اللاجئون.. رهان التنظيمات الإرهابية

قبلتهم أوروبا ويهربون من الموت إلى جحيم «داعش»

مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة  («الشرق الاوسط»)
مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة («الشرق الاوسط»)
TT

اللاجئون.. رهان التنظيمات الإرهابية

مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة  («الشرق الاوسط»)
مع تزايد التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة («الشرق الاوسط»)

يهربون من الموت إلى الموت، هذا هو حال اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا هربا من جحيم أنظمتهم أو من الأوضاع السيئة، ليجدوا أمامهم جحيم التنظيمات الإرهابية التي تراهن عليهم؛ للانضمام إليها وتنفيذ المخططات المُتطرفة.
الخبراء والمراقبون المتابعون لتحركات اللاجئين أكدوا أن «ما تفعله التنظيمات الإرهابية وعلى رأسهم (داعش) ألجأت غالب أهل سوريا والعراق إلى المطالبة باللجوء أو الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا؛ هربا من الفتك بهم ومن مظاهر الوحشية التي يصبها هذا التنظيم الإرهابي بين عشية وضحاها»، موضحين أنه «قد يظن هؤلاء اللاجئون والهاربون أن هناك جنة في أوروبا تنتظرهم ورغد العيش مهيأ لهم؛ لكنهم يفيقون على واقع مرير يختصر المُعاملة في الإهانة المستمرة والعنصرية البغيضة، فضلا عن إهمال سلطات الدول الأوروبية في رعايتهم وكفاية حقوقهم الإنسانية». وبحسب الخبراء والمراقبين، فإن أكثر ما يخيف دول أوروبا هو الاعتقاد الذي يتسرب إلى عقولهم من أن تدفق اللاجئين بهذا العدد الضخم عملية ممنهجة لأسلمتها وفتحها إسلاميا، مؤكدين أن «إعادة الأطفال إلى بلادهم حال بلوغهم سن الثامنة عشرة هو بمثابة دعم مقنع للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها (داعش) لتجنيد هؤلاء الصبية».

ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ أعداد اللاجئين على مستوى العالم، ويرجع ذلك إلى أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية، والتي أدت في بعض البلدان إلى شعور الناس بعدم الأمان، ومن ثم هجرتهم بأعداد كبيرة من هذه الدول.
الإحصاءات الدولية توضح أن «عدد اللاجئين على مستوى العالم يقدر بنحو 60 مليونا، من بينهم 14 مليونا خلال عام 2014، وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة، وأن سوريا والعراق وإريتريا وأفغانستان في مقدمة هذه الدول».
ويرى مراقبون، أن تنظيم داعش الإرهابي يستهدف معسكرات اللاجئين، كما عمد منذ ظهوره إلى تهجير عدد كبير من المواطنين العراقيين ليستفيد من هذه الأزمة لاحقا، مؤكدين أن «داعش» الإرهابي يستغل زيادة أعداد اللاجئين ليسهل على أفراد التنظيم دخول الاتحاد الأوروبي متخفين في وسطهم، كما يستغلها أيضا بصفتها ورقة ضغط لإنهاء الصراع لصالحه من خلال الاعتراف به دوليا.
ويقول الخبراء: إن «قضية اللاجئين التي تشغل حيزا كبيرا من الرأي العام الغربي، ما هي إلا ورقة يضغط بها كل طرف من أطراف الصراع على الدول الأخرى لتلبي مطالبه، وأن الدول التي تحاول منع اللاجئين من القدوم إليها لم تتخذ يوما ما خطوات قوية وجريئة لاستئصال المشكلة من الأساس؛ فالحروب التي ساهمت فيها تلك الدول هي بالأساس سبب تدفق اللاجئين إليها.. وبعد هذا كله لا بد للمجتمعات الإنسانية من السعي الجاد لاحتواء مشكلات هؤلاء البشر، الذين لم يكن يخطر ببال أحدهم يوما ما الخروج من وطنه لولا الحروب والصراعات».
وبحسب المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، بلغ عدد الأطفال اللاجئين 1.1 مليون لاجئ من أصل 2.2 مليون هم من الأطفال.. أي أن نصف اللاجئين في العالم قصّر وأطفال ذهبوا إلى بلاد اللجوء مصحوبين بذويهم أو من دونهم.
وقال الدكتور محمد أحمد الدش، مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر: «إن تدفق اللاجئين بشكل كبير قد يخيف دول أوروبا أمنيا ودينيا، فتخضعهم لعملية فرز وانتقاء، حيث تسمح للضعفاء منهم كالنساء والأطفال ومصابي العمليات العسكرية، واستبعاد من كان منهم داعما لأحد التنظيمات التي وصفت بكونها إرهابية، بخاصة وقد يتزامن ذلك مع حدوث بعض تفجيرات في بعض دول أوروبا؛ لكن أكثر ما يخيف دول أوروبا هو الاعتقاد الذي يتسرب إلى عقولهم من أن تدفق اللاجئين بهذا العدد الضخم عملية ممنهجة لأسلمتها وفتحها إسلاميا.. الأمر الذي يدعوهم إلى تحديد العدد المسموح به في إطار لا يشكل خطورة على كيان دولهم، ومن ضمن تلك الإجراءات هو قبول الطفل اللاجئ لحين بلوغه سن الثامنة عشرة من عمره، ثم العمل على ترحيله إلى بلده مرة أخرى، وهم بذلك يمنحون الفرصة لتنظيم داعش الإرهابي لاقتناص الفرصة ومحاولة تجنيد هؤلاء الصبية وتغذيتهم بفكر متطرف يمثل مرجعية للوحشية والدموية، وبذلك فإن ما يفعله الغرب من إعادة اللاجئين إلى ديارهم هو بمثابة دعم مقنع لهذه التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها (داعش)».
ويقول المراقبون: «إن الأطفال يرفضون تسجيل أنفسهم بصفتهم قُصّرا، حيث يريدون أن يتم التعامل معهم بصفتهم بالغين من حيث توفير أعمال لهم، حيث إن العمل هو أحد أهم الأسباب التي يهرب بسببها الأطفال من مخيمات اللاجئين؛ وذلك لتسديد آلاف اليوروهات للمهربين الذين أدخلوهم إلى أوروبا، والمؤسف أن أجهزة الشرطة في تلك الدول لا تقوم بواجبها الإنساني لحماية هؤلاء الأطفال الذين يطلبون اللجوء إليها، مما يساعد التنظيمات الإرهابية في تنفيذ عمليات الاختطاف بحرّية.
ويترسخ الخوف من أسلمة أوروبا في الآونة الأخيرة بسبب موجات تدفق المهاجرين من سوريا إلى القارة الأوروبية، وظهرت هذه التخوفات داخل البرلمان الأوروبي من خلال تصريحات بعض أعضائه، الذين أعلنوا أن هناك تخوفا من النزوح الرهيب للاجئين إلى أوروبا، ممزوجا بالتخوف من تسلل عناصر جهادية لتنظيم داعش بينهم؛ بل يذهب بعض المتخوفين إلى أبعد من ذلك، وعدّوا أن هناك برنامجا ممنهجا لأسلمه أوروبا وإعادة غزوها، وأن موجات اللاجئين ما هي إلا عملية «غزو سلمي» لبلاد الغرب؛ لقلب حضارته رأسا على عقب.
وانعكست هواجس الغرب من الأسلمة في الرواية الفرنسية الشهيرة «الخضوع» للكاتب ميشيل ويليبك، التي نشرت مطلع عام 2015 لتعكس مدى التخوف من أسلمة فرنسا يوما ما.. ويتخيل فيها الكاتب، بحسب مراقبين، فرنسا بعد انتخابات الرئاسة عام 2020 التي يفوز بها مسلم يفرض على البلاد نظاما إسلاميا، لتصبح السوربون جامعة إسلامية، عميدها متزوج من ثلاث نساء، إحداهن مراهقة، ويعمل بها أساتذة مسلمون فقط، بينما يحال غير المسلمين، وكذلك النساء إلى التقاعد، مع معاشات خيالية يوفرها الأمراء المسلمون أرباب الثراء.
ويقول مراقبون: إن «الرواية تنشر صورة خاطئة عن الإسلام تظهر تحريم عمل المرأة، التي لا دور لها إلا أن تكون ملكا للرجل، ولا شك أن لرواية كهذه تأثيرا كبيرا في تعزيز التخوف من المسلمين، الذين، بلا شك، يحفل الغرب بالكثير من النماذج المشرفة منهم، والتي تسهم بدور فاعل في نموه وتقدمه».
ويضيف الخبراء: «ينعكس تخوف الغرب من الأسلمة في بعض التصريحات والعبارات، كان من أبرزها التعبير عن دخول أعداد من المهاجرين إلى أوروبا بكلمة (غزو)، وأن استقبالهم سيكون بمثابة (حصان طروادة الجديد)؛ بل ويعد البعض دخولهم سيفا على رقاب أوروبا، وتنتشر الدعوات الذاتية أن يفيق الغرب من سباته ومن هذه (اللامبالاة) المسيطرة عليه ليدرك أنه في آخر المراحل الانتقالية نحو أسلمة أوروبا؛ لأن الإسلام من وجهة نظرهم هو التهديد الأكبر الذي يواجهونه».
