موسم الهجرة إلى أفلام الخيال العلمي والتشويقي

صراع بين حق البشر وهجوم الوحوش الآلية

من «رجال إكس: سفر الرؤيا» و جورج كلوني: مهمة صعبة في «وحش المال»
من «رجال إكس: سفر الرؤيا» و جورج كلوني: مهمة صعبة في «وحش المال»
TT

موسم الهجرة إلى أفلام الخيال العلمي والتشويقي

من «رجال إكس: سفر الرؤيا» و جورج كلوني: مهمة صعبة في «وحش المال»
من «رجال إكس: سفر الرؤيا» و جورج كلوني: مهمة صعبة في «وحش المال»

البطيخ وأفلام الصيف نزلت الأسواق قبل أوانها. معظم من اشترى الثمرة الكبيرة معتقدين أن الموسم قد أزف لها، فوجئوا بأن الطعم مر واللون باهت وأن شريانًا من اللون الأصفر يمتد على سطح وفي عمق البطيخة موفرًا طعمًا مرًّا على عكس المتوقع.
في السينما الحال أفضل لكن التغيير الذي أصاب فصول الصيف الهوليوودية بدد الكثير من وقع وأهمية فصل الصيف بحد ذاته. فسابقًا ما كان موسم الصيف السينمائي يتبع بدايته الرسمية في أوائل الشهر السادس من العام. ولهذه الغاية، ومنذ منتصف السبعينات، اعتادت هوليوود حشد أكثر أفلامها تكلفة وضجيجًا لكي تعرض ما بين مطلع يونيو (حزيران) وآخر شهر أغسطس (آب) من كل سنة.
لكن الحاصل منذ سنوات هو استباق الموسم ببضعة أسابيع وتقديم أفلام كبيرة الشأن والطموحات من منتصف الشهر الخامس مايو (أيار). هذا ما حدث في الأعوام الخمسة الماضية، وهذا ما يحدث هذا العام، بل إن هوليوود هذه السنة تفتح نوافذها على موسم الصيف بفيلم تم إطلاقه عالميًا قبل أسبوع كامل، وهو «كابتن أميركا 3: حرب أهلية» الذي سارع بجمع 200 مليون دولار حول العالم حتى الآن.

التمهيد

ما سيتوالى خلال الأسابيع والأشهر المقبلة هو السيل ذاته من أفلام الخيال العلمي والتشويقي وأفلام الكوميكس ونسبة لا بأس بها من أفلام الرسوم المتحركة.
في الأفق المنظور «أوامر قتل»، خيال علمي حول مستقبل قريب سيدافع فيه البشر عن حياتهم ضد مخلوقات صناعية. وهو وإن لم يكن من إنتاج استوديوهات كبيرة (مثل «صوني» أو «فوكس») فإنه متماثل بإنتاجاتها. كذلك الحال بالنسبة لفيلم فانتازي يستلهم من نجاح سلسلة «سنو وايت» الجديدة عنوانه «لعنة الجمال النائم» (The Curse of Sleeping Beauty). وعلى غراره، ومن إنتاج «ديزني»، ينطلق «أليس من خلال المنظار»، وهو ثاني أجزاء مسلسل «أليس في أرض العجائب» ومع مجموعة كبيرة من الممثلين الرئيسيين ومنهم جوني دب وآن هاذاواي وهيلينا بونام كارتر وميا ووزيكوفسكا ومايكل شين وألان ريكمان (آخر فيلم قبل وفاته).
ولن ينتهي الشهر الحالي من دون إطلاق فيلم كبير الطموحات وبقيادة حملة إعلانية كبيرة هو «رجال إكس: سفر الرؤيا» مع جيمس ماكافوي ومايكل فاسبيندر وجنيفر لورنس من بين آخرين.
هذه الأفلام ستكون التمهيد للصيف الفعلي، وإن هي انتمت، حسب شفرة شركات الإنتاج والتوزيع، إلى صلب الموسم. ففي شهر يونيو ستتوالى أفلام كبيرة أخرى يتقدّمها في مطلع الشهر «سلاحف النينجا المشوّهة 2». وبعد أسبوع من إطلاقه، نشهد «ووركرافت» الواقع في صرح التاريخ. ثم ننتقل إلى المستقبل في «يوم الاستقلال 2» (الأول ظهر قبل عشرين سنة).
ثم يحط على شاشات كوكب الأرض فيلم Star Trek 3‪:‬ Beyond وذلك في شهر يوليو (تموز) وإلى جانبه حلقة جديدة من مغامرات الجاسوس بورن كما يؤديه مات دايمون وعنوانه «جاسون بورن». وعلى بعد يسير (في مطلع أغسطس «آب») فيلم تاريخي بتكلفة 150 مليون دولار «بن هور». وفي الشهر نفسه فيلم الوحوش القاتلة في عالم الخيال العلمي «سبكترال».
باستثناء «جاسون بورن»، تستند كل هذه الأفلام إلى آخر ما تم ابتكاره من عوامل المؤثرات والخدع البصرية، لكن هذا لا يعني خلو الساحة من أفلام تعتمد أساسًا على الممثل وقدراته. «جاسون بورن» هو من بين هذه الأفلام إذ يحكي، بالأسلوب التشويقي المثالي للمخرج بول غرينغراس حكاية الجاسوس الهارب من أعدائه داخل «وكالة الاستخبارات الأميركية».
وهناك أيضًا «رذاذ أكبر» (A Bigger Splash) دراما مع داكوتا جونسون ورالف فاينس وتيلدا سوينتون. وفي وسط زوابع من أفلام الرعب والفانتازيا العنيفة مثل «عضّة» و«كابتن أميركا» و«أوامر قتل» يبرز «وحش المال» Money Monster مع جورج كلوني وجوليا روبرتس ومن إخراج جودي فوستر.
هؤلاء الثلاثة يقاومون المد الميكانيكي للإنتاجات الضخمة بعناصر بشرية تبدو في آن معًا: مطلوبة ومثيرة لخشية انصراف الجمهور عنها. في الوضع نفسه نيكولاس كايج وأليجا وود في «الثقة» وأدريان برودي في «ليلة مانهاتن» وأنطوني هوبكنز وجوليا ستايلز في «بلاكواي».

