«بيروت سيلر».. قصة تاريخ عريق تربطه بسكان منطقة الأشرفية

تأسس منذ 40 عامًا ليصبح بمثابة معلم سياحي

ديكور  يذكرك بمطاعم البيسترو في فرنسا  -  طبق ستيك مع الفطر والصلصة
ديكور يذكرك بمطاعم البيسترو في فرنسا - طبق ستيك مع الفطر والصلصة
TT

«بيروت سيلر».. قصة تاريخ عريق تربطه بسكان منطقة الأشرفية

ديكور  يذكرك بمطاعم البيسترو في فرنسا  -  طبق ستيك مع الفطر والصلصة
ديكور يذكرك بمطاعم البيسترو في فرنسا - طبق ستيك مع الفطر والصلصة

لا يمكنك أن تزور منطقة الأشرفية في بيروت دون أن تعرج على «بيروت سيلر» (beirut cellar)، أحد أعرق المطاعم في المنطقة. ففي الماضي كان يؤلف ثلاثيا شهيرا مع مطعمي «أو فيو كارتييه» و«تايم أوت»، إلا أنه الوحيد بينهم الذي استطاع البقاء ومقاومة المصاعب والمشكلات التي واجهت هذا القطاع.
وإذا قصدت شارع شحادة في محلة التباريس، وأردت الاستفسار عن موقع عمارة أو محل تجاري ما، فإن اسم «بيروت سيلر» سيتناهى إلى مسمعك بصورة مباشرة، إذ يستخدم موقعه كنقطة انطلاق للدلالة على أي عنوان آخر يقع في المحلة المذكورة.
وعندما نتحدث عن تاريخ هذا المطعم الذي تأسس منذ أربعين عاما، لا يمكننا إلا أن نذكر طابعه الرومانسي الذي اشتهر به على مدى الأجيال، فلقد شهدت شرفته المطلة على الطريق العام وفانوسه الأصفر الضخم المتدلي منها، كما زواياه الدافئة في الداخل، على طلبات زواج وخطوبة تقدم بها الشبان لحبيباتهم من الجيل الماضي. هذا التقليد ورثه الأبناء عن آبائهم حتى اليوم، بحيث ما زالت تشهد مقاعده أول لقاء بالحبيب، كما أول اعتراف بالحب وطلب ارتباط رسمي بالطرف الآخر.
* طابع تراثي
على الرغم من انتقال استثمار مطعم «بيروت سيلر» إلى أشخاص جدد (تديره حاليا مايا بخعازي)، فإنه ما زال يتمتع بالطابع الريفي نفسه الذي عُرف به أيام أصحابه الأساسيين: برنار جرماكيان وديفيد تيان وأندريه شهاب وإبراهيم مزنر.
«حاولنا قدر المستطاع الحفاظ على طابع المطعم الذي عرف به منذ أربعين عاما»، تقول مايا بخعازي في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتتابع: «لذلك أعدنا تجديده بعناصر ديكور شبيهة بهويته الريفية المعروف بها، إن من خلال كراسيه الخشبية أو مقاعده المخملية، كما أننا أبقينا على أسقفته الخشبية وأضوائه الخافتة على طريقة الفوانيس الفرنسية المعروفة، وعلى أدوات وأغراض تزين جدرانه منذ تأسيسه كسرج الحصان وخزانة جدتي العالية، والصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود التي يظهر فيها زبائن المطعم على مر الأجيال».
حتى أرضيته المغطاة ببلاط «تشيكر بورد» الأبيض والأسود القديم، إضافة إلى المرايا العملاقة الموزعة في أقسامه، تم الحفاظ عليها من قبل مستثمريه الجدد كتراث تتناقله الأجيال، فكل زاوية من زوايا المطعم تعيدك بالذاكرة تلقائيا إلى أيام الشباب، وإلى لحظات ثمينة عاشها كل من ارتاده في الثمانينات والتسعينات.
شكل «بيروت سيلر» موطئ قدم معروف لدى السياح الأجانب، وأيضًا للقوات المتعددة الجنسيات التي مرت على لبنان خلال أيام الحرب. فكان العنوان الأكثر شهرة في تلك الحقبة لعقد اجتماعات عمل أو محادثات فيه. ولعل طاقاته الخشبية ذات المربعات البلورية الصغيرة المضروبة بالرمل، شهدت أهم الثرثرات والفضفضات، التي كانت ترافق كل ثنائي يجلس على أحد المقاعد بقربها، فيشعر بالأمان فيطول حديثهما ويمر الوقت بسرعة.
* لائحة غنية بأطباق عالمية
لم تكن أصناف الطعام التي تقدم في «بيروت سيلر» تتجاوز الستة في السبعينات والثمانينات. وكانت يومها تتألف من أطباق السلطة (سلطة بيروت سيلر)، وقطعة اللحم المبهرة (steak au poivre)، وما إلى هنالك من أطباق بسيطة وخفيفة في آن، وبينها النقانق المطهية على الطريقة اللبنانية.