ومع تزايد تلك التخوفات من أسلمة الغرب وربط ذلك بالمهاجرين، أعلنت بعض الدول إغلاق حدودها في وجه اللاجئين كافة، ولو على سبيل العبور من بلادهم دون الإقامة بها. بينما أعلنت دول أخرى استقبالها اللاجئين المسيحيين فحسب، وتتصدر هذه الدول المجر وسلوفاكيا والتشيك بموقفها المتشدد من اللاجئين بدعوى تسلل عناصر جهادية متطرفة بين اللاجئين المسلمين خاصة، وبدعوى أن الثقافة الغربية والقيم المسيحية في أوروبا صارت مهددة بسبب اللاجئين الذين ألزم الاتحاد الأوروبي دوله باستقبال عائلات مسلمة منهم بأكملها.
ويشار إلى أن هذه الدعوات الرافضة لاستقبال المهاجرين الفارين من لظى الحرب في بلادهم، تضرب عرض الحائط بكل ما تنادي به مبادئ الإنسانية والتعايش، التي تفخر أوروبا دائما بتبنيها وتطبيقها.. ولا يمكن بحالٍ إلغاء الاعتبارات الإنسانية التي تحمل كل ذي ضمير حي على مساعدة هؤلاء البؤساء، الفارين من الحرب إلى المصير المجهول.
ويشار أيضا إلى أنه حتى البلاد المرحبة باللاجئين، وعلى رأسها ألمانيا، تشهد مدنها مظاهرات ضد اللاجئين وضد «الأسلمة» تقوم بها حركة «بيجيدا»، حيث تلصق دائما التهم باللاجئين، دون أي دليل.
وظهرت في نهاية عام 2014 حركة عدائية ضد اللاجئين العرب والمسلمين بألمانيا تسمى «بيجيدا».. «أي أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب»، وتعد تلك الجماعة مظهرا من «مظاهر الإسلاموفوبيا» تلك الظاهرة التي تنامت بصورة كبيرة في الغرب.
ويقول المراقبون: «إن الغرب دائما يتذكر ما ينسب لبعض المسلمين من الهمجية والعنف، متناسيا في الوقت ذاته كل إسهام للمسلمين في بناء الحضارات على مدار التاريخ. ويغفل عن عمد ما ينسب لغير المسلمين من أفعال شائنة يطلقون عليها ساعتها (أفعالا فردية) ولا ينسبونها إلى دين أو طائفة بعينها، كما هو الحال مع المسلمين. كما يغمض العالم عينيه عما يتعرض له المسلمون من مجاعات وجرائم عنف وإبادة جماعية كما يحدث في (بورما وكشمير وميانمار وأفريقيا الوسطى، وغيرها)، ولا يتحدث سوى عن تخوفاته ومصالحه».
وتوعد «داعش» في فيديو مصور مؤخرا الغربيين بهجمات «تنسيهم»، على حد زعمه، هجمات نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وباريس، وذلك عقب تنفيذ عملية إعدام خمسة «مرتدين» عراقيين، قتلهم بالرصاص خمسة من متطرفيه، يتقدمهم متشدد ناطق بالفرنسية.
وتشير التقارير الدولية إلى أن 14 في المائة فقط من الشعب البريطاني يوافق على استقبال اللاجئين في ديارهم، بينما أتت إسبانيا في مقدمة الدول الأكثر ترحيبا باللاجئين تليها ألمانيا ثم فرنسا، وأكثر الدول رفضا للجوء هي بلغاريا.
ويتخوف الكثير من الأوروبيين بشكل عام من دخول اللاجئين السوريين إلى أراضيهم؛ حتى لا يستولوا على الوظائف الشاغرة لأبناء الوطن، وأن 53 في المائة من الفرنسيين يقبلون بنزوح اللاجئين إلى فرنسا، ولا سيما من سوريا، بينما علق 47 في المائة بالرفض، لأسباب دينية وأمنية واقتصادية.
وتعد سوريا أكثر الدول من حيث عدد اللاجئين، حيث بلغت نسبتها 34 في المائة وفقا للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، والتي تعرف اللاجئ بأنه كل من يقوم بطلب اللجوء سواء كان الإجراء سلبيا أو إيجابيا.
ويذكر أن أكثر من مليون لاجئ دخل إلى دول الاتحاد الأوروبي العام الماضي، معظمهم عن طريق البحر.. ويرغب غالبيتهم في طلب اللجوء في دول شمال أوروبا، ويأتي معظم اللاجئين من سوريا، تليها أفغانستان.
من جانبه، قال الدكتور الدش، وهو مدرس الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر: لا شك أن «التهجير وترك الأوطان، وأن يترك الإنسان بلده ويفقد أهله، لهو من آثار الحروب وويلاتها التي يعانيها الصغير قبل الكبير، وشرها بالطبع أن يطلب الإنسان الحماية من الغير وأن يطلب إيواءه؛ خوفا من التنكيل به أو أن يفقد حياته أو إهدار ما بقي له من عزة وكرامة؛ لكنه لا بديل ولا اختيار، فما تفعله التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها (داعش)، ألجأت غالب أهل سوريا والعراق إلى المطالبة باللجوء أو الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا؛ هربا من الفتك بهم ومن مظاهر الوحشية التي يصبها هذا التنظيم الإرهابي بين عشية وضحاها، ولا شك أيضا أن عملية لجوء السوريين والعراقيين تمثل أزمة حقيقية وكارثة إنسانية، ولربما وضح ذلك من خلال العدد الرهيب للاجئين وازديادهم يوما بعد يوم، ناهيك عن الأعداد الهائلة التي تموت وهي هاربة من جحيم الموت».
مضيفا: «قد يظن هؤلاء اللاجئون والهاربون أن هناك جنة في أوروبا تنتظرهم ورغد العيش مهيأ لهم؛ لكنهم يفيقون على واقع مرير يختصر المعاملة في الإهانة المستمرة والضرب المبرح بدافع العنصرية البغيضة، فضلا عن إهمال سلطات الدول الأوروبية في رعايتهم وكفاية حقوقهم الإنسانية، فما يعرضه الإعلام العالمي هو جزء بسيط مما يتعرض له المشردون من أهل سوريا والعراق، وليس من مصلحة الغرب الإعلان عن سوء المعاملة وهي التي تنادي بحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية».
في السياق ذاته، قال الدكتور حامد المكاوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعة الأزهر: إن «ما يقرب من 4 ملايين ونصف المليون سوري لجأوا إلى أوروبا وكندا وأميركا، وتفقد سوريا 5 ملايين نسمة من سكانها، إضافة إلى وجود 6 ملايين لاجئ في تركيا، والأردن ولبنان ومصر والعراق واليونان، ويكون مجموع الذين هاجروا 11 مليون سوري، موجودين خارج سوريا».
وعن الخوف الذي ترسخ في أوروبا بسبب موجات تدفق المهاجرين، قال المكاوي استصدرت أوروبا من مجلس الأمن قرارا لمنع اعتلاء القوارب قبالة السواحل الليبية بغية إنقاذ حياة المهاجرين، أو ضحـايا تهريب البشر، واستخدموا في ذلك السفن الحربية، مضيفا: أن هناك «مخاوف في الغرب من أن يقوم تنظيم داعش الإرهابي بشكل متزايد، باستغلال تدفق المهاجرين على دول أوروبا، لإنشاء خلايا جهادية نائمة في جميع أنحاء القارة»، موضحا أن «تنظيم داعش الإرهابي يستغل أزمة المهاجرين في تهريب الإرهابيين إلى أوروبا بجوازات سفر سورية أو عراقية مزورة بشكل متطور، يمكن بعد ذلك استخدامها للسفر إلى بريطانيا على أنهم لاجئون»، وتخشى بريطانيا أن يكون «داعش» قام بتكوين خلايا نائمة وغيرها من دول أوروبا بإقامة مخيمات تدريب سرية في كل أنحاء أوروبا، وتتكون من جهاديين مدربين تدريبا كاملا ولديهم أوامر بالهجوم على أهداف بعينها، لتنفيذ هجمات «على طريقة القوات الخاصة».
وتشير تقارير مطلعة إلى تزايد عدد طالبي اللجوء إلى أوروبا منذ بداية العام الجاري بشكل ملحوظ، فوصل من المهاجرين واللاجئين بحرا إلى الشواطئ اليونانية ما يقرب من 32 ألف مهاجرا ولاجئا. ولفتت التقارير إلى أن أوروبا تحاول تبرير تخليها عن المهاجرين إليها جراء الحروب التي نشبت في الشرق الأوسط، وتحاول بشتى الطرق التضييق عليهم خوفا من انضمامهم للتنظيمات الإرهابية.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.