الأسئلة الصعبة

ما سبق هو جزء من صورة أكبر تمثّل الصراع القائم بين ممثلين في أدوار بشرية تسود الأفلام التي يظهرون فيها، وبين الشخصيات الإلكترونية والميكانيكية - الآلية التي يتم تنفيذها على الكومبيوتر ونظم الديجيتال. صراع غير متكافئ في صيف يميل لاستيعاب الشبيبة والمراهقين وطلاب الترفيه أكثر من أي موسم آخر.
هذا ما يفرز أسئلة صعبة تلتقي تحت سطح التوقعات المنتظرة لمثل هذه المواجهة، وفي مقدّمتها إذا ما كان النجم ما زال قادرًا على تحقيق مكاسب على الأرض. بكلمات مباشرة: هل سيستطيع «وحش المال» تحقيق أي نجاح لمجرد وجود جورج كلوني وجوليا روبرتس فيه؟ الحال كذلك على أفلام أخرى معروضة هذا الصيف تحمل أسماء كبيرة مثل ماثيو ماكونوهي (عبر فيلم «الولايات الحرة لجونز») ورايان غوزلينغ («الفتيان الطيبون») ودواين جونسون («سنترال إنتليجنس»).
من يريد التحقق يستطيع العودة إلى أفلام سابقة قام كثير من النجوم ببطولتها في الأعوام الأخيرة ومنهم جوني دب (خارج سلسلة «قراصنة الكاريبي») وروبرت داوني جونيور (خارج سلسلة «آيرون مان») وجورج كلوني وميريل ستريب. هؤلاء وسواهم شهدوا مطبّات تجارية صعبة في السنوات القليلة الماضية، مما يجعلهم أقل قدرة على المضي إلا إذا ما اقترنوا بمسلسلات فانتازية كبيرة كما فعل داوني جونيور («كابتن أميركا» و«آيرون مان») ورايان رينولدز («دَدبول») وهيو جاكمان («رجال إكس») وسكارلت يوهانسن («ذا أفنجرز») أو جنيفر لورنس («ألعاب الجوع»).
السؤال ذاته قد يتكرر حتى بالنسبة لمخرجين كبار. بعد نجاح محدود لفيلم «حصان حرب»، وأسوأ منه لفيلم «لينكولن»، ثم نجاح معتدل لفيلم «جسر الجواسيس»، إلى أي حد يمكن لستيفن سبيلبرغ تقديم فيلم يفخر بوضع اسمه عليه مثل فيلمه المقبل (The BFG).
هذه المسائل هي نتيجة أزمة تحوّل صناعة السينما من نوعية أفلام كانت تطلق لفئات جماهيرية كثيرة بمستوى واحد، وبتوازن بين الأنواع وبين فئات الجماهير، بحيث تنال كل فئة ما تريد من أفلام، إلى نوعية تلبّي حاجة الجمهور السائد وحده، باستثناء ما يمكن أن يتم إنتاجه من أعمال نوعية.
لا عجب إذن أن النسبة الغالبة مما نراه من أفلام هذا الصيف هي لتلك المنتمية إلى مسلسلات سينمائية أو تعد نفسها، وجمهورها، بأن تكون تمهيدًا لمسلسلات جديدة، بل إن أفلام المسلسلات هذه تطغى على عموم إنتاج هوليوود من الأفلام طوال العام، وليس في الصيف وحده.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.