هل تنجح لندن في التحول إلى مدينة «نظيفة عقاريًا»؟

مصير مئات الآلاف من المنازل «على المحك».. وقلق من تحول الاستثمارات

العاصمة البريطانية لندن تواجه اتهامًا دائمًا بأنها ملاذ آمن في قطاع العقارات
العاصمة البريطانية لندن تواجه اتهامًا دائمًا بأنها ملاذ آمن في قطاع العقارات
TT

هل تنجح لندن في التحول إلى مدينة «نظيفة عقاريًا»؟

العاصمة البريطانية لندن تواجه اتهامًا دائمًا بأنها ملاذ آمن في قطاع العقارات
العاصمة البريطانية لندن تواجه اتهامًا دائمًا بأنها ملاذ آمن في قطاع العقارات

رغم القوانين البريطانية المعروفة بصرامتها الشديدة منذ عقود، فإن المملكة المتحدة، وخصوصًا العاصمة لندن، كانت دائما أحد الملاذات الكبرى لعمليات إخفاء الأموال، لا سيما في القطاع العقاري، وذلك نظرًا لكون لندن أحد أهم المراكز المالية على مستوى العالم، إضافة إلى أن الحزمة ذاتها من القوانين الصارمة فيما يتعلق بالإجراءات، كانت تسمح دائمًا بإخفاء جوانب من المعلومات في إطار الحفاظ على السرية والحريات الشخصية.
وعبر عقود، تحولت لندن إلى أحد أفضل الملاذات الآمنة لغسل الأموال وإخفاء الثروات، حتى إن الأرقام الرسمية البريطانية تشير إلى وجود أكثر من مائة ألف مسكن في بريطانيا لا يعرف مالكها الحقيقي، نحو نصفها يقع في العاصمة لندن.. في حين تبلغ التقديرات الخاصة بالأمر ذاته أرقامًا تتخطى تلك الرسمية بعدة أضعاف، وتصل في «متوسطها» إلى «نصف مليون وحدة سكنية».
وفي تعليق شهير لمنظمة الشفافية الدولية على هذا الأمر، وما يتعلق بتحقيقات حول الفساد العقاري «المعلن رسميا» في لندن، الذي تصل تقديراته إلى عدة مئات من الملايين من الجنيهات الإسترلينية، تقول المنظمة إن «هذا فقط هو الجزء الظاهر من قمة جبل الجليد»، مؤكدة أن القطاع العقاري في لندن تحول بالفعل إلى «ملاذ آمن للأموال المسروقة في جميع أنحاء العالم».
وتشير مجموعات مستقلة مهتمة بقضية الفساد في القطاع العقاري البريطاني، إلى أن المملكة المتحدة «غضت الطرف» عن مليارات الجنيهات الإسترلينية «المشبوهة المصادر»، التي جرى استثمارها في عقاراتها عبر عقود، وذلك في إطار جذب الاستثمارات والأموال إلى عاصمة المال في أوروبا والغرب.
وخلال قمة مكافحة الفساد الأخيرة، التي استضافها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في العاصمة البريطانية الأسبوع الماضي، بحضور ممثلي نحو 50 دولة ومنظمات دولية كبرى، أقر كاميرون ضمنيًا بتلك النقاط والأرقام خلال جلسات القمة، واختتمت القمة ذاتها بتعهدات دولية بإعداد سجلات عامة لملكيات الشركات، وذلك في إطار جهود جماعية لتضييق الخناق على عمليات غسل الأموال.
وتعهد كاميرون باتخاذ تدابير «تلزم الشركات الأجنبية التي تملك أو تريد شراء عقارات في المملكة المتحدة بضرورة أن تكشف عن اسم المالك الحقيقي»، وذلك بغية تحويل لندن إلى عاصمة نظيفة ماليًا وعقاريًا، في الوقت الذي يوجد فيه نحو 100 ألف مسكن غير معلوم الهوية الحقيقية لأصحابه، وهي البنايات والشقق التي تمتلكها شركات «عبر البحار» (أوفشور)، تعمل في غالبها كـ«وكيل واجهة» لآخرين لا يريدون الظهور في الصورة.
وأكد مكتب كاميرون الأسبوع الماضي، أن فرنسا وهولندا ونيجيريا وأفغانستان ستنضم إلى الخطوة البريطانية، المتمثلة في تدشين سجلات عامة للملكية الصحيحة للشركات. مشبها خلال افتتاحه القمة الفساد بـ«ورم خبيث» يتفشى وينتشر في أرجاء العالم، وقال إنه كان لفترة طويلة موضوعا «محرما على الصعيد الدولي».
ووفقا للترتيبات المقترحة، فإن الإعلان والإفصاح عن «مصادر الأموال» سيصبح شرطا إجباريا للحصول على مسكن في سوق العقارات اللندنية والبريطانية على وجه العموم، وسيطبق ذلك على الأجانب، مما يعوق عمليات «الشراء المنفلتة» التي كان يتمتع بها بعض من أصحاب «الأموال المشبوهة» لغسل هذه الأموال، عبر شبكة معقدة من الشركات المتخصصة في إخفاء مصادر الأموال، أو تلك التي تقدم خدمات من نوعية «الواجهات المالية» غير الحقيقية، لإخفاء طبيعة المالك الحقيقي.
وأكدت الحكومة البريطانية أن «السجل الجديد للشركات الأجنبية سيعني أن الأفراد، والدول الفاسدة، لن تكون قادرة على نقل أو غسل أو إخفاء أموال قذرة عن طريق سوق العقارات في لندن».
وبعد أن فضحت قضية «أوراق بنما» التي تفجرت الشهر الماضي عن ورود كثير من الأسماء لسياسيين ومستثمرين ورجال نافذين على مستوى العالم، وهو الأمر الذي كان معروفًا إلى حد بعيد عن الملاذات الآمنة، لكن الجديد الذي قدمته هذه الأوراق هو التأكيد «شبه المستندي» على تلك العلاقات.
وأشارت «الأوراق» بوضوح إلى عدد من الأماكن، من بينها مستعمرة «فيرجين أيلاند» البريطانية، لكن العاصمة البريطانية أيضًا اكتسبت سمعة غير طيبة على مدار سنوات طويلة، عبر «التراخي» في التدقيق المالي للحسابات التي تصب في القطاع العقاري، والاكتفاء بـ«السلامة» الشكلية للمستندات، تجنبًا للوقوع تحت طائلة القانون.. وهو أمر احترفته كثير من المكاتب القانونية المتخصصة في لندن، تشبه كثيرًا الدور الذي قام به مكتب المحاماة البنمي «موساك فونسيكا»، الذي كان في صلب فضيحة «أوراق بنما» الشهر الماضي.
ووفقا للإجراءات التي جرت مناقشتها خلال قمة مكافحة الفساد، فإن التدابير المعروفة باسم «تدابير الثروة غير المبررة»، كانت على رأس جدول الأعمال، واختتمت القمة بتوقيع القادة من الحضور على أول إعلان عالمي ضد الفساد، يتعهدون خلاله بـ«العمل معًا» ضد الفساد، والاعتراف بأن الفساد يقوض الجهود الرامية لمكافحة الفقر ونشر الرخاء ومكافحة الإرهاب والتطرف، وأيضًا التصدي للفساد أينما وجد، وملاحقة مرتكبيه ومسهليه، والمتآمرين معهم، ومعاقبتهم.
وبالتوازي مع القمة، صدر مرسوم آخر في العاصمة الفرنسية باريس، يدعو إلى إقامة سجلات دولية. وقال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان إنه يفترض أن يضم السجل الفرنسي نحو «16 ألف كيان موجود اليوم في فرنسا، ولا يعرف مالكوها أو المستفيدون منها»، معلقًا على المساعي البريطانية بقوله إنه يشعر بأن بريطانيا «تريد جديًا إنهاء بعض الممارسات».
وبينما يسعى القادة والسياسيون البريطانيون إلى «تبييض» وجه المملكة المتحدة فيما يتعلق بإخفاء الفساد، والتيسيرات العقارية التي حدثت خلال العقود الماضية، تواجه الشركات العاملة بالقطاع العقاري في بريطانيا مخاوف من حدوث كبوات كبرى في السوق، في حال التشدد في القوانين الحاكمة للقطاع.
وأعرب عدد من العاملين في القطاع عن قلقهم إزاء تجنب عدد من أثرياء العالم الشراء في لندن خلال الفترات المقبلة، وهو التنافس الذي جعل العاصمة البريطانية إحدى أغلى مدن العالم عقاريًا، بل وضعها في «فقاعة شبه دائمة» من حيث ارتفاع مستويات الأسعار عن القيم المستحقة.
وفي تقارير سابقة، وبناء على تقييمات لمؤسسات متخصصة، تبين أن مستويات الإيجار والشراء في لندن أصبحت لا تناسب الطبقات المتوسطة في بريطانيا، وأن الفجوة بين الأسعار والدخول صارت في تنامٍ لا يبدو له حد في الأفق القريب.
واتسعت أزمة السكن لمحدودي الدخل، خصوصًا في جنوب بريطانيا حيث اتسعت الأسعار بمعدلات متسارعة مقارنة بالعام الماضي، لتتسع الفجوة بين متوسط أسعار المنازل ومتوسط الدخل للسكان المحليين والمقيمين أيضًا. مما يجعل المملكة المتحدة واحدة من أكثر الدول اهتمامًا بالمساكن الأكثر رفاهية على حساب الشرائح الأخرى على مدار سنوات مضت.
وأصبحت معظم المدن التي تتناسب مع الدخول المحلية حاليًا تقع في الجزء الشمالي من إنجلترا واسكوتلندا وآيرلندا الشمالية، إلا أن السكان المحليين ما زال يتوجب عليهم دفع ما من 5.11 أمثال متوسط دخلهم الشهري.
وفي الوقت ذاته، تشهد أسعار العقارات في العاصمة البريطانية (لندن) زيادة ملحوظة، وخصوصًا الإيجارات في ناطحات السحاب في لندن بمعدل أسرع من أي مدينة عالمية أخرى، وفقًا لما ورد في مؤشر ناطحات السحاب الأخير من مؤسسة «نايت فرانك».
وعلى جانب آخر، يطارد القلق صناع القرار في بريطانيا والمؤسسات العقارية على حد سواء من جهة تبعات الخروج البريطاني المحتمل من الاتحاد الأوروبي. وقال وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن الأسبوع الماضي إن أسعار المنازل وتكلفة الرهن العقاري ستتضرر كثيرا إذا قرر الناخبون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي يجري في يونيو (حزيران) المقبل، موضحًا أن تقرير جديد لوزارة المالية عن آثار الانسحاب من الاتحاد على الاقتصاد في المدى القصير سيدرس تبعات موافقة الناخبين على الخروج من الاتحاد على سوق الإسكان في بريطانيا. وأضاف أن التقرير سينشر في غضون أسابيع قليلة.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».