مواقع عسكرية وأسلحة ثقيلة ومعسكرات في مدينة الضالع جنوبي البلاد، باتت مزارا لناشطين حقوقيين وإعلاميين وطلاب وباحثين وأكاديميين ومسؤولين حكوميين ومواطنين عاديين، منذ الاستيلاء عليها يوم تحرير المدينة من قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وميليشيات الحوثي صباح يوم 25 مايو (أيار) الماضي من قبل المقاومة والضباط والجنود العائدين للخدمة في الجيش الوطني الموالي للسلطة الشرعية.
وقال العقيد علي ناصر المعكر لـ«الشرق الأوسط» إن وصول أول دبابة للمقاومة إلى الضالع كان عاملاً مهمًا رفع معنويات المقاتلين، لافتًا إلى أنه تم الاستيلاء على ردفان المجاورة عقب انتفاضة اندلاع الحرب بفترة وجيزة ضد الميليشيات الانقلابية.
ولأكثر من عشرين سنة وسكان المدينة يعانون وطأة الترسانة الحربية التابعة للواء 33 مدرع، وقبله اللواء 35 مدرع، الذي انتقل إلى مدينة تعز، إثر انتفاضة الأهالي الأخيرة على محرقة خيمة معتصمين، جل قتلاها من ذوي الاحتياجات الخاصة، ليتم نقل العميد ضبعان ولوائه إلى مدينة الضالع، ليستقر هناك بدءا من عام 2012م.
وقال سكان مدينة الضالع لـ«الشرق الأوسط» إنهم ولأول مرة يتنفسون حرية، ولا يخشون على أنفسهم وأرواحهم من الترسانة المسلطة عليهم منذ حرب صيف 1994م وحتى تحرير المدينة السنة الماضية ودحر الميليشيات الانقلابية، مشيرين إلى أنهم يشعرون الآن بحميمية وارتباط وثيق بهذه المواقع والمعسكرات التي لطالما أثخنت بهم قتلا ورعبا وتدميرا وسط بيئة ملغومة أقل ما يقال عنها إنها أشبه بحواف حقل ألغام لا تتوقف عن اصطياد الحياة الهادئة كلما نزعت نحو السكينة.
الضالع بالنسبة للجنوب تعد قيمة نضالية وتاريخية ومعنوية كبيرة، فعلى الرغم من أن الميليشيات وصلت عدن وباتت مسيطرة على قصر الرئاسة في المعاشيق.
وأشار السكان إلى أن الاستعمار البريطاني الذي دام في الجنوب 129 عاما (1839 - 1967) كانت الضالع سباقة في الانتفاضة عليه مدونة تاريخ ميلاد الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار، مشيرة إلى أن المنطقة مثلت أول شرارة كفاح ضد حكم الرئيس المخلوع أيضًا.
وخلال السنوات التالية لانطلاقة الحراك الجنوبي يوم 23 مارس (آذار) 2007، على إثر حركة مطلبية ضمت آلاف الضباط والجنود ممن تم تسريحهم من مؤسسة الجيش طوال سنوات لاحقة للحرب، كانت الضالع وانتفاضتها الجديدة تشكل الهاجس المؤرق والدائب الذي استدعى قمعه والتنكيل به تارة، ومداهنة قادته والترغيب بهم تارة أخرى.
وظلت الساحة ساخنة بالاحتجاجات الشعبية التي زادت كثافتها ورقعتها رغم أدوات الدولة البوليسية. ومع زيادة القمع والقتل زادت الانتفاضة في انتهاج اشكال جديدة مغايرة لمناهضتها أجهزة النظام إلى أن أجبرت حركة الشارع اتخاذ أشكال كفاحية عنيفة، إلى أن اندلعت ثورة الشباب في صنعاء يوم 11 فبراير (شباط) 2011م، لتتصاعد الاحتجاجات وبوتيرة غير مسبوقة وفي مختلف محافظات الجنوب، خاصة مع صعود الرئيس هادي، المتحدر من محافظة أبين الجنوبية إلى سدة الحكم يوم 23 فبراير 2012م بناء على مبادرة دول الخليج الموقع عليها في العاصمة الرياض، وما تلاها من سنوات ثلاث شهدت ما شهدت من أزمات ومشكلات وحوارات جميعها لم تفض لعملية انتقال سياسي، وإنما إلى أزمة سياسية أفضت إلى انقلاب عسكري وحرب مدمرة، ما زالت تداعياتها وأحداثها المؤلمة قائمة حتى اللحظة التي تتفاوض بها السلطة الشرعية مع الميليشيات الانقلابية المتمردة على ما سبق الاتفاق عليه كحصيلة لمبادرة مزمنة التنفيذ.
وكانت قوات الرئيس المخلوع وميليشيات الحوثي شنت حربا على مدينة الضالع والقرى المجاورة بقصد إخضاع سكان المنطقة والمرور من خلالها إلى عدن جنوبًا، بدءا من يوم 24 مارس 2015.
وخلال الحرب الأخيرة برزت للعيان دبابة المقاومة الوحيدة التي وصلت إلى الضالع يوم 25 مارس، لكن، مشاركتها تأخرت إلى يوم 1 أبريل (نيسان) ، حين قامت بقصف مواقع اللواء 33 مدرع، قبل أن تصعد إلى مرتفع الدريب المطل على مواقع قوات المخلوع والحوثي. وخلال شهرين كاملين قامت باجتراح أكبر مهمة قتالية في تاريخ سلاح المدرعات في اليمن.
