أسرار تفوق معهد ماساتشوستس للتقنية.. وثروة سعودية مدهشة

أسرار تفوق معهد ماساتشوستس للتقنية..  وثروة سعودية مدهشة
TT

أسرار تفوق معهد ماساتشوستس للتقنية.. وثروة سعودية مدهشة

أسرار تفوق معهد ماساتشوستس للتقنية..  وثروة سعودية مدهشة

خلال زيارتي الأخيرة للسعودية أدهشتني الحقيقة الديموغرافية للمملكة والآثار المترتبة عليها، وهي أن ما يزيد على نصف سكان المملكة تقل أعمارهم عن 25 عامًا.. ففي الوقت الذي يتحتم فيه على كثير من الدول الصناعية السعي جاهدة إلى التغلب على مشكلة انخفاض تعداد سكانها وزيادة أعمار الشيخوخة، نجد السعودية لديها ثروة من الشباب، مما يشير إلى وجود فرصة عظيمة سانحة للمملكة لتحديد ملامح مستقبلها من خلال التعليم.
أنشئ معهد ماساتشوستس للتقنية MIT))، وهي مؤسسة عريقة، في منتصف القرن التاسع عشر بهدف استغلال فرصة مشابهة، وهي الحاجة إلى تعليم جيل جديد من الصناع والأشخاص الفاعلين الذين يسهمون في زيادة وتيرة الثورة الصناعية في أميركا. واليوم، ونحن في عصر مختلف تمامًا، نتخيل من جديد كيف يتسنى للمعهد خدمة المجتمع بشكل أفضل، وذلك في الوقت الراهن. إننا نسعى للإجابة على هذا السؤال، الذي قد يكون مرتبطًا بأي مؤسسة تعليم عالٍ في القرن الحادي والعشرين، وما الدور الملائم الذي تلعبه الجامعة البحثية لتحقيق أقصى استفادة للبشرية؟ تعود فكرة الجامعات إلى نحو 1100 عام مضت، ويُقال إنها فكرة عربية في الأصل، حيث بدأت بتأسيس جامعة القرويين في مدينة فاس المغربية، ثم انتشرت الفكرة بعد ذلك في مختلف الأرجاء.
وعلى مدار قرون، جعلت الجامعات تركيزها منصبًا على الحفاظ على المعرفة وتعليم مزيد من العلماء للعمل في الجامعة ذاتها. وفي واقع الأمر، لقد كانوا على وشك تحقيق الاستدامة الذاتية. ولكن على مدار القرون القليلة الماضية بدأ هذا المفهوم في التغير تدريجيًا. لقد أصبحت الجامعة البحثية الحديثة في وقتنا الراهن تركز في الغالب على تطوير المعرفة وتعليم مجموعة كبيرة من الطلاب كي يقوموا بأدوار نشطة وبناءة في المجتمع.
وقد عمد معهد ماساتشوستس للتقنية إلى الأمر ذاته أيضًا، ويأتي ذلك في مقدمة بيان رسالتنا، غير أن مهمتنا تلزمنا أيضًا «بتقديم المعرفة المتعلقة بأكبر التحديات العالمية» وتنفيذ ذلك «لصالح البشرية». ولقد تكون لدي اعتقاد بأن هذا هو جوهر ما يجب على الجامعات البحثية فعله في الوقت الراهن. إذ يتعين على الجامعات أن تنظر إلى ذاتها كجهة قيادية، ليس فقط في تطوير المعرفة وتعليم الطلاب، ولكن في حل المشكلات في المناطق المحلية وربما للبشرية جمعاء.
ثمة مثالان يقدمهما معهد «MIT» لتسليط الضوء على حل المشكلات يتضمنان شركاء سعوديين. فقد اختار محمد عبد اللطيف جميل منذ عامين العمل مع المعهد لإنشاء معمل عبد اللطيف جميل للأمن المائي والغذائي العالمي (JWAFS). ويعمل هذا المركز كمركز أبحاث متعدد التخصصات لتعجيل وتيرة تطوير تقنية العالم الحقيقي ووضع حلول للمشكلات الملحة ذات الصلة بتوفير المياه العذبة والأغذية التي توفر قيمة غذائية جيدة، والموضوعات ذات الأهمية الكبيرة في المملكة والشرق الأوسط بوجه عام، وفي كثير من المناطق حول العالم.
المثال الآخر على مدار العشر سنوات الماضية، هو نجاح مبادرة الطاقة، التي أطلقها معهد ماساتشوستس للتقنية، في تصدر مشهد العلوم والتقنية والسياسة الضرورية لتمكين مستقبل الطاقة المستدامة للعالم أجمع. وتجدر الإشارة إلى أن شركة أرامكو السعودية كانت شريكًا مثاليًا في هذه المبادرة.
يتسنى لمبادرات مثل تلك التي أشرنا إليها تعزيز التقدم نحو إيجاد حلول عن طريق دعم العلوم الجديدة وتطوير التقنيات المبتكرة وإنشاء شركات جديدة منبثقة. والأكثر من ذلك، فيما يتعلق بتطوير الجيل القادم من المواهب، فقد وجدنا أولاً أن التركيز المؤسسي على حل المشكلات يتضمن على أقل تقدير ثلاث فوائد غير متوقعة.
أولاً، في الفصل الدراسي، وذلك عند إعداد المنهج بطريقة يتسنى من خلالها حل المشكلات، سيُسهم ذلك في زيادة تركيز الطلاب ومشاركتهم وحيويتهم بشكل تلقائي.
ثانيًا، عند التركيز على معالجة التحديات الكبرى، سيحفز هذا على التفكير الجريء في التخصصات المتعددة. وفي الواقع، عندما يكون اهتمامك الأول بحل المشكلات - التي ليست في مجال تخصصك، أو بالحكمة التقليدية - فستكون لديك حماسة وعزيمة على إنشاء أدوات جديدة، والبحث عن شركاء جدد، وابتكار تقنيات جديدة. أما بالنسبة للفائدة الثالثة، فعندما يتعاون الطلاب في العمل من أجل تحقيق هدف أسمى يتمثل في إيجاد عالم أفضل، سيكون من السهل للغاية التغلب على أي مسائل تتعلق بالانحيازات والاختلافات الثقافية.
لقد وفد الأشخاص الموجودون بالمعهد من 152 دولة ولكل منهم ثقافته الخاصة، ولكن عند العمل معًا بخصوص مشكلات كبيرة، فالسمة الطبيعية بينهم هي الاحترام المتبادل والاعتماد على بعضهم البعض كآدميين في المقام الأول.
وباختصار شديد، فقد توصلنا في معهد ماساتشوستس للتقنية إلى أن التركيز البشري على حل المشكلات العالمية الكبيرة يتيح لنا تحقيق تأثيرات إيجابية متباينة، فضلاً على إيجاد جيل من القادة الشباب قادرين على المساعدة في إيجاد عالم أفضل. ومن هذا المنطلق، فإنني أتطلع إلى رؤية كيف تبني السعودية مستقبلها بسواعد شبابها وذكائهم وابتكارهم، وقدرتهم على حل المشكلات الصعبة.
* رئيس معهد ماساتشوستس للتقنية منذ يوليو (تموز) 2012.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.