«إلى قارئ لا أعرفه» هكذا خط الكاتب والناقد مصطفى عبد الله، رئيس التحرير السابق لجريدة «أخبار الأدب» إهداءه على كتابه «جهاد في الفن» قبل أن يضعه في صندوق «بنك الكتاب»، الذي اكتشفه مصادفة أثناء مروره بمركز الهناجر للإبداع بدار الأوبرا المصرية، حيث استوقفه صندوق ضخم له واجهة زجاجية تظهر من خلالها بعض الكتب، ومدون عليه «تبرع بكتابك ليقرأه غيرك».
«بنك الكتاب» هو أحد المشروعات الثقافية التي أطلقها صندوق التنمية الثقافية في ديسمبر (كانون الأول) 2015 ضمن مشروعات أخرى عدة، تهدف لعلاج مشكلة تدني معدلات القراءة في مصر، إلا أنه يجابه مصيرا مجهولا، ويغرق في متاهات من الروتين الحكومي، وتغتاله براثن البيروقراطية. تم تدشين المشروع أثناء تولي المهندس محمد أبو سعدة رئاسة صندوق التنمية الثقافية، بناء على فكرة تقدم بها الشاب أحمد الفران، الذي كان يعمل بمكتب وزير الثقافة جابر عصفور في ذاك الوقت، وبعد النجاح الذي حققته الفكرة في دار الأوبرا المصرية، تم وضع صندوق «بنك الكتاب» في ميدان مصطفى محمود بالمهندسين، وشارع شريف بوسط القاهرة، وحي الزمالك بوصفه تجربة أولية، على أن يتم زيادة المناطق التي يتواجد بها تدريجيا لتشمل جميع المحافظات المصرية، إلا أن تلك الصناديق تم غلقها قبل أن يعلن عنها. فلم يحظ المشروع المهم بالدعاية الكافية، حتى أن الصحافيين والكتاب لم يعلموا بوجوده من الأساس، بل تعرفوا عليه عبر صفحات موقع «فيسبوك» حينما أعلن وجوده الكاتب الصحافي سامح فايز المهتم بالشأن الثقافي.
ويقول الكاتب الصحافي مصطفى عبد الله، وهو عضو لجنة بوزارة الثقافة المصرية: «من حقنا بصفتنا متبرعين أن نعلم أين ذهبت الكتب التي تبرعنا بها، وهل ستصل إلى المستحقين أم لا؟ لا بد من وجود قدر من الشفافية، وبخاصة أن الجميع متحمس للمشروع ويرغب في تبنيه ودعمه». ويروي: «كنت ذاهبا إلى ندوة من ندوات المجلس الأعلى للثقافة ووجدت هذا الكيان (الصندوق) أشبه بصناديق البريد القديمة، وراقت لي الفكرة تماما. لم يكن معي أي كتاب، وعلى الفور اقترحت على زوجتي شراء نسختين من كتابي (جهاد في الفن) عن الأديب الكبير يحيى حقي، وقصتها (مخدع) ووضعنا الكتب في الصندوق، ثم تشاركت صورة الصندوق مع أصدقائي في الوسط الثقافي».
ويضيف: «أهديت كتابي (إلى قارئ لا أعرفه) فهل هو إنسان في عمق الصعيد، أم في سيناء؟ وتركت رقم هاتفي لو أراد أن يتواصل معي، ثم دعوت أصدقائي، وإذا بي أكتشف ألا أحد من دائرتي له علم بهذا الصندوق! بل تحمس الجميع للمشاركة ومساندة هذا المشروع العظيم، واهتم عدد كبير من المثقفين في المهجر، ومنهم الروائي شريف ماهر مليكه المقيم في ولاية ميريلاند بأميركا، طلب مني أن أنوب عنه في إهداء أحد كتبه لـ(بنك الكتاب)». مصير الكتب، هو القضية التي يهتم بها عبد الله وينوي متابعتها حتى يتم التأكد من جدوى المشروع. ويضيف عبد الله: «أرى أن التبرع بهذا الصندوق هو واجب على المثقفين والأدباء لكي تصل الكتب إلى جميع ربوع مصر، وبخاصة أن أهم ما في هذا المشروع هو أن تخرج الثقافة خارج الأطر التقليدية التي تروج بها الدولة للثقافة والقراءة، الكتاب لديهم رغبة في التبرع، لكنهم لم يجدوا وسيلة جيدة لذلك».
لكن منذ أن تغيرت إدارة صندوق التنمية الثقافية وهو كيان فاعل في تنفيذ السياسة الثقافية المصرية منذ 25 عاما، غلقت الصناديق ولا يزال مصيرها مجهولا. تواصلت «فضاءات» مع المكتب الإعلامي لصندوق التنمية الثقافية في محاولة للاستفسار عن مصير الكتب وعددها، وهل تم تصنيفها؟.. إلا أن الصندوق يطبق تعاليم البيروقراطية بكل دقة!. فلم نتلق ردا حتى اللحظة عن إحصاءات للكتب التي تبرع بها أصحابها للنفع العام، بل اكتفى مسؤول المكتب الإعلامي بقوله: «ما زلنا نبحث مع الإدارات المختلفة للخروج ببيان صحافي»، وكان ذلك منذ أكثر من شهر.
ورغم الإلحاح إلا أن التجاهل كان وسيلة الصندوق للتهرب من الكشف عن تفاصيل المشروع، وكأنها سر حربي!. وخرجت مؤخرا رئيسة الصندوق الدكتورة نيفين الكيلاني، بتصريح مقتضب لموقع «اليوم السابع» بأنها تقوم بإعادة تقييم المشروع، فهل تحتاج الأفكار البناءة إلى إعادة تقييم؟! ويبدو أن وزارة الثقافة المصرية في عصر تكنولوجيا المعلومات وعصر الكتاب الإلكتروني تطبق مبدأ أن كل مسؤول يطيح بالإنجازات السابقة عليه ليبدأ من جديد!
تواصلت «فضاءات» مع صاحب مقترح «بنك الكتاب» أحمد الفران، الذي سيسافر لإيطاليا لتسلم جائزة الإبداع الشبابي، والذي قال: «لم تكن فكرة (بنك الكتاب) فكرتي الخالصة، بل شاهدت تلك الفكرة في ألمانيا، وفكرت لو طبقناها هنا ستكون حلا إيجابيا لمشكلة غلاء أسعار الكتب بالنسبة للمواطن المصري، وفئة الشباب تحديدا، وكان هدفي هو أن تصل الكتب الباهظة الثمن للشباب، حيث يتم فتح البنك في نهاية كل شهر، لإعادة فهرسته وتصنيفه وإرساله إلى المكتبات في المناطق الحدودية ومحافظات الصعيد؛ لأنها الأكثر حاجة إلى تلك الكتب».
ويقول الفران: «أول كتاب تم وضعه في الصندوق كان (مجانين بيت لحم) للكاتب والصحافي الفلسطيني أسامة العيسة، الحائز جائزة الشيخ زايد للآداب عام 2015. ووجدت بعد ذلك رواية (الفيل الأزرق) لأحمد مراد وكتبا متنوعة من مختلف المجالات، وقبيل رحيلي عن وزارة الثقافة كان عدد الكتب قد وصل إلى نحو 10 آلاف كتاب، لكن انقطعت صلتي بالمشروع بعد شهر ونصف الشهر من إطلاقه، لكنني ما زلت على استعداد للمساهمة في إنجاح المشروع، وبخاصة أننا قمنا بدراسته جيدا وتكلفت ميزانيته نحو 100 ألف جنيه مصري».
ومنذ أيام قليلة قام الصحافي سامح فايز، صاحب مبادرة التيار الثقافي البديل، بوضع صور للصناديق التي تم غلق بعضها رغم احتوائه على كتب وتركها بالشوارع، والذي صرح لـ«فضاءات» قائلا: «هناك ما يزيد على 10 آلاف كتاب في مخازن الوزارة، لماذا لم يتم تصنيفها وفهرستها حتى الآن؟ «للأسف، وزارة الثقافة تغرق في آليات العمل البيروقراطية في حين أن دور النشر التي تخرج علينا كل يوم، تروج بكثافة للكتب السطحية وتدمر الثقافة بكتب سطحية وتافهة».
«بنك الكتاب» مشروع ثقافي مصري اغتالته البيروقراطية
جمع أكثر من 10 آلاف كتاب مصيرها مجهول وأغلقت صناديقه بعد 4 أشهر
«بنك الكتاب» مشروع ثقافي مصري اغتالته البيروقراطية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة