شغل البحث والنقاش حول ماهیة الجمال والفن الإسلامیین أذهان الکثیر من أهل الفلسفة والفن منذ سنین طویلة. وأما فیما یتعلق بإمکانیة وضع الفن الإسلامي أو علم الجمال الإسلامي تحت عنوان موضوع الفلسفة، فإن ذلك یمثل موضوعا جادا ومستحقا للدراسة، ذلك لأن الجمال هو من العناصر الأساسیة في فلسفة الفن. ویری الحکماء المسلمون أن مظاهر الجمال في هذا العالم هي تجلیات مهمة للجمال المطلق أي الله. ولذلك فقد اعتبروا بعض الأسماء والصفات الإلهیة من قبیل خالقیة الله مصدر الفن والجمال في العالم الإسلامي. والفنانون هم المجسدون لهذه الأسماء والصفات من خلال خلق آثار علی قدر استطاعتهم. ویعد أولیفر لیمون أستاذ الفلسفة بجامعة جان مورز، لیفربول، أحد أبرز الباحثين في الفلسفة الإسلامیة خلال القرون الوسطی. وقد نقح مع الدکتور نصر مجموعة تاریخ الفلسفة الإسلامیة بمجلدین.
وأما فیما یتعلق بكتابه الجديد، فإنه یری أن نوعا بالغ الخصوصیة من الشعور والوعي قد استخدم في تکون الفن الإسلامي، ولهذا السبب فإن الإسلامي یختلف اختلافا كبیرا عن الفنون الأخرى. وهو يرد بقوة على القائلين بأن المسلمین لا یجوز لهم في الفن رسم الإنسان وتجسیمه.
یتحدی لیمون هذه الأفکار ویری أنها مغلوطة. ویقول في المقابل إن المقاییس المستخدمة في الفن الإسلامي یجب أن تتطابق مع المعاییر المستخدمة في الفن بالمفهوم العام وأن السعي من أجل أن ینضوي الفن الإسلامي في مقولة خاصة، ناجم عن دراسات استشراقية ذات مفاهيم خاطئة فيما يتعلق بهذا الفن. أنه یری أن الفن الإسلامي فن متسام إلی حد کبیر، وعلینا أن نتخذ حیاله سلوکا یتطابق مع المعرفة الجمالیة.
يقول لیمون إن «الکثیر من ناقدي الفن الإسلامي لا یعتبرونه فنا حقیقیا. ومن المسلم به أنهم یعدونه لافتا للنظر ومدهشا بل إنهم یکرسون أعمارهم من أجله ولکن لا یعتبرونه فنا. وهو ادعاء رهیب ذلك لأنهم یکتبون حوله في باب الفن وفي کتب تحمل عنوان الفن الإسلامي. وسوف نتوصل إلی هذه النتیجة، وهي إن هؤلاء الأشخاص یصفون الفن الإسلامي بطرق غیر متطابقة مع معرفة الجمال والفن. هم یتجنبون استخدام لغة نقدية جمالية، بل مصطلحات دینیة واجتماعیة لوصفه. وهدف هذا الکتاب تحدي هذا الاتجاه».
وبعد أن یدرس لیمون أحد عشر خطأ شائعا حول الفن الإسلامي من مثل أن البعض یری أن لا وجود لعلم الجمال الإسلامي، وأن للإسلام أنماطا فنية خاصة به، وأن الفن الإسلامي دیني في ذاته وما إلی ذلك، یعمد إلی دراسة بعض القضایا مثل الرسم، والخط، والعمارة، والحدائق، والأدب والموسیقی في الفن الإسلامي، کما أنه یولي اهتماما من نوع خاص لتعالیم القرآن الکریم، إذ یرکز اهتمامه علی معنی ومفهوم الخلق الأدبي والإعجازي للقرآن. وتستند معالجاته إلى الأمثلة التاریخیة، والفنیة، والفلسفیة، والکلامیة والآثار الفنیة في العالم الإسلامي.
ويدرس المؤلف في أحد أقسام الکتاب الخط بشکل شامل ویعتبره أفضل الفنون الإسلامیة، ففيه تلذذ بجمال الأشکال والخطوط المسطرة علی الأوراق.
ويدرس لیمون الموسیقی أیضا. وهو یری أن النظریات المحوریة في الموسیقی نمت خلال الفلسفة الإسلامیة. وهو يرى أن هناك نظریتين رئیستين في الموسیقی: إحداهما تعود إلی الفارابي وابن سینا، والأخرى إلی إخوان الصفاء وأبي یوسف الکندي، کما یتطرق المؤلف بعد دراسة مکانة فلسفة الموسیقی، إلی الموسیقی الدینیة ویذکر أن بعض الأنواع من الموسیقی، والأغاني والمقطوعات، دینیة بذاتها.
ویمکن اعتبار الکتاب الحاضر نظرة جدیدة من فیلسوف غربي إلی العالم الإسلامي، حیث استطاع التعرف من جدید علی بعض المفاهیم التقلیدیة في الفن الإسلامي، وتناول دلالاتها بالبحث والدراسة.
* إعداد «الشرق الأوسط» بالفارسية (شرق بارسي)
مقاربة مغايرة إلی الفن الإسلامي
أولیفر لیمون يرد على المفاهيم الخاطئة للدراسات الاستشراقية
مقاربة مغايرة إلی الفن الإسلامي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة