الكلية الأرمينية في الهند تحتفل بمرور 195 عامًا على التأسيس

خريجوها تميزوا في الأعمال والتجارة.. وخدمت طالبًا وحيدًا عام 1990

بعض من الطلاب في الكلية الأرمينية في مدينة كولكاتا الهندية
بعض من الطلاب في الكلية الأرمينية في مدينة كولكاتا الهندية
TT

الكلية الأرمينية في الهند تحتفل بمرور 195 عامًا على التأسيس

بعض من الطلاب في الكلية الأرمينية في مدينة كولكاتا الهندية
بعض من الطلاب في الكلية الأرمينية في مدينة كولكاتا الهندية

تحتفل الكلية الأرمينية التي أنشأت في القرن الثامن عشر في مدينة كولكاتا الهندية، التي كانت تعرف آنذاك باسم كالكوتا، بمرور 195 عاما على تأسيسها.
ولقد أشرف على تأسيس هذه الكلية أعضاء الجالية الأرمينية بغرض تعليم أولادهم في المقام الأول. ولقد لعبت الكلية الأرمينية دورا مهما ومميزا في حفظ ونشر الثقافة الأرمينية في مختلف أنحاء العالم. وعبر أغلب مراحلها التاريخية، وكانت الكلية الأرمينية المؤسسة التعليمية الوحيدة في شرق الهند والمخصصة لتعليم أطفال جالية الأرمن وحدهم. ولقد تميز خريجو هذه الكلية وبرزوا في مجالات الأعمال، والتجارة، والعلوم، والفنون.
* تاريخ الكلية
شيدت الكلية في عام 1821 كمدرسة داخلية للأطفال من أصول أرمينية، ولقد تأسست بواسطة اثنين من التجار الأرمن، وهما اسدفاتساتور مرادخانيان وماناتساكان فاردانيان، والأخير تعود أصوله إلى مدينة جولفا التي توجد حاليا في إيران. ولقد تأسست الكلية لتوفير التعليم الأرميني للطلاب، بلغتهم وثقافتهم.
والكلية، التي شهدت بين جدرانها مولد الروائي ويليام ميكبيس ثاكري، شهدت الكثير من مراحل الازدهار والاضمحلال. حيث انكمش وتوسع تعداد الطلاب الملحقين بالكلية، من 138 طالبا في عام 1932 إلى 149 طالبا في عام 2003، وحتى الهبوط لمستوى طالب وحيد في عام 1990، وهو يمثل أسوأ أعوام الكلية الدراسية في تاريخها الطويل.
* حرم الكلية
توجد الكلية في حرم دراسي تم تجديده بالكامل مؤخرا، وهناك حمام سباحة داخلي، ومساحات خضراء، ومكتبة كانت قد افتتحت للمرة الأولى عام 1828، ومختبر للعلوم، وعنبر لسكن الطلاب، وصالات للطعام، ومرافق المطبخ الحديثة. وكانت الكلية الأرمينية على الدوام من مصادر الفخر والمباهاة للجالية الأرمينية في الهند. اعتمدت الكلية الأرمينية هنا طويلا على الطلاب من الخارج في شغل عنبر السكنى. ومعظم طلاب الكلية هم من الأيتام القادمين من مختلف أنحاء العالم من أبناء الطائفة الأرمينية. ولقد استقبلت الكلية الطلاب غير الأرمن قبل عدة سنوات، حتى تدخلت مجموعة من الناشطين ثم عهدت المحكمة العليا في كولكاتا بإدارة الكلية إلى عهدة المقر الإداري للكنيسة الأرمينية. ويقوم بابا الأرمن في الوقت الحالي بتعيين مدير الكلية.
كانت الكلية الأرمينية تسمى في السابق باسم الكلية الأرمينية والأكاديمية الخيرية، وهي تضم في الوقت الراهن 80 طالبا، وثلاثة منهم فقط هم من الهنود الأرمن. وبقية الطلاب تعود أصولهم إلى الطائفة الأرمينية في غرب آسيا، وغيرها من الأماكن في العالم حيث تستقر الطائفة الأرمينية.
والكلية الأرمينية، مع ذلك، هي آخر معقل من معاقل الثقافة الأرمينية في المدينة. وهيئة التدريس في الكلية تضم مزيجا من المعلمين الهنود والأرمن. وتعتمد الكلية شهادة التعليم الثانوي الهندية. ولغة التعليم الأولى هي اللغة الإنجليزية، واللغة الأرمينية هي اللغة الثانية. كما تدرس الكلية كذلك مادة تاريخ الأرمن.
ولكن لماذا يرسل الأرمن أبناءهم للتعليم في الكلية الأرمينية البعيدة في كولكاتا؟
يقول فاشغان تاديفوسيان، وهو موسيقار أرمني من الذين جاءوا للتدريس في الكلية عام 1999، إنه «بسبب الصراع والأوضاع الشبيهة بالحرب في الكثير من دول غرب آسيا وتأثيرها على الطائفة، يرسل بعض من أولياء الأمور، ممن تسنح لهم الفرصة، بأبنائهم إلى الكلية الأرمينية في الهند. فالكلية مجانية بالنسبة لهم ويلقى الأطفال رعاية جيدة هنا». ويدرس السيد تاديفوسيان الآن مادة الموسيقى في الجزء المخصص للصبيان في الكلية ويعمل على تدريب الكورس في الكلية كذلك.
كما أن إدارة الكلية من قبل الكنيسة هي من عوامل الجذب كذلك، حيث تحتل الكنيسة مكانة خاصة لدى طائفة الأرمن. حيث كانت أرمينيا من أولى البلاد التي أعلنت عن اعتماد المسيحية دينا رسميا للبلاد في العصور القديمة. بالإضافة إلى ذلك، تتولى الكلية كافة النفقات الدراسية بالنيابة عن الطلاب، بما في ذلك رحلات العودة إلى الوطن.
ويوصف الطلاب الأرمن بالخجل. والكثيرون منهم يعودون إلى بلادهم لقضاء عطلة الصيف. ويقول هوفهانس سارينغوليان الذي يدرس تاريخ الأرمن في الكلية: «إذا ما اشتاقوا إلى عائلاتهم، فإنهم يتواصلون معهم عبر سكايب». وبالمناسبة، فإن الكلية توفر أيضا تذاكر الطيران المجانية لزيارة الوطن مرة كل ثلاثة أعوام للطلاب.
يكرس الأب غيفوند غيفونديان، وهو الأب الروحي للأرمن في الهند، وهو من الرهبان العزاب، معظم وقته ليس فقط من أجل تجديد المكتبة الأكاديمية الكبيرة في الكلية، ولكن من أجل التعليم الديني للطلاب الجدد أيضا وتلبية الاحتياجات الروحانية للطائفة الأرمينية في الهند. ويقول الأب غيفونديان: «بقدر أهمية اللغة الأرمينية والإنجليزية، فإننا نبذل جهدنا كذلك للتأكيد على أن الطلاب لا يفقدون مهارات اللغة الروسية. وبعد كل شيء، فإن الكثيرين منهم سوف يعودون إلى أرمينيا بعد التخرج، وسوف تكون اللغة الروسية من المهارات المهمة عندما يعودون لبلادهم».
في بعض الأحيان، يقوم الأب هوفهانيسيان، وهو الأب المسؤول عن الأطفال في الكلية، بطهي الدولما، وهو من الأطباق الأرمينية التقليدية، وهو يقول عن ذلك «إن ابتعاد الأطفال عن آبائهم في مثل هذه السن المبكرة يتطلب الكثير من العناية والرعاية».
* الأرمن والهند
كان الأرمن من أوائل الشعوب الأوروبية قدوما إلى الهند في أوائل القرن السابع عشر الميلادي. ثم لحق بهم الهولنديون، والدنماركيون، والفرنسيون، والبرتغاليون، واليونانيون، والألمان، ثم الإنجليز.
والطائفة الأرمينية، التي في غالب الأمر اتخذت طريقها البري من أرمينيا، كانت من الرواد الأوائل في التجارة الدولية والمشروعات الأوروبية في الهند. حيث ابتاعوا الأحجار الكريمة، والتوابل، والحرير وعادوا إلى الجيوب الأرمينية في بلاد فارس القديمة لبيعها. وفي بدايات القرن التاسع عشر، كانت الطائفة الأرمينية تتميز بأنها مجتمع الأعمال الكبير في شرق الهند، حيث كانوا يديرون مناجم الفحم، والصبغة النيلية، والورنيش. كما شيدوا بعضا من أبرز وأشهر معالم المدينة.
ولكن بعد رحيل الاستعمار البريطاني عن الهند، كذلك فعل أغلب الأرمن هناك، فقد هاجروا إلى الخارج.
* رابطة المغول الأرمن
كانت عظمة المغول هي ما جعلت الهند مكانا مواتيا للتجارة، ولقد لقي الأرمن ترحيبا كبيرا في بلاط الإمبراطور المغولي أكبر، وأصبح يُطلق عليهم اسم «أمراء التجارة الهنود».
كان الأرمن هم صناع السلاح الذي استخدمه المغول. فكم من الناس يعلم أن حريم الإمبراطور المغولي أكبر كان يضم زوجة من طائفة الأرمن؟ وهناك الليدي جوليانا، التي شيدت أولى الكنائس المعروفة في مدينة أجرا، ويعتقد أنها شقيقة واحدة من زوجات الإمبراطور المغولي الأرمينيات كما كانت طبيبة في الحريم الملكي. ومرة أخرى، لا يعلم الكثيرون أن البلاط المغولي القديم كان يوجد فيه عالم في اللغة الأردية والهندية، وهو ميرزا ذو القرنين، وكان من طائفة الأرمن. وماذا عن حقيقة مفادها أن عائلة سينديا المالكة في غواليور كانت تتخذ من شخصية أرمينية قائدا عاما لجيوشها؟
كان الأرمن في أغلب الأحيان يتخذون ألقابا مثل خوجة أو خان، وهي ألقاب تعود بأصولها إلى الحقبة الفارسية وطبقات علية القوم فيها. بدأت شركة «الهند الشرقية» في تأسيس العلاقات المطولة مع طائفة الأرمن بسبب اتصالاتهم الوثيقة مع المغول. ومع سوء الأوضاع في الوطن، هاجر المزيد من الأرمن إلى الهند. ولكن في ذلك الوقت كانت الإمبراطورية المغولية في أفول، ومن ثم انتشر الأرمن في ربوع الهند، حيث استقروا بأعداد كبيرة في مدراس، وبومباي، وكالكتا القديمة.
* خطط المستقبل
عندما يهل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) في مدينة كولكاتا تشهد أكبر تجمع للأرمن في الآونة الأخيرة. حيث يكونون جزءا من الاحتفالات بمرور 195 عاما على تأسيس الكلية الأرمينية في وجود جمع من قدامى الخريجين. وحفل الاستقبال الذي يضم كافة الأطياف يساعد الطائفة الأرمينية على استرجاع ماضيها، والتواصل مع المعارف والأقارب المنتشرين في مختلف الدول بجميع أنحاء العالم.
هوفسيب، وهو طالب في الصف 12، وبصرف النظر عن دراسته العادية إلا أنه مشغول في بروفات برنامج الحفل بمرور 195 عاما على تأسيس الكلية الأرمينية والتي سافر للالتحاق بها من العراق. وفي وسط كل هذه الجلبة، شرعت الكلية الأرمينية في تنفيذ واحدة من أصعب المهام قاطبة، ألا وهي إنشاء بنك المعلومات الأرمينية في كولكاتا، ويقول الأب زافين يازيشيان عن ذلك «إنه أول بنك للمعلومات من نوعه منذ عام 1956، إن كولكاتا هي آخر مأوى متبق للجالية الأرمينية في الهند، والاحتفال بمرور 195 عاما على إنشاء الكلية من شأنه أن ينقل مثل هذه الحقيقة إلى العالم بأسره. كما يعرض الماضي العريق الذي يعتز به الأرمن أيما اعتزاز ويدفع به إلى الصدارة».
أعيد تجديد الكلية بصورة شاملة وكبيرة من خلال القيام بالكثير من المشاريع. وتمت حوسبة مكتبة ارارتيان الأكاديمية، وتم الحفاظ على الكتب الملحقة فيها من خلال الأساليب المكتبية الحديثة. كما أن هناك علاقات قوية بين الكلية وبين مختلف المؤسسات التعليمية الدولية الأخرى.
ويقول ساسون زاروكيان، وهو من خريجي الكلية الأرمينية في الهند «بدلا من إطالة التفكير والتدبر في الأرمن المنتشرين في مختلف أنحاء العالم، فإن الاحتفالات سوف تعيد تأسيس الرابطة الأرمينية في كولكاتا».
* الخريجون القدامى يزورون مبنى الكلية
من بين الشخصيات الذين يحضرون احتفالات الذكرى الـ195 للكلية الأرمينية هناك «الفتى القديم»، وهو الطالب ماكرتيش سركيس أدامز البالغ من العمر الآن 89 عاما، ويقول: «إن الهند بلد جميلة للغاية، وهم لا يتدخلون في شؤون الآخرين».
ولقد جاء والد السيد ادامز وعمه وجده إلى مدينة كولكاتا من مدينة جولفا (أو جولفا الجديدة وهي الجيب الأرميني في إيران)، وذلك في عام 1924 من أجل التجارة في الهند.. ولم يعودوا أدراجهم منذ ذلك الحين. وعلى غرار معظم الهنود الأرمن، لم يرجع السيد ادامز إلى مدينة جولفا الإيرانية منذ قدومه إلى الهند أول الأمر، على العكس من أقاربه وأصدقائه الذين هاجروا إلى الخارج منذ سنوات.
ولكن على العكس منهم جميعا، لم يكن السيد ادامز يريد فعلا المغادرة وترك البلاد.
تماما كما كان الغرض من الكلية، والذي ذكره اسدفاتساتور مرادخانيان، الأب المؤسس للكلية الأرمينية في الهند، في وصيته عام 1779 مع التبرع الكبير الذي تقدم به من أجلها، إذ قال: «من أجل تعليم شباب الأرمن».
على مدى عقود، استمرت التبرعات المماثلة في التدفق على الكلية، إلى جانب الأوقاف، وكانت تلك الأموال، مع التمويل السخي من الكنيسة الأرمينية في كالكتا، هي التي ساعدت في استمرار الكلية حتى اليوم.
وينتشر خريجو الكلية في مختلف دول العالم، من بريطانيا وحتى أستراليا، ولا يزال بعض منهم يعيش في الهند.
حضر هنريك تيرشونيان، ويبلغ من العمر (23 عاما) الآن، إلى الكلية عندما كان في سن الـ15 عاما. ويقول: «أصبحت الكلية الأرمينية بمثابة منزلي. فلم أتقابل مع أمي منذ أن قدمت إلى هنا، ولقد رأيت والدي مرة واحدة فقط، وكان ذلك قبل سبع سنوات مضت. إنها منزلي الآن، وإنني أحصل على فرصة تعليمية كبيرة في صناعة الأفلام وهي من الصناعات المتقدمة للغاية هنا». ولقد جاء الزميل ولاعب الرغبي، إميل فارتازاريان، إلى الكلية عندما كان طفلا، وأتم تعليمه الأساسي هناك، وهو لا يزال في نفس الكلية ليدرس الإعلام وصناعة الأفلام. وعلى غرار هنريك، كان يرى والدته مرة واحدة منذ سبع سنوات خلال زيارة موجزة إلى مسقط رأسه.
وليس من المؤكد إذا ما كان هنريك وإميل سوف يمكثان في الهند بعد التخرج، ولكنهما يشعران بالامتنان العظيم لكل ما قدمته وفعلته الكلية لأجلهما.
ويقول فارتازاريان: «لا يمكن أن نتلقى مثل هذا التعليم في أي مكان آخر. لقد منحونا فرصة غير متوفرة في أي مكان آخر».
والخريجان الجديدان الآخران، وهما زافين ستيفان، وماركوس غالستون.. وقد ولدا في كولكاتا لأمين هنديتين وأبوين أرمنيين، ويقولان: «نريد أن ننخرط أكثر وأكثر في أنشطة الكلية».
ومن بين أعلى تعداد مسجل بلغ 20 ألف مواطن وحتى بضعة آلاف كانوا يقطنون هنا، إلى ما لا يزيد على 200 شخص فقط، لا يزال الأرمن يعيشون في الهند ولا يزال الكثيرون منهم مصممين على الحفاظ على الجذوة الأرمينية مشتعلة، من الكلية الأرمينية في كولكاتا وحتى السفارة الأرمينية في نيودلهي.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.