قارئ الشبكة العنكبوتية.. «حاطب ليل»

التكنولوجيا بدلاً من أن ترفع من معدل القراءة.. أسهمت في تسطيحها

محمد تنفو  -  رشيد منسوم
محمد تنفو - رشيد منسوم
TT

قارئ الشبكة العنكبوتية.. «حاطب ليل»

محمد تنفو  -  رشيد منسوم
محمد تنفو - رشيد منسوم

تجمع الآراء على أن «العالم قبل الإنترنت هو غير العالم بعد الإنترنت»، وأن «الزمن لم يعد الزمن نفسه، والجغرافيا لم تعد الجغرافيا نفسها، والناس لم يعودوا الناس أنفسهم». حقائق يؤكدها المفكر الفرنسي إدغار موران، بقوله إنه «يستعمل الإنترنت ليس، فقط، من أجل البريد الإلكتروني، ولكن للحصول على المعلومة ومتابعة نشرات الأخبار»، ملاحظا أن «الإنترنت متعدّدة الاستعمالات مثل اللغة، فبالإمكان استعمالها لكتابة الأشعار، كما يمكن أن تستعملها المافيات والمجرمون». غير أن أهم استعمال للإنترنت، برأي موران، يبقى «دمقرَطة الثقافة»، قبل أن يتقدم، أكثر، ليرى أن «للإنترنت قوة تحريرية رائعة تخدم بعض الحركات، مثلا في إيران والصين وتونس ومصر كانت وسيلة للتواصل، سمحت للشباب والجماهير بالتحرك فورا. وعندما ننظر لقضية (ويكيليكس) فهي مهمة، حيث تم الكشف عن ملفات سرية في غاية الأهمية. فثمة أشياء نكتشفها وأخرى تغيب عنا.
على مستوى مفهوم وفعل القراءة، وكيف صارت القراءة في زمن الإنترنت، في منطقتنا العربية، يرى الباحث والناقد المغربي محمد تنفو، أن «فعل القراءة الحقيقي غائب في مجتمعنا العربي. فالشاب العربي عازف عن القراءة، ويقرأ ما يقارب حجم قصة قصيرة جدا في السنة. لذلك؛ صار هذا الشاب يفتقر إلى قدرات تسعفه على الفهم والبناء والتأويل والنقد والتقويم».
وفي مقابل رصده هذا العزوف عن القراءة الفاعلة والفعالة، يتحدث تنفو عن «انشغال الشاب العربي بالشبكة العنكبوتية، وهو انشغال يصل إلى درجة الإدمان والهوس. وما دام هذا الشاب غير محصن بشكل كبير، ويفتقر إلى مناعة حقيقية تمكنه من الإبحار في العوالم الافتراضية المفيدة، فإنه يصير ضحية لهذه الشبكة؛ إذ يقوم بدور (حاطب ليل) لا يكتفي بجمع الحطب المفيد القادر على الإنارة الحقيقية، بل يحمل المفيد وغير المفيد».
يرى تنفو، أن «المواقع الإلكترونية التي تحتل قصب السبق، بالنسبة لاهتمام الشاب العربي، هي المواقع الإباحية، ومواقع تبادل الصداقات، والمواقع الشخصية للفنانين والفنانات.... فداخلها لا يمل ولا يكل. أما دخول المواقع الثقافية المفيدة فيكون من باب الواجبات المنزلية التي يصدرها الأستاذ مدججا بسلاح النقطة». لذلك؛ يتحدث تنفو، بمرارة، عن الشاب العربي الذي صار «ضحية التكنولوجيا وكبش فدائها»، ملاحظا أنه «بدلا من أن ترفع التكنولوجيا من معدل القراءة، أسهمت في إقبارها وتسطيحها. ومن ثم، دقت هذه التكنولوجيا، بفعل فاعل، مسمارا قاتلا في جسد الكتاب الورقي».
في المقابل، لاحظ تنفو كيف أن مجموعة من المجلات، في العالمين العربي والغربي «انتقلت من مرحلة الولادة الحقيقية الورقية إلى مرحلة الولادة الافتراضية»، مشيرا إلى أن «العالم الغربي ما زال يهتم بالفعل القرائي الحقيقي، بخلاف العالم العربي الذي يعاني داء فقدان مناعة القراءة، بسبب تحول الفعل القرائي إلى فعل يماثل الولادة القيصرية. لذلك؛ فتوجيه أصابع الاتهام إلى التكنولوجيا يعد ضربا من الجنون وسوء الفهم».
