كلوفيس مقصود عاش تحركه «نكبة فلسطين» ومات في ذكراها

انشغالاته الدبلوماسية لم تصرفه عن النتاج الفكري

كلوفيس مقصود
كلوفيس مقصود
TT

كلوفيس مقصود عاش تحركه «نكبة فلسطين» ومات في ذكراها

كلوفيس مقصود
كلوفيس مقصود

رغم أعوامه التسعين لم يهدأ كلوفيس مقصود، بقي نشطا، ومتحدثا، ومشاركا، وكاتبا، ومحاورا، إلى أن فاجأه نزف الدماغ في الخامس من مايو (أيار) الحالي، ليكون سببا في تدهور حالته الصحية ووفاته ظهر الأحد الماضي، في مهجره الأميركي في واشنطن؛ حيث يقيم منذ أكثر من ثلاثين سنة. والرجل الذي واكب جلل الأحداث، وصادق كبار الشخصيات وحمل الألقاب، عاش حياة نضالية على طريقته الفكرية والدبلوماسية والأكاديمية. «خطيب القضية العربية»، أو «العروبي الورع» كما أطلق عليه الرئيس جمال عبد الناصر: «سيزيف العرب»، أو «ناسك العروبة» كما قال عنه رئيس الوزراء اللبناني وهو ينعاه بعد وفاته: «الديناصور» كما كان يحلو للبعض أن يسميه، عاش كلوفيس مقصود حياة استثنائية، كتب زبدتها في كتابه الأخير «من زوايا الذاكرة» الذي صدر عام 2014، وضمنه جزءا من مساره.
هو محام، وصحافي، ودبلوماسي، ومفكر، ومنظر وفي للعروبة، وسياسي، وأكاديمي، عين ممثلا للجامعة العربية في الهند بين عامي 1961 - 1966. وأحد كبار محرري جريدة الأهرام يوم كان على رأسها محمد حسنين هيكل، وبعدها رئيس تحرير في «النهار العربي والدولي» الأسبوعية بين عامي 1973 – 1979، عين سفيرا للجامعة العربية في الأمم المتحدة عام 1979. وبقي حتى دخل صدام حسين إلى الكويت عام 1990؛ حيث قدم استقالته من الجامعة، وفاء لحسه العروبي، وذهب ليعيش حياة أكاديمية، يلقي المحاضرات، ويؤسس «مركز عالم الجنوب»، ويدبج المقالات وينظم المؤتمرات.
هو ابن النصف الثاني من القرن العشرين، وصعود الحس التحرري من الاستعمار، ورفض الهيمنة، والنزوع إلى الاستقلالية، أعجب بكمال جنبلاط بفضل خاله جورج حنا الذي ساهم في تأسيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» عندما اصطحبه للقائه، كما أعجب بعبد الناصر وحماسته القومية، وهو الذي كان وراء تعيينه سفيرا للجامعة العربية في الهند. كان لقاؤه مع ياسر عرفات بعد نكسة 67، ومن ثم توطدت العلاقة بينهما، لتشكل فاتحة صلة لم تنقطع حتى توفي أبو عمار.
كلوفيس مقصود أحد الكبار الذين عايشوا صعود العروبة، ومرضها ونكساتها، واضمحلال حالها، وصولا إلى الربيع الدامي الذي اعتبره ثورة من دون مرجعية واضحة، ورأى أنه جاء نتيجة قبولنا التمييز والتهميش الذي تعرضت له فئات كثيرة في المجتمعات العربية. ورأي كلوفيس مقصود أن الضربة الأولى الكبرى التي سددت للعروبة كانت في «اتفاق كامب دايفيد» الذي تمزق العرب على إثره، ووقعت منظمة التحرير بعده اتفاقية أوسلو التي لم تكن هي الأخرى محكمة في بنودها.
مقصود المولود في ولاية أوكلاهوما الأميركية، الذي عاد إلى لبنان برفقة والدته عام 1930، ماروني لأم أرثوذوكسية من عائلة ذات هوى عروبي، تتلمذ في الجامعة الأميركية على يد قسطنطين زريق، ومن ثم التحق بأكسفورد، وكاد ينضم إلى ميشال عفلق و«حزب البعث».
ومثل الكثيرين من أبناء جيله، مع فارق المسؤوليات التي تولاها، والنضال الدبلوماسي الذي خاضه في أميركا من أجل قضايا العرب وعلى رأسهم قضية فلسطين، هو ابن ذاك الزمن الذي كان يحلم فيه العرب باتحادهم، ويؤمنون فيه أن ثمة دولا تشبههم مثل الهند يمكنهم أن يتعاضدوا معها. إنه زمن رفض الاستعمار، وفكر عدم الانحياز، والانتصار للوطنية التي لا مذهبية فيها ولا تنظير للتشرذم والتفتت.
متحدث مستفيض ومحاور مطيل، وكاتب لم ينقطع عن تدبيج المقالات، والتعبير عن وجهة نظره، حول التنمية وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من انشغالاته الدبلوماسية، ألف كثيرا من الكتب بالعربية والإنجليزية بينها: «معنى الحياد»: «أزمة اليسار العربي»: «الصورة العربية»: «العروبة في زمن الضياع». وتم إنشاء كرسي باسمه في جامعة جورج تاون، عام 2007، وأعلن عنه خلال احتفال كبير.
وبعد وفاته هو المتزوج من الراحلة البيروتية هالة مالك سلام، نعاه رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام بكلمة قال فيها: «فجعنا بغياب الدكتور كلوفيس مقصود ناسك العروبة الأبرز والقامة الفكرية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية الرفيعة التي حملت قضايا العرب إلى كل أصقاع الأرض»، ووصفه سلام بأنه «اسم مضيء في الفكر السياسي وعلم من أعلام الدبلوماسية العربية التي نذرت كل جهودها من أجل قضية العرب الأولى فلسطين وحقوق شعبها في حياة كريمة على أرض دولته المستقلة، وترسيخ مكانتها في وجدان الأمة». وجاء في نهاية كلمة سلام: «رحم الله الصديق كلوفيس مقصود، اللبناني الميثاقي والعروبي المتنور، صاحب الشخصية الوادعة والروح السمحة واللباقة الفكرية والقلم المضيء».
بالتزامن مع حلول الذكرى الثامنة والستين للنكبة التي شهد مأساتها كلوفيس صغيرا، وكانت محركه والوقود الذي أجج حركته، غادرنا الرجل، ليطوي بذلك هو وكثيرون من أبناء جيله الذين سبقوه، صفحات من الحب والشغف بالقضايا الأعمق والأنبل للأمة العربية، قبل أن تغرق في التيه.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.