علي النعيمي..حارس النفط الأمين

لقد رأيت كل شيء.. ومرّ عليّ كل شيء

علي النعيمي..حارس النفط الأمين
TT

علي النعيمي..حارس النفط الأمين

علي النعيمي..حارس النفط الأمين

يكرّم وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي يوم 24 مايو (أيار) الحالي في قطر، وكان النعيمي قد غادر المنصب بموجب تعديل وزاري في وقت سابق من الشهر الحالي. وكان الوزير السابق من علامات صناعة النفط في المملكة العربية السعودية، إذ بدأ العمل في صناعة النفط قبل نحو 70 سنة. وبلغ القمة مع تعيينه وزيرًا، واحتفظ بهذا المنصب لمدة 20 سنة.
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وأثناء إحدى الجولات الصباحية في شتاء فيينا البارد، خرج وزير البترول والثروة المعدنية السابق علي النعيمي من البوابة الرئيسية لفندق غراند حياة في السادسة فجرًا كالمعتاد وخرج خلفه الصحافيون الذين اعتادوا الخروج معه لسنوات طويلة.
بالنسبة لبعض الصحافيين الذين يعرفون قراءة معالم وجه الوزير، فإنه لم يكن النعيمي الذي اعتادوا عليه، إذ لم يكن بشوشًا ومرحبًا بالصحافيين كما كانت عادته طيلة السنوات الماضية. ودار بخلد القليل منهم في ذلك الحين، أن هذه قد تكون هي المرة الأخيرة التي سيرافقون فيها الوزير في المشي داخل أزقة العاصمة النمساوية وشوارعها مرورًا بجادتي شوتنرينغ وكيرتنر رينغ. ووسط البرد القارس سأله الصحافيون عن سبب إحجامه عن إعطاء حوارات لأي جهة إعلامية من فترة طويلة، فكان رده ساخنًا في ذلك البرد القارس، حين قال: «لقد مرت علي 20 سنة وأنا وزير. لقد رأيت كل شيء ومر علي كل شيء، وأعطيت حوارات للكثير من الصحف والنشرات والقنوات، وفي نهاية المطاف لم يتغير شيء.. الكل ينقل عني كلامًا لم أقله أو يحوّر كلامي بطريقة تناسب أهداف الجهة التي يعمل فيها».
نعم لقد رأى الوزير المحبوب من قبل الصحافيين، والمعروف بين كل العاملين في القطاع باسم «أبو رامي»، كل شيء منذ أن بدأ العمل في أرامكو (شركة الزيت العربية الأميركية) في عقد الأربعينات من القرن الماضي وحتى مغادرته منصبه الوزاري خلال وقت سابق من شهر مايو الحالي.
لقد بدأ علي النعيمي العمل في أرامكو في منتصف الأربعينات عندما كانت الشركة لا تزال «أميركية».. وشهد تحولها إلى شركة سعودية، وكان هو أول من ترأسها. أيضًا شهد تقلبات شديدة لأسعار النفط، كما يقول هو، إذ رآها وهي أقل من 10 دولارات في أواخر التسعينات وكان شاهدًا عليها عندما وصلت إلى 147 دولارا في منتصف عام 2008. وشهد إنتاج المملكة عندما كان يعمل في أرامكو وهو يصل إلى 3 ملايين برميل يوميًا، ورآه مرات كثيرة وهو فوق حاجز الـ10 ملايين برميل.
وقبل خروجه من منصبه، قاد النعيمي واحدة من أشرس معارك «أوبك» عندما أقنع الجميع في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 بالتخلي عن الدفاع عن الأسعار التي تدهورت بسبب فائض المعروض في السوق العالمية، وتبني استراتيجية للدفاع عن الحصة السوقية للمنظمة أمام المنتجين أصحاب التكلفة العالية، الذين كانوا قد زادوا إنتاجهم كثيرًا في السنوات الأخيرة بفضل بقاء أسعار النفط عند 100 دولار. ولا تزال هذه الاستراتيجية هي القائمة حاليًا.
وهنا يقول أنس الصالح، وزير المالية وزير النفط المكلف في الكويت، عن علي النعيمي: «لقد كان لي الشرف أن ألتحق بالوزير في آخر أيامه (بالوزارة) وأعمل معه وأراه وهو يدافع عن مصالح دول الخليج والمملكة في أوبك وعن استراتيجية الحصة السوقية. إنه أستاذنا ولقد تعلمت الكثير منه رغم قصر المدة بيننا»..
