بات السوريون، مواطنين وسياسيين، يعلقون آمالهم على أي اجتماع دولي يلحظ بجدول أعماله أزمتهم المتفاقمة منذ العام 2011. عساه يحمل إليهم اتفاقا جديدا يمدد التفاهمات الهشة على وقف إطلاق النار أو يعيد إطلاق عجلة العملية السياسية المتوقفة نتيجة الاندفاعة الروسية في الميدان مقابل الصمت والتخبط الأميركي في التعاطي مع الملف السوري. وتتجه الأنظار هذه المرة إلى العاصمة النمساوية فيينا حيث يُعقد يوم الثلاثاء اجتماع لـ«المجموعة الدولية لدعم سوريا»، من المرجح أن يُحدد مصير الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف التي تتوقع المعارضة أن تبقى «في مهب الريح». ويستبق وزير الخارجية الأميركي جون كيري اجتماع فيينا بانطلاقه في جولة جديدة حول العالم تستغرق أسبوعين في إطار جهود الخارجية الأميركية في الأشهر الماضية لتسوية النزاع السوري، على أن تكون المملكة العربية السعودية محطته الأولى.
قوى المعارضة السورية لا تبدو متفائلة كثيرا بنجاح «المجموعة الدولية» التي تضم 17 بلدا وثلاث منظمات دولية، منها الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وإيران والاتحاد الأوروبي، بإتمام المهمات التي حددتها الخارجية الأميركية المتعلقة بـ«ترسيخ وقف الأعمال القتالية (...) وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كل أنحاء البلاد وتسريع العملية الانتقالية السياسية». وهذا ما عبّر عنه رياض نعسان آغا، المتحدث باسم الهيئة العليا السورية للمفاوضات، الذي لفت إلى أن «المجتمع الدولي يشعر أن قيادة العملية السياسية تتعرض لعقبات شديدة أولها محاولة الثنائي موسكو - واشنطن التفرد بالملف، والأهم تفويض الولايات المتحدة روسيا بتقرير مصير سوريا». وأردف نعسان آغا لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا: «الاتحاد الأوروبي والدول الصديقة لسوريا شعرت أنّه تم إقصاؤها عن الملف رغم أنّها تتحمل كثيرا من تبعات الأزمة وأعبائها».
وأوضح نعسان آغا، وهو وزير سوري سابق، أن اللاعبين الدوليين يعون تماما أن «ضياع العملية السياسية هذه المرة، سيعني إغراق المنطقة بمزيد من الدم لسنوات طويلة»، مشددا على وجوب أن «تواجه المجموعة الدولية يوم الثلاثاء موسكو بما تقوم به في الميدان السوري وبأن ما تلتزم به وتكتبه على الورق يختلف تماما عمّا تقوم به عمليا على الأرض، ويهدف إلى تحقيق إنجاز عسكري هائل لصالح النظام يسبق الجولة الجديدة من المفاوضات».
هذا، وتربط مصادر «الهيئة العليا للمفاوضات» في جنيف عودتها إلى الطاولة بـ«انتفاء الأسباب التي دفعتها لتعليق مشاركتها وأبرزها، عدم فك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين، وعدم السماح بإدخال المساعدات، وكلها بنود ينص عليها قرار الأمم المتحدة رقم 2254». وتقول لـ«الشرق الأوسط» شارحة موقفها: «ماذا سنفعل في جنيف إذا لم نكن قادرين مع المجتمع الدولي على إلزام النظام بتطبيق القرارات الدولية، طالما الولايات المتحدة الأميركية تكتفي بإدارة الصراع بدل الانتقال لموقع إدارة الحل». وللعلم، استبقت موسكو اجتماع فيينا المرتقب بالمطالبة بإشراك أكراد سوريا المقربين منها (جماعة صالح مسلم) في مفاوضات جنيف، مشددة على أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا «دون مشاركة الأكراد»، واصفة إياهم بـ«القوة السياسية والعسكرية الكبيرة». وقال غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إن موسكو تنوي طرح مسألة إشراك الأكراد في المفاوضات في اجتماع مجموعة دعم سوريا الذي سيعقد في 17 مايو (أيار)، مشيرا إلى أن موعد استئناف المفاوضات السورية في جنيف سيحدد بعد اجتماع مجموعة دعم سوريا. وأضاف أن «موسكو تدعو إلى إجراء مفاوضات مباشرة بين الأطراف السورية، حتى ولو كانت الظروف الحالية غير مهيأة لذلك».
وفي حين عد عدد من المراقبين الموقف الروسي الأخير الذي عاد للتمسك بإشراك الأكراد الانفصاليين بالمفاوضات يوحي بعدم جدية من قبل موسكو بإطلاق عجلة العملية السياسية مجددا، أعرب رضوان زيادة، المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن، في تصريح أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، عن تشاؤمه إزاء فرص نجاح اجتماع فيينا «طالما المجتمع الدولي لم يتمكن من إبقاء الزخم الضروري والمطلوب للانطلاق بتطبيق القرارات الدولية ما يمهّد لفتح باب العملية السياسية». وقال زيادة: «الاستراتيجية الأميركية لا تزال محصورة بالسعي لدى موسكو لتغيير موقفها من نظام الأسد، علما بأن أولوية واشنطن الحالية تبقى التخلص من (داعش)، بينما أولوية موسكو تأمين انتصار الأسد، أضف إلى كل ذلك الانقسام المستمر في صفوف المعارضة، ما يؤدي إلى انقسام الدول التي تدعمها، ويضع العملية السياسية كلها في مهب الريح». ويبقى الموقف الأميركي «المتخبط» بما يتعلق بالأزمة السورية، بنظر المعارضة، العنصر الأبرز الذي يعيق تحقيق أي خرق يُذكر في جدار الأزمة. وهو ما يعترف به عدد من الدبلوماسيين الأميركيين، ومن بينهم جيمس جيفري السفير السابق في إدارة الرئيس السابق جورج بوش، الذي قال لوكالة الصحافة الفرنسية معلقًا: «في الواقع ليس هناك خطة بسوريا». وأضاف: «الأسوأ هو أن الروس يحققون انتصارات باسم سوريا وإيران». أما الدبلوماسي فيليب غوردن، الذي ترك قبل عام مهامه بصفته مستشارا للبيت الأبيض، فصرح لـ«الشرق الأوسط»، بأن المقاربة الأميركية للملف السوري منذ سنوات «غير مجدية ولن تكون مجدية على الأرجح». وبدوره، أوصى غوردن - الذي يعمل حاليًا خبيرًا في «مجلس العلاقات الخارجية» والقريب من المرشحة الديمقراطية إلى البيت الأبيض هيلاري كلينتون - بـ«تأجيل مسألة» رحيل الأسد التي تنقسم حولها الدول الكبرى في العالم والمنطقة. وتابع غوردون «لن نتفق على هذه النقطة لا مع النظام ولا مع الروس ولا مع الإيرانيين. والاستمرار في جعل هذه النقطة شرطا مسبقا لوقف النزاع أفضل وسيلة لإطالة أمده».
العملية السياسية في سوريا تترنح على وقع الاندفاعة الروسية والمقاربة الأميركية
نعسان آغا لـ«الشرق الأوسط»: الاتحاد الأوروبي ممتعض من أداء واشنطن وموسكو
العملية السياسية في سوريا تترنح على وقع الاندفاعة الروسية والمقاربة الأميركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة