بعد انهيار الهدنة: الحل العسكري في حلب يستهدف المدنيين

حالة من الشلل في المدينة جراء التصعيد العسكري المتبادل منذ 5 أيام

غارات شنتها مقاتلات روسية على «الأتارب» بريف حلب دمرت عربتي إسعاف وإطفاء تابعتين لمركز الدفاع المدني وقتلت 5 من المتطوعين أمس (رويترز)
غارات شنتها مقاتلات روسية على «الأتارب» بريف حلب دمرت عربتي إسعاف وإطفاء تابعتين لمركز الدفاع المدني وقتلت 5 من المتطوعين أمس (رويترز)
TT

بعد انهيار الهدنة: الحل العسكري في حلب يستهدف المدنيين

غارات شنتها مقاتلات روسية على «الأتارب» بريف حلب دمرت عربتي إسعاف وإطفاء تابعتين لمركز الدفاع المدني وقتلت 5 من المتطوعين أمس (رويترز)
غارات شنتها مقاتلات روسية على «الأتارب» بريف حلب دمرت عربتي إسعاف وإطفاء تابعتين لمركز الدفاع المدني وقتلت 5 من المتطوعين أمس (رويترز)

دفع القصف الجوي المكثف على أحياء المعارضة في مدينة حلب، الفصائل المسلحة إلى خيار الرد العسكري، وتفعيل العمليات العسكرية، فضلاً عن تكثيف استهدافها أحياء خاضعة لسيطرة النظام، بهدف «ردع النظام والرد على استهدافاته»، ضمن إطار خطة وضعتها الفصائل العسكرية بعد 5 أيام من القصف المتواصل.
وقتل 23 مدنيا، بينهم 5 عناصر من الدفاع المدني أمس، في غارات جوية استهدفت أحياء واقعة تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب وريفها الغربي في شمال سوريا، وفق ما أفاد به الدفاع المدني وناشطون في الشمال.
وأعلن الائتلاف الوطني السوري في بيان أمس، مقتل 5 من متطوعي الدفاع المدني، وإصابة آخرين بجروح، بالإضافة إلى سقوط عدد من الجرحى المدنيين، في مدينة الأتارب بريف حلب ليلة الاثنين - الثلاثاء، نتيجة 7 غارات شنتها مقاتلات روسية، أصابت إحداها مركز الدفاع المدني.
وفي الوقت نفسه، قال ناشطون سوريون إن عدد القتلى المدنيين ارتفع إلى 23 مدنيًا في حلب أمس، إثر قصف النظام أحياء المعارضة في شرق مدينة حلب، واستهدافه 12 شارعًا، ووثق مقتل 3 أشخاص في حي الشعار، و10 في حي الفرودس، واثنين في حي الحيدرية، و3 في حي النيرب، إضافة إلى قتلى الدفاع المدني في الأتارب.
وإثر استمرار القصف لليوم الخامس على التوالي، قال مصدر عسكري معارض لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع الخيارات باتت متاحة بعد الاستمرار في القصف الجوي وضرب المدنيين»، مشيرًا إلى أن «خيار الاستمرار في المسار السلمي بات ضئيلاً»، وأضاف: «مقابل التصعيد، ستبدأ خطة تحرك عسكري جديدة تبدأ من قصف معاقل النظام في حلب، بهدف الرد على خروقاته، بموازاة تحرك عسكري يقوده الجيش السوري الحر في مدينة حلب وريفها وسهل الغاب».
وبموازاة تقارير حقوقية أكدت استهداف المعارضة أحياء مدنية خاضعة لسيطرة النظام، أدت إلى مقتل 19 مدنيًا يوم الاثنين الماضي بحسب ما أفاد «المرصد السوري»، تصاعدت وتيرة الاستياء من استهداف المدنيين، لأن هذه الخطوة «تساوي المعارضة بالنظام الذي سيمعن في قتل المدنيين».