اليوم تطورت أطباقه لتؤلف لائحة تتضمن أكثر من 40 صنفا، تمثل أطباقا منوعة تعود إلى المطبخ العالمي وليس الفرنسي واللبناني فقط. تجد تحت لائحة المقبلات أنواع طعام مختلفة كالنقانق المقلية مع صلصة دبس الرمان، وأجنحة الدجاج مع الصلصة الحارة، والكالامار المشوي، إضافة إلى «سمبوسك الجبنة» (cellar’s cheese sambousek)، والرقاقات الآسيوية المحشوة بالخضار، وطبق الفلافل الأصيل، والباذنجان على الطريقة الإيطالية (parmigiana melanzani) وغيرها.
أما تحت عنوان السلطات فتجد مجموعة كبيرة منها تتنوع ما بين «بيف كارباتشيو مع الروكا، وسلطة «آيس بيرغ مع جبنة الروكفور»، والسلطة الإيطالية مع البرازاولا وجبنة الموزاريللا وخضار الروكا والأفوكادو.
وتزخر لائحة طعام «بيروت سيلر» بالأطباق الإيطالية المختلفة كـ«النيوكي» و«الرافيولي» و«الفيتوتشيني» مع سمك السلمون.
أما الأطباق الخاصة بكل يوم وتندرج تحت عنوان «أطباق مميزة»، فتقرأ أسماءها على سبورة صغيرة الحجم كتب عليها بالطبشور، أنواعها المرفقة مع أسعارها، وقد وزعت على بعض أنحاء المكان.
أما الأطباق الرئيسية التي في استطاعتك تناولها في «بيروت سيلر»، فمن بينها الدجاج المشوي و«الميرغيز مع البطاطا» و«سيلرز هامبرغر» و«سمك السلمون المشوي مع الخضار إلى جانبه»، إضافة إلى «إنتروكوت» و«الروبيان المشوي» و«إسكالوب ميلانيز» وغيرها.
ولأن الخاتمة يجب أن توقع بالحلوى، فقد اختارت إدارة المطعم مجموعة من أطباق الحلويات الشهية التي لا تستطيع مقاومة طعمها. ويعد طبق «Pain perdu» واحدًا من اختصاصاتها في هذا المجال، ولتكر السبحة بعده وتتضمن «fondant au chocolat» و«شوكولا مو» و«كاتو بالشوكولا» وعدة أنواع من المثلجات (آيس كريم) و«السوربيه».
* الجلسات تراعي جميع الأذواق
لعل طابع الجلسات التي في استطاعتك اختيارها في «بيروت سيلر»، هي التي تميزه عن غيره من المطاعم الموجودة في المنطقة كونها تراعي جميع الأذواق، فهذا المطعم العريق الواقع وسط الأشرفية قد يكون الوحيد الذي في استطاعتك تناول طعامك فيه، وأنت تجلس في حديقته الزاهرة في الهواء الطلق، أو على واحدة من طاولاته الخشبية الموزعة على شرفته المطلة على أحد شوارع بيروت القديمة، أو في واحدة من زواياه الدافئة والرومانسية في الداخل.
وقد تصلح الجلسة الأولى مثلا لارتشاف فنجان «كابوتشينو» صباحًا أو عصرًا، في حين توفر لك جلسته المريحة على الشرفة، التي يغلب عليها طابع «الأنتيكا» إن في كراسيه الخشبية، أو في الخزانة العتيقة ذات الغطاء الرخامي الأبيض التي تتصدره، تمضية لحظات جميلة تعبق بالحداثة والأصالة معًا.
أما في أقسامه الداخلية ذات الديكورات الريفية بامتياز، فيمكن وصف الجلسات فيها بالممتعة والغنية بالحميمية، فالهدوء والإنارة الخافتة ومقاعدها المخملية هي عنوانها العريض.
زيارة مطعم «بيروت سيلر» التي يقوم بها أهل الأشرفية بشكل مستديم، بحيث يحدد بعضهم يوما خاصا له يعرفون عنه بـ«بيروت سيلر داي»، تكاد تكون تقليدا من التقاليد الاجتماعية التي ترافق أهل بيروت منذ أربعين عاما حتى اليوم. كما أن ضيوفه من مختلف الجنسيات الذين يقصدونه، كواحد من معالم بيروت السياحية، فهم لا يشعرون بالغربة في أحضانه الدافئة والمريحة. بل إنهم يعيدون الكرة ويرتادونه لأكثر من مرة، لأنه يذكرهم بقعدات حلوة، كتلك التي يقيمونها في بيوتهم.
فأن تستمتع بالطعام ذي الجودة العالية، وأن تتكفل أجواء مطعم «بيروت سيلر» بوضعك في حضن عائلي دافئ تسوده بشاشة النادلين ولطف لافت في تعاملهم معك، ستخول لك دون شك أن تحتفظ بذكرى زيارتك له، والعودة إليها في خيالك، كلما رغبت في استعادة أجمل اللحظات التي أمضيتها في بيروت.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».