من جهته، يرى الشاعر والمترجم المغربي رشيد منسوم، أنه «على مجرى التاريخ، كانت القراءة، بصفتها محاولة لفهم وتأويل العالم الغامض ولترميم العزلة المتجذرة في صقيع الكينونة، ثابتا من ثوابت المتخيل الإنساني، أكد من خلالها الإنسان أنه ليس مجرد خطوات بلا أقدام في صحراء، أو مجرد عابر بلا أثر في الوجود». ولأن «الكائن هش لا يحتمل فكرة الوجود، هكذا منفصلا عن الطبيعة وعن التاريخ»، فقد كانت القراءة، يضيف منسوم: «السبيل لمنح الإنسان عمق امتداداته وظلاله وكان العالم ككتاب ضخم ومفتوح يؤسس لفكرة المرآة التي تربط بين السماء والأرض، والتي تحدث عنها ميشال فوكو في كتابه (الكلمات والأشياء). كان الفهم والتحليل والتأويل والتركيب والنقد والإبداع عمليات ذهنية تجعل من القراءة نشاطا حقيقيا معقدا وعميقا. غير أن ظهور وسائل التكنولوجيا الحديثة، وما رافقها من تعاط سلبي، خصوصا من لدن الشباب، لحوامل جديدة، قد أفرز لنا نوعا جديدا من القراءة يمكن أن نطلق عليه (القراءة الزائفة)».
يشدد منسوم على أن ما ينتهي إليه من أحكام «ليس حكم قيمة اعتباطيا بقدر ما هو نحت في اللغة. فثمة، فعلا، استعارات شعرية أزهرت في اللغة لتوصيف فعل التصفح الذي يميز هذا النوع من القراءة الزائفة كـ(ركوب الأمواج) و(الإبحار)، نكاية في العمق وانتقاما من التأويل. هو إذن انتصار السطح على حلم بورخيس الذي طالما تخيل الجنة على هيئة مكتبة. فعالم اليوم يبدو أنه غير معني لا بجاك ديريدا ولا بهانز جورج غادامير أو جيل دولوز، فهو يقدم لنا ذاته، هكذا: «أنا أتسـَـــلفــَـن إذن أنا موجود». صورة طازجة وأشباح من دون ظلال. لا وجود لأثر يفضي إلى شيء. ثمة، فقط، دروب ودروب ومتاهة من دون طعم».
ينتهي منسوم إلى القول بأن «تصور فعل القراءة كما تصوغه العولمة بعين التكنولوجيا الحديثة يروم إفراغ العالم مما تبقى من المعنى لتفقد التفاحة كل استعاراتها وظلالها الأنطولوجية والجمالية، لتصير تلك الفاكهة الطازجة الملفوفة بلا ذاكرة في قطع من البلاستيك في (سوبر ماركت). إنها قراءة توحي بأننا، من خلال موت الكتاب الورقي، لم نعد امتدادات للغابة، كمعبد للرموز والدلالات. حقا إنه لمن سحر العولمة أن تمنحنا (أيفونات) بشاشات ذكية، وتحوّل معظمنا إلى شاشات مسطحة أحادية البعد، من دون أن يتعدى امتدادنا في الوجود تلك المادة اللزجة الذي تسري في أحشائها وتشدنا إليها، تماما، كالحبل السري».
وفي سياق رصد هذه التحولات التي يعرفها العالم، على مستوى وسائط التواصل، يرى الباحث والناقد المغربي سعيد يقطين، أن العصر الحالي يمكن وصفه بتسميات كثيرة، فهو «عصر المعلومات» و«عصر الصورة» و«عصر التكنولوجيا الجديدة للإعلام والتواصل» و«العصر الرقمي»، بما هي تسميات تتآزر، بحسب كاتب «النص المترابط» و«من النص إلى النص المترابط»، لتوصيف عصر مختلف بطابعه الخاص، حتى وإن كان هناك تفاوت، بين الأمم والشعوب، في دخوله والإسهام في تحولاته الكبرى؛ كما تشترك في إيحائها إلى قواسم مشتركة، تجد مدلولها الحقيقي في كوننا ندخل حقبة حضارية جديدة من تاريخ البشرية، عنوانها المركزي هو الانتقال إلى المرحلة الرقمية، التي تهمين فيها الأجهزة الرقمية التي من خلالها يتم التواصل.