ونفى مصدر قيادي في المعارضة في حلب أن يكون استهداف المدنيين مقصودًا، قائلاً: «نحن نستهدف تجمعات النظام والشبيحة، ولا نستهدف المدنيين لأننا حريصون على أرواحهم». وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يتم إبلاغ المدنيين قبل 24 ساعة بأننا سنقصف مواقع النظام والشبيحة، ونحذرهم بضرورة مغادرة المكان»، مشيرًا إلى أن إصابة المدنيين «تنتج عن أخطاء تقع بسبب طبيعة القذائف التي نستخدمها، وتحتمل الخطأ».
وأوضح المصدر: «إننا نستخدم نوعين من الذخيرة؛ الأولى هي الذخيرة الروسية الصنع مثل مدافع الميدان من عيار (130 مللم) والـ(هاون) بأعيرة مختلفة، وصواريخ الـ(غراد)، وهي ذخيرة تتمتع بقدرة على تحقيق إصابات دقيقة»، أما النوع الثاني فهو «الذخيرة المحلية الصنع مثل مدافع (جهنم) و(الجحيم).. وغيرهما، وقوارير الغاز المتفجرة، وهي تتمتع بقدرة تدميرية عالية، لكنها تفتقد للدقة، وبالتالي تحتمل الخطأ».
وقال المصدر: «هناك تعليمات صارمة للفصائل العسكرية من (غرفة عمليات فتح حلب) منذ تأسيسها، تقضي بمنع استهداف المدنيين تحت أي ظرف كان».
وتابع المصدر أن الرد العسكري على النظام أخره انقسام الرأي بين العسكريين، حيث «كان اتجاه في الجيش الحر يسعى إلى تطبيق الهدن، بضغط من المدنيين والمجموعات الأهلية، بينما كان الرأي الآخر يقول إن النظام لا يمكن التعامل معه إلا وفق منطق القوة»، مضيفًا: «النظام اليوم بقصفه، عرى الحلول السياسية، وأثبت فشلها، وهو ما يدفع للتأكيد أن منطق الرد العسكري هو الخيار الوحيد المتاح اليوم».
وبدأت الحملة الأخيرة يوم الجمعة الماضي بشكل مكثف ببدء طائرات حربية لم تعرف هويتها بقصف أحياء مدينة حلب، مستهدفة المدنيين والأسواق العامة والشوارع الرئيسية، كما قال ناشطون سوريون. وقال هؤلاء إن شوارع حلب «تحولت إلى مأتم ومبانٍ مدمرة تحمل الموت لكل منزل وحي وشارع مع استمرار القصف حتى اليوم (أمس) بشكل مكثف وسط صمت دولي مطبق».
ونفذت طائرات حربية لم تحدد هويتها صباح الثلاثاء، غارات جوية على الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب، وأسفر القصف الجوي، وفق ما قال مسؤول في الدفاع المدني لوكالة الصحافة الفرنسية، عن «مقتل 14 مدنيا في حصيلة أولية في أحياء الفردوس وكرم البيك وباب النيرب وطريق الباب».
وأظهرت صور التقطها مصور الوكالة دمارا في حي الفردوس حيث تحطمت واجهات مبان وتناثر الحطام في الشارع الضيق، وبدا رجلان وهما يمسكان بشاب مصاب في رأسه ورجله اليسرى.
وتشهد مدينة حلب بقسميها الشرقي، والغربي (الواقع تحت سيطرة النظام) حالة من الشلل جراء التصعيد العسكري المتبادل منذ خمسة أيام. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تشهد الأحياء الغربية أيضا «حالة من الشلل» خصوصا بعد القصف العنيف الذي تعرضت له مساء الاثنين من الفصائل المقاتلة، وأسفر عن مقتل 19 مدنيا وإصابة 120 آخرين بجروح.
وتعد مدينة حلب من أبرز المناطق المشمولة باتفاق وقف الأعمال القتالية الروسي - الأميركي المدعوم من مجلس الأمن والذي بدأ تطبيقه منذ 27 فبراير (شباط) الماضي، ويتعرض لانتهاكات متكررة ومتصاعدة، لا سيما في حلب ومحيطها، مما يثير خشية من انهياره بالكامل.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».