وعاد العقيد علي ناصر المعكر ليذكر أن وصول الدبابة إلى المقاومين كان دعمًا قويًا له ولزملائه الذين ليس لديهم غير أسلحتهم الشخصية، موضحًا أن الدبابة نوع روسي تي 55 قصفت مواقع الميليشيات في جبل المظلوم ومعسكري عبود والأمن المركزي والخربة وغيرها من الأهداف المتحركة والتجمعات التي تمكنت المدرعة الوحيدة من توجيه نيرانها نحوها طوال خمسة وأربعين يومًا ودون توقف.
وأشار إلى أن كافة مواقع الميليشيات وجهت نيرانها وبكثافة على الدبابة الوحيدة التي شكلت للقوات الغازية مصدر إزعاج جعلها تستخدم مختلف الأسلحة الثقيلة، موضحًا أن قائد المقاومة عيدروس الزبيدي، محافظ عدن حاليا، عزز حينها الموقع بمضاد أرضي نوع 23 مم بقيادة ثابت الردفاني، كما في يوم 10 مايو تم وصول الدبابة الثانية «تي 62» إلى موقع «النوبة» لتقوم بدك مواقع ومعسكرات الميليشيات وقوات الرئيس المخلوع.
وكشف عن أن ساعة انطلاقة معركة التحرير لمدينة الضالع، التي حددت من القائد عيدروس الزبيدي منتصف ليلة 24 مايو 2015، مؤكدًا أن الدبابتين قامتا بدك مواقع وأهداف الميليشيات، وما إن انبلج فجر يوم 25 مايو حتى كان رجال المقاومة يسيطرون على جميع معسكرات ومواقع اللواء 33 مدرع والأمن المركزي والنجدة وغيرها من المواقع المستحدثة والقديمة والتي تم السيطرة عليها كاملة.
وكان العقيد علي ناصر المعكر جرح هو وزميلة العقيد خالد ناجي سعيد يوم 5 يونيو (حزيران) في منطقة الوبح شمال مدينة الضالع.
وإذا كانت دبابة المقاومة سطرت أروع ملحمة عسكرية؛ فإنه بالمقابل هناك دبابة تابعة للواء 33 مدرع تحمل ذكرى مأساوية وحزينة للسكان، خاصة ذوي الضحايا الذين حصدت أرواحهم يوم 27 ديسمبر (كانون الأول) 2013م بينما كان هؤلاء في مخيم عزاء في بهو مدرسة سناح شمال مدينة الضالع.
وكان نشطاء في محافظة الضالع أحيوا ذكرى مجزرة مخيم العزاء الثانية، إذ شوهدت الدبابة التابعة للواء 33 مدرع والتي قصفت مخيم العزاء وتسببت بمقتل 15 شخصًا وإصابة قرابة خمسين آخرين بإصابات مختلفة، وبعد إعطابها في الحرب الأخيرة بقت في مكانها رمزًا شاهدًا على المجزرة التي ارتكبتها الميليشيات.
وقال محافظ الضالع في كلمة مقتضبة حينها في المهرجان: «نحن اليوم نوجد في المكان ومن جانب الدبابة التي قصفت مخيم العزاء بمدرسة سناح، وإننا نعلن في الوقت نفسه لأن يكون يوم 27 ديسمبر من كل عام يومًا لإحياء ذكرى الشهداء في محافظة الضالع».
وقال العميد ركن محمد علي حمود أركان حرب اللواء 33 مدرع لـ«الشرق الأوسط»: «إن السكان يلزمهم وقت وجهد كيما يتغلبون على ذكرياتهم المريرة والمأساوية»، مستعرضًا في حديثه لتفاصيل حجم القوة التدميرية التي كانت بحوزة اللواء العسكري، وماهية الترسانة الحربية التي استخدمها أتباع الرئيس المخلوع وميليشيات الحوثي، وكيف تعاملت المقاومة خلال الحرب وكيف انتهت المعركة بسقوط كل هذه المعسكرات بأيديها رغم الإمكانيات الصعبة والشحيحة.
وأكثر المواقع العسكرية التي تثير فضول الزائرين جبل السوداء العسكري الاستراتيجي المطل على الطريق الرئيسي الواصل مدينة قعطبة شمالا بمدينة الضالع جنوبًا، وتم السيطرة عليه في اليوم التالي لتحرير مدينة الضالع، وكذا مواقع الخزان والعرشي والمظلوم ومعسكر الجرباء وجميعها واقعة في مدينة الضالع وعلى الهضاب المحيطة بها من كل النواحي.
ومعسكرات الجيش والأمن صارت تحمل أسماء جديدة معبرة عن الواقع الجديد، فمقر قيادة اللواء 33 مدرع بات اسمه «معسكر الشهيد أبو عبد الله»، تيمنًا باسم قائد معركة تحرير مدينة الضالع العقيد عمر ناجي محمد، الذي «استشهد» صباح يوم التحرير 25 مايو. بينما معسكر الأمن المركزي سابقًا أطلق عليه معسكر الشهيد علي الخويل، نسبة إلى قائد المقاومة في جبهة العرشي.
ويتفق القادة العسكريون والناشطون والمواطنون العاديون في ناحية إخراج قوات الجيش من المعسكرات الحالية إلى أمكنة بعيدة عن الأحياء المأهولة بالسكان، فكل من تحدثوا للصحيفة أكدوا أن هذه المعسكرات أنشئت في عهد الإنجليز عندما كانت المدينة مجرد قرية صغيرة، مشيرين إلى أن مساحة هذه المعسكرات سيتم الاستفادة منها لعمل حدائق ألعاب للأطفال أو وحدات سكنية أو غيرها من المشاريع المفيدة والمدنية.
«الشرق الأوسط» تجول بالضالع في ذكرى تحريرها
محافظة استراتيجية جنوبية دحرت الميليشيات في 25 مايو الماضي
«الشرق الأوسط» تجول بالضالع في ذكرى تحريرها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة