس (رويترز)

يستمر الثنائي الأميركي - الروسي بفرض هدن جزئية ومؤقتة في مناطق سورية محددة ينتقيها، غير آبه باستمرارها وحتى تفاقمها في مناطق أخرى، وهو ما بدأت قوى المعارضة تنظر إليه بريبة، مشددة على وجوب العودة إلى مبدأ الهدنة الشاملة التي تؤسس لانطلاق العملية السياسية والمرحلة الانتقالية.
وبعد 24 ساعة على التفجيرات الدموية وغير المسبوقة التي هزّت معقلين للنظام السوري في الساحل وأدّت إلى مقتل 154، انصبّت الاهتمامات الأميركية والروسية على إعادة إحياء الهدنة في الغوطة الشرقية ومدينة داريا المحاصرة قرب دمشق، وذلك قبل ساعات معدودة من انتهاء المهلة التي حددها 39 فصيلا مقاتلا معارضا بينها «جيش الإسلام» الأقوى في الغوطة الشرقية، وتهديده باعتبار اتفاق وقف الأعمال القتالية «في حكم المنهار تماما»، إذا لم يتم إلزام قوات النظام وقف هجماتها قرب دمشق خصوصا داريا.
ونجحت موسكو، يوم أمس الثلاثاء، مرة جديدة بإلزام حليفها رئيس النظام السوري بشار الأسد بوقف الأعمال القتالية في المناطق المذكورة، بحيث شهدت داريا والغوطة الشرقية، بحسب رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، هدوءا نسبيا منذ الساعات الأولى من فجر أمس الثلاثاء بعد اشتباكات بين قوات النظام والمعارضة شهدتها منتصف ليل أول من أمس (الاثنين). وقال عبد الرحمن، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الاشتباكات «ترافقت مع قصف مكثف من قبل النظام على مناطق الاشتباك، وإطلاقه عدة صواريخ يعتقد أنها من نوع أرض - أرض على مناطق في المدينة».
وطلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من نظيره الروسي سيرغي لافروف وخلال اتصال هاتفي بينهما أمس الثلاثاء: «حض النظام على الوقف الفوري لضرباته الجوية ضد قوات المعارضة والمدنيين الأبرياء في حلب وفي محيط دمشق». وحذرت وزارة الخارجية الأميركية من أنه «في حال استمر هذا (عنف النظام)، سنشهد انهيارا كاملا» لوقف الأعمال القتالية.
بدورها، وبما يؤكد وصول الطرفين الأميركي والروسي إلى تفاهم على تجديد الهدنة في داريا والغوطة، دعت روسيا إلى فرض تهدئة لمدة 72 ساعة، بحسب ما أعلن رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف السوريين سيرغي كورالينكو، الذي يتخذ من قاعدة حميميم في اللاذقية مقرا له. وقال كورالينكو إن «الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقية رصت صفوفها وأعادت التسلح وتستعد لشن هجوم». واعتبر رئيس مركز حميميم أن «وجود فصائل تصنف بوصفها جزءا من المعارضة المعتدلة، التي تتحكم بها الولايات المتحدة، إلى جانب فصائل تتعاون بشكل نشيط مع جبهة النصرة، ضمن المجموعات التي وقعت على هذا البيان، يثير الدهشة».
ومرة جديدة، حثّت واشنطن يوم أمس الفصائل المقاتلة في سوريا على عدم التخلي عن الهدنة. وتوجه المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا مايكل راتني إلى الفصائل المقاتلة بالقول: «التخلي عنها (الهدنة) سيكون خطأ استراتيجيا»، داعيا الفصائل إلى تأكيد التزامها بها.
ويتعرض اتفاق وقف الأعمال القتالية الذي تم بدء سريانه عمليا في شهر فبراير (شباط) إلى خروقات كثيرة، خصوصا في المناطق الواقعة قرب دمشق، وكان قد انهار قبل ذلك في مدينة حلب التي قتل فيها 330 مدنيا منذ 22 أبريل (نيسان). ومن أجل ضمان استمرار الهدنة فرضت الولايات المتحدة وروسيا اتفاقات تهدئة مؤقتة في الغوطة الشرقية وحلب. وانتهى نظام التهدئة في الغوطة الشرقية في الرابع من مايو (أيار)، وبعد نحو عشرة أيام شنت قوات النظام هجوما واسعا جنوب الغوطة، ونجحت في استعادة مناطق عدة.
أما في داريا، فتدور اشتباكات متقطعة يرافقها قصف لقوات النظام منذ منتصف مايو. وتحدث موقع «المصدر» الإخباري المقرب من النظام السوري عن «عملية عسكرية ضخمة»، لاستعادتها خلال الأيام المقبلة. وتحاصر قوات النظام مدينة داريا منذ عام 2012 وهي تقع جنوب دمشق وبمحاذاة مطار المزة العسكري. وباتت فصائل المعارضة تتعاطى بريبة مع «الهدن المؤقتة» التي يفرضها الثنائي الأميركي الروسي، وهو ما عبّر عنه أبو أحمد العاصمي، عضو المجلس العسكري في «الجيش الحر»، لافتا إلى أنّه «عندما وافقت المعارضة على الالتزام بوقف إطلاق النار إنما وافقت على هدنة شاملة بكل سوريا بوصفها مدخلا للحل السياسي وانطلاق المرحلة الانتقالية». وقال العاصمي، لـ«الشرق الأوسط»: «بتنا نشعر مع مرور الأيام أن الهدن المتنقلة عبارة عن لعبة روسية - أميركية كبيرة يستفيد منها النظام ليستغل قواته في مناطق مشتعلة أخرى». وأكّد العاصمي أن الفصائل «لن تصبر كثيرا على الوضع الحالي»، مشيرا إلى أنّها تعد أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتهى تقريبا بعدما خرج عن هدفه الأساسي».
من جهته، اعتبر عضو الائتلاف المعارض سمير نشار أن «السعي لإنقاذ الهدن محاولة أميركية أكثر منها روسية، نظرا لكم الانتقادات التي تتعرض لها واشنطن التي أثبتت أنّها عاجزة عن الضغط على النظام، ليسمح بإدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة وأبرزها داريا، وبالتالي فقدت تأثيرها ليس فقط على قوى المعارضة بل على الدول الإقليمية التي تدعم الثورة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «واشنطن باتت أشبه بوسيط في الحرب السورية وأبعد ما تكون عن الحليف أو الصديق للثورة، وقد يكون دورها بات أشبه بالدور الذي تقوم به الأمم المتحدة، فيما موسكو كانت ولا تزال الداعم والمقاتل الأبرز إلى جانب النظام».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.