سوريا: تصفية بدر الدين.. عملية معقّدة في الخاصرة الرخوة للأسد و«حزب الله»

مربّع دمشق الأمني ساحة اغتيالات من مغنية إلى خلية الأزمة وقادة إيرانيين

سوريا: تصفية بدر الدين.. عملية معقّدة في الخاصرة الرخوة للأسد و«حزب الله»
TT

سوريا: تصفية بدر الدين.. عملية معقّدة في الخاصرة الرخوة للأسد و«حزب الله»

سوريا: تصفية بدر الدين.. عملية معقّدة في الخاصرة الرخوة للأسد و«حزب الله»

لم تكن عملية اغتيال أو تصفية القيادي العسكري الأول لدى ما يسمّى «حزب الله» مصطفى بدر الدين قرب العاصمة السورية دمشق، مجرّد حادثة عابرة تقع في منطقة مكبّلة بإجراءات أمنية معقدة جدًا، يتقاسم النفوذ عليها النظام السوري والإيرانيون والحزب نفسه. إذ سبقها الكثير من الاختراقات المماثلة تُرجمت باغتيالات وتفجيرات، وعمليات صنّفت بـ«النوعية» من دون أن يُعلن أي من الثالوث المسيطر على هذه المنطقة، نتائج التحقيقات التي أجراها كلّ منهم حول هذه العمليات، أو يقدم أجوبة واضحة تبرر هذه الاختراقات.
بمعزل عن عملية اغتيال القيادي العسكري والأمني لدى الحزب عماد مغنية في 13 فبراير (شباط) 2008، داخل منطقة السفارات جنوب غربي دمشق، أي قبل ثلاث سنوات على انطلاقة الثورة السورية، فإن الاختراقات التي ضربت هذه المنطقة، تكاد لا تعدّ ولا تحصى، لتتحوّل من مربّع أمني واسع أو «منطقة خضراء» إلى «خاصرة رخوة» يتلقى فيها الثالثوت المذكور الضربة تلو الأخرى، بغضّ النظر عن الجهة أو الجهات التي تنفذ هكذا عمليات.
وأمام التناقض في مواقف الحزب المفجوع بمقتل مصطفى بدر الدين، والأدلة العلمية التي تدحض مزاعم اغتياله بقذيفة مدفعية موجهة ودقيقة أطلقتها فصائل مسلحة على مركزه قرب مطار دمشق الدولي، في ظلّ عدم امتلاك المعارضة أسلحة متطورة، قادرة على ضرب هكذا أهداف بدقة، يرى المحلل الاستراتيجي السوري سمير التقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك لاعبين أساسيين يمكن الركون إلى واحد منهما، الأول العامل الإسرائيلي المباشر وهذا مستبعد، طالما أن الحزب لم يقرّ بذلك ولا إسرائيل تبنته، والثاني وهو الأقرب إلى الواقع، وجود صراع بين النظام السوري وما يسمّى (حزب الله)، ويبدو أن هذا الصراع يُستثمر الآن في تصفية شخصيات محددة، ومنها بدر الدين أول المطلوبين للعدالة الدولية في مقتل رئيس حكومة لبنان (الأسبق) رفيق الحريري».
لكن أبعد من الوقوف عند نوعية العمليات والمستهدفين فيها، فإن السؤال البديهي هو كيف لمجموعات أو فصائل أو مسلحين، أيًا كانت قدراتهم، أن يخترقوا كل هذه الإجراءات ليصلوا إلى أهدافهم ويصيبوها في الصميم؟ وهذا يستتبع سؤالاً آخر عن اختراقات ما في صفوف القوى المسيطرة على المنطقة سواء نظام الأسد، أو الإيرانيين أو ما يسمّى «حزب الله»؟، وهل إلى هذا الحد باتت بنيتها قابلة للاختراق بعدما أنهكتها الحرب السورية على مدى سنواتها الخمس؟
أكبر العمليات التي صفعت الأسد ونظامه، تمثّلت في التفجير الذي ضرب مبنى الأمن القومي في أطراف دمشق في 18 يوليو (تموز) 2012. واستهدف «خلية الأزمة» التي كانت مجتمعة يومذاك للبحث عن خطط لسحق الانتفاضة، وأدى التفجير إلى تدمير أجزاء كبيرة من المبنى، وقتل وزير الدفاع داود راجحة ونائبه رئيس خلية الأزمة آصف شوكت (صهر الأسد)، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام الاختيار، ومعاون نائب رئيس الجمهورية العماد حسن توركماني، وقد تبنّت مجموعة أطلقت على نفسها اسم «لواء الإسلام» مسؤوليتها عن الهجوم.
وليس بعيدًا عن دمشق، شهد الريف الغربي للعاصمة أول استهداف لضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني، هو العميد محمود رضا بيضائي، في 19 يناير (كانون الثاني) 2014. الذي وصف بـ«مهندس» معارك ريف دمشق، تبعه بأشهر قليلة مقتل الضابط في الحرس الثوري عقيل بختياري، ولقد أعلن موقع «أويس» التابع للحرس الثوري أن «بختياري قتل أثناء تأديته مهمة خاصة قرب دمشق».
الضربات الموجعة لنظام الأسد وحلفائه توالت في دمشق وريفها، ففي 20 ديسمبر (كانون الأول) 2015. أعلن ما يسمّى «حزب الله» أن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى سكنيًا في ضاحية جرمانا بريف دمشق، أدت إلى مقتل القيادي سمير القنطار، الذي زُعم أنه كان يؤسس لما يسمّى «حزب الله السوري»، ويهيئ لفتح «مقاومة» انطلاقًا من الجولان المحتل، وقد توعّد الحزب يومها بردّ مزلزل على إسرائيل، لكنه اكتفى بضرب جرافة زراعية في منطقة مزارع شبعا المحتلة.
وإذا كانت الاختراقات المشار إليها تمت بشكل فردي، فإن اختراق تنظيم داعش لمنطقة السيدة زينب في جنوب دمشق، في 21 فبراير الماضي، وتنفيذ 4 تفجيرات انتحارية بواسطة سيارات مفخخة، أدت إلى مقتل أكثر من 30 شخصًا وجرح نحو الـ150 آخرين، واستتباعها بتفجير انتحاري آخر في 26 أبريل (نيسان) الماضي في المنطقة نفسها، يزيد من ضبابية المشهد، ويرسم علامات استفهام، عن قدرة هذا التنظيم الذي يزعم النظام وحلفاؤه محاربته على تخطي عشرات الحواجز العسكرية لقوات الأسد، ونقاط التفتيش التابعة لما يسمّى «حزب الله»، خصوصًا أن الحزب برر دخوله عسكريًا في سوريا، بحماية مقام السيدة زينب والمقامات الشيعية المقدسة.
واعتبر سمير التقي، أن «اختيار هذا النوع من الشخصيات الأمنية وتصفيتها في هذه المنطقة الأمنية يدعو للاستغراب، خصوصًا أن قتلهم يجري عبر عمليات أمنية محترفة للغاية». وأردف «برأيي الشخصي هناك بصمات صراع داخلي، تسمح باختراق هذه المنطقة وانتقاء الأهداف بداخلها»، مؤكدًا أن «من يتحمّل المسؤولية هو الإيراني الذي يمسك الأمن في دمشق وريفها وصولاً إلى الحدود اللبنانية». وأضاف المحلل الاستراتيجي السوري «حتى الروسي هو الآن رهينة الإيراني الذي يمتلك القوة البرية ويقاتل على الأرض، ولذلك لا أرى في هذه التصفيات إلا نظيرًا للاختلافات داخل الأجنحة الإيرانية، التي بات النظام السوري جزءًا منها».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.