والواقع أن النعيمي، الذي أمضى 70 سنة في قطاع النفط، كان ولا يزال أحد أهم رموز المنظمة بعد وزير البترول السعودي السابق الشيخ أحمد زكي يماني الذي استمر في منصبه الوزاري 24 سنة وهو الرقم الذي لم يكسره أي شخص بعده حتى الآن. أما المنظمة فلقد تغيرت كثيرًا منذ عام 1995. وانتقلت من ضعف وفوضى إلى قوة ونظام في فترة النعيمي، ثم عادت إلى الضعف مجددًا كما هو الحال حاليًا. وهذا ما يفسر ضجر النعيمي من وضع المنظمة التي لم تعد تؤثر كثيرًا في السوق لأن الدول الأعضاء لم تعد متضامنة مترابطة، بل غدا كل منها يمشي في طريق منفصل. كذلك ولم يعد إنتاج «أوبك» مؤثرًا كما كان في السابق لأن العالم اليوم يغرق في بحر من النفط.
لكن ماذا عن أول اجتماع لـ«أوبك» حضره النعيمي؟
لقد كان في نوفمبر 1995 وحينها كانت «أوبك» تحتفظ بسقف إنتاج قدره 24.5 مليون برميل يوميًا، وكانت أسعار نفط برنت حينها حول 16 دولارا.
في ذلك الوقت كانت المنظمة في حالة لا بأس بها وكان هناك مستوى مرضٍ من التعاون بين الدول، كما كان وزراء دول المنظمة من الشخصيات المؤثرة في القطاع، مثل الليبي عبد الله البدري الذي يعمل اليوم أمينًا عامًا للمنظمة، وعبد الله بن حمد العطية الوزير القطري، وكان الأمين العام يومذاك النيجيري الراحل ريلوانو لقمان. ومع أن النعيمي كان جديدًا على وزراء المنظمة ذلك اليوم، فإنه كان معروفًا لدى الجميع لأنه كان رئيس أرامكو السعودية وأمضى نحو 40 سنة في الشركة، وأصبح وزيرا وهو في سن الـ62 تقريبًا.
بداية صعبة
معروف عن علي النعيمي أنه رجل عصامي شق طريقه نحو القمة بمثابرة وإصرار وهمة عالية. وفي إحدى الجولات الصباحية في فيينا قال: «المراهقون اليوم في السعودية أكثر ترفًا من السابق. عندما كنت مراهقًا كان لدي هدف واحد وهو كيف أدبّر قوت يومي. كان تدبير قوت اليوم أمرا صعبًا في ذلك الوقت، وعندما عملت في أرامكو في البداية كان مرتبي 3 ريالات، ولم يرتفع مرتبي إلا بعدما أصبحت مهندسًا ورجعت إلى المملكة».
وعن مشوار العمر، فإن النعيمي تحدث عنه في حوار أجرته معه مجلة «عالم أرامكو» في مطلع الثمانينات. وفيه قال إن بداية قصته في الحياة كانت في عام 1936 عندما جاءت أمه الحامل به إلى الخُبَر من البحرين، حيث جرت العادة أن تذهب المرأة إلى أهلها عند الوضع ثم تعود إلى بيت زوجها بعد فترة من الوقت. لكنه أردف قائلا إن أمه التي تعود أصولها إلى قبيلة العجمان لم تعد لزوجها في البحرين لأنها تطلقت منه قبل أن يولد.
وتابع النعيمي الحديث عن طفولته الصعبة قائلاً: «لقد أمضيت أول ثماني سنوات من عمري مع قبيلة والدتي، العجمان، وكنا نجول من الأحساء إلى الكويت. ومن المهام التي كانت موكلة لي في تلك السن هي رعاية الأغنام الصغيرة. ومن التعليمات التي لا يمكن لي مخالفتها أبدا هي ألا أبتعد عن مرمى نظر من في الخيمة». وأردف: «لقد قابلت والدي للمرة الأولى عندما كان عمري ثماني سنوات. كانت أسرته تعمل في صناعة اللؤلؤ في البحرين، وكانوا يمتلكون مراكب الداو الخاصة بهم لصيد اللؤلؤ. ولكن عندما جاء اليابانيون باللؤلؤ الصناعي انهارت صناعة اللؤلؤ في البحرين ورجع والدي في عام 1941 ليستقر في المنطقة الشرقية بالسعودية».
من مراسل إلى رئيس أرامكو
أما بداية عمله في أرامكو وارتباطه بها، فقد كانت لها قصة مختلفة رواها أيضًا لمجلة «عالم أرامكو» كالتالي: «في وقت ما في عام 1944 أو 1945، قال لي أحد إخواني الكبار الذين كانوا يعملون في أرامكو: لم لا تأتي معي وتنضم لمدرسة أرامكو؟ لا يوجد هناك أي شروط ولا يجب أن تعمل في الشركة.. لقد كان شيئا مذهلاً».
واقتنع النعيمي كما يقول بكلام أخيه وذهب إلى مدرسة أرامكو وهناك «شاهدت ذلك المعلم. كانت لديه لحية حمراء كثيفة، وعلى ما يبدو كان من الجنسية الأيرلندية. دخلت إلى الصف وسجلت ولم يسألني أحد عن شيء واستمر هذا الوضع لمدة سنتين. لكن أخي توفي بعد ذلك وكان عمري وقتها 11 سنة، فأخذت مكانه كمراسل في الشركة. وفي عام 1947 أصدرت الحكومة السعودية قانونًا يمنع أي أحد من العمل وهو أقل من 18 سنة فتم فصلي».
ولكن النعيمي ذلك الفتى الضئيل الحجم، كما تظهر كل صور أرشيف أرامكو، لم يستسلم. وبعد ذلك بقليل حاول العودة للعمل في الشركة، وقال للمسؤولين: «قد أبدو صغيرًا لكني أبلغ من العمر 20 سنة، فقالوا لي، اذهب إلى الطبيب وإذا أكد لنا أنك تبلغ 17 سنة فسوف نوظفك». وذهب النعيمي إلى الطبيب ولكن الطبيب تأكد أنه يبلغ من العمر 12 سنة فقط، وحينها «قلت (للطبيب) قصة حزينة وأني أعول أسرتي وأني قصير القامة لأني بدوي، فتأثر الطبيب وكتب لي أني أبلغ من العمر 17 سنة».
النعيمي يروي هذه الحادثة، ويوضح «لقد كنت محتاجًا لدخل بشدة. هذا الأمر لا يشعر به أولادي ولا أبناء هذا الجيل». وفعلاً، التحق النعيمي بالعمل، ولكن هذه المرة في وظيفة مكتبية في قسم شؤون الموظفين، وكان عليه تعلم الطباعة على الآلة الكاتبة. وتعلمها النعيمي بحماسة شديدة ووصلت سرعته إلى 100 كلمة في الدقيقة، كما يقول، حتى إنه كان يحلم في منامه أنه يطبع أحيانًا.
ولا يخجل النعيمي أبدا من تلك البدايات المتواضعة له في الشركة بل يفخر بها؛ إذ قال للصحافيين ممازحًا في إحدى المرات في فيينا: «ما زلت أنقل البريد أحيانًا معي من مكتب إلى مكتب» في إشارة لأول عمل له عندما كان مراسلاً.
نقطة التحول في مسيرة علي النعيمي جاءت في عام 1953. عندما أرسل إلى برنامج صيفي في الجامعة الأميركية في بيروت. كانوا 20 شخصًا وسيحصل العشرة الأوائل على منحة دراسية في كلية حلب الدولية في سوريا. واجتاز النعيمي الامتحانات في الجامعة ما عدا امتحان واحد.. هو امتحان الطول. ولكنه تعلم الجبر والفيزياء وتعلق كثيرًا بهذه العلوم. وعندما عاد إلى الظهران طلب نقله من قسم شؤون الموظفين، وخصوصًا أنه كان يطبع خطابات الخصم للموظفين وبذلك كان يحمل لهم الأخبار السيئة.
وذهب النعيمي بعدها إلى قسم الحفر والتنقيب. وهناك سأله المدير المساعد: «لماذا تريد الالتحاق بقسم الجيولوجيا؟ هذه الوظيفة متطلبة كما أنها ليست نظيفة». فأجابه ممازحًا وضاحكًا: «لأنني أريد أن أصبح رئيس الشركة». فنظر المدير المساعد إلى النعيمي وقال له إن هذا سبب معقول: «ولهذا وظفني في القسم وألحقني بإحدى منصات الحفر في شمال الربع الخالي كمساعد جيولوجي».
وفي شهادة من عثمان الخويطر، نائب رئيس أرامكو السابق لهندسة البترول، قال: «لقد كان النعيمي ذكيًا منذ صغره. لقد عرف من أين يشق طريقه نحو الأعلى في الشركة، لقد اختار الجيولوجيا والإنتاج إذ إن غالبية التنفيذيين الكبار في أرامكو حينها هم جيولوجيون ويعملون في الإنتاج».
التعليم الجامعي
ومن هناك بدأت رحلة النعيمي نحو القمة حيث أكمل تعليمه الثانوي في لبنان، ثم الجامعي في الولايات المتحدة حيث حصل على البكالوريوس في الجيولوجيا من جامعة ليهاي بولاية بنسلفانيا الأميركية، ثم حصل على الماجستير في التخصص ذاته من جامعة ستانفورد الشهيرة في ولاية كاليفورنيا، وكان حينها قد تزوج. وبعد عودته تنقل بين الأقسام الكثيرة من العلاقات العامة حتى أنظمة الكهرباء، حتى وصل إلى منصب نائب رئيس الشركة للإنتاج وحقن المياه في عام 1975، ثم تدرج حتى أصبح أول رئيس سعودي للشركة في الأول من يناير (كانون الثاني) عام 1984.
ويتذكر النعيمي بداياته، ويسرد في حوار قديم آخر: «أتصور أن ذلك الشخص الذي حدثته عن رغبتي في أن أكون رئيس الشركة على قيد الحياة. أتمنى لو أن أتحصل على عنوانه وأقول له. لقد تم إنجاز الهدف».
علي النعيمي، قصة النجاح المتميز، سيكرّم في العاصمة القطرية الدوحة يوم 24 مايو بمنحه جائزة «شخصية العام في قطاع الطاقة» من قبل وزير الطاقة والصناعة القطري السابق عبد الله العطية، الذي تربطه بالنعيمي صداقة قديمة وعلاقة حميمة.
بعد السيرة الطويلة للنعيمي والحياة الاستثنائية، لا عجب عندما يقول العطية عنه: «لن يكون هناك أبدا نعيمي آخر».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».