هي مرحلة تختلف، من دون شك، عن سابقاتها؛ إذ تحسب على «عصر يلهث فيه قادمه يكاد يلحق بسابقه، وتتهاوى فيه النظم والأفكار على مرأى من بدايتها، وتتقادم فيها الأشياء وهي في أوج جدتها»، على رأي نبيل علي، في مؤلف «الثقافة العربية وعصر المعلومات». لذلك؛ صار المرور من فعل الكتابة إلى ربط الكتابة نفسها بمعطى جعل المكتوب، قابلا للرؤية والقراءة على الشاشة ضمن هذا التحول المتسارع، يستدعي من القارئ عدم الاكتفاء بمعرفة القراءة، فقط، بعد أن صار مطالبا بالتفاعل مع النص رقميا. أي أننا لم نعد، هنا، أمام القارئ العادي، أو حتى القارئ المثالي، الذي كانت تـُنـَـظـّر له الكتابات، ما قبل الرقمية، بل أمام «قارئ رقمي»، صار مطلوبا منه التوفر على «أنماط إدراك» خاصة تجعله مختلفا عن القارئ الورقي، فيما المؤلف لم يعد هو المبدع والمنتج المتحكم في نسيج نصوصه الإبداعية، بعد أن فقد سلطته، على رأي المفكر المغربي عبد السلام بن عبد العالي، في مؤلفه «ضد الراهن».
هكذا، تتأكد قيمة الإنترنت، على مستوى التواصل والإبداع الأدبي والثقافي، مع بعض الفروقات فيما يخص درجات التأثر بهذا الوضع الجديد، حسب البلدان ودرجة انخراطها وأخذها بأسباب التكنولوجيات الحديثة، من جهة التوفر على متطلبات الارتباط بالواقع الجديد. وفي هذا السياق، ينطلق يحيى اليحياوي، الباحث المغربي المتخصص في علوم الاتصال، من الخصوصية المحلية، لينتقد بعض الأفكار الجاهزة حول الإنترنت في بلده، وفي كثير من بلدان العالم، فيقول إن «علاقتنا بالثقافة في المغرب علاقة شاذة في الظروف الطبيعية، فما بالك لو أضيفت لها المستجدات التكنولوجية؟!».
من جانبها، تنظر الناقدة والروائية المغربية زهور كرام للتحولات الحالية المتسارعة التي يعرفها العالم من وجهة نظر إيجابية، تتلخص في أن «انتقال الحضارات من مستوى تواصلي إلى آخر، أكثر استثمارا لتطور الفكر البشري، يولد أشكاله التعبيرية التي تعبر عن حالة الوعي بهذا الانتقال. ولهذا، يحق لأفراد كل مرحلة تاريخية التعبير بواسطة الإمكانات والأدوات المتاحة؛ لأن تلك الإمكانات ليست مجرد وسائط، وإنما تعبر عن شكل تفكير مرحلة».
وبالإيجابية نفسها، في النظر إلى هذه التحولات، لكن مع اشتراط قدرة الأفراد على التعامل مع متطلبات المرحلة، يرى الباحث والقاص والناقد السينمائي المغربي محمد اشويكة، أن الرهان على القارئ الإلكتروني رهان على قارئٍ نوعي؛ لأنه يستطيع تجاوز عائق القراءة الكلاسيكية التي تكتفي بالمادة التي تشملها تضاعيف الحامل الورقي، منبها إلى أن «القراءة الإلكترونية تنمي الكفاية التكنولوجية التي تكشف النص بصفته متاهة، إذا لم يحسن القارئ اكتشافها، من خلال مهاراته الانتقالية عبر روابط النص، تضيع أجزاء كثيرة منه، ولا تكتمل المتعة».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.