بري يتجنب مواجهة الأحزاب المسيحية في البرلمان.. والأزمة السياسية تتمدد

طرح «انتخاب عون رئيسًا لسنتين» يسقط في مهده

نبيه بري
نبيه بري
TT

بري يتجنب مواجهة الأحزاب المسيحية في البرلمان.. والأزمة السياسية تتمدد

نبيه بري
نبيه بري

فاجأ رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري يوم أمس الاثنين أخصامه السياسيين الذين كانوا يتوقعون منه التصعيد والدعوة لجلسة تشريعية لا تحضرها معظم الأحزاب المسيحية المقاطعة للعمل التشريعي في ظل شغور سدة الرئاسة، بإعلانه تأجيل الدعوة لجلسة مماثلة والتمسك بمبدأ «الميثاقية» وإحالة المشاريع المتعلقة بقانون الانتخاب إلى اللجان النيابية سعيا لاتفاق حوله يسبق النقاش أو عملية التصويت داخل الهيئة العامة.
وقرر بري الذي يتفادى الإطلالات التلفزيونية ويقلل من المؤتمرات الصحافية عقد مؤتمر صحافي لإعلان قراره هذا، ما بدا مستغربا لكثير من السياسيين الذين حاولوا قراءة أبعاد الإطلالة وفحوى الحديث، خاصة أنّه يتزامن مع عودة تحريك الملف الرئاسي من خلال التداول بمخرج يقول بانتخاب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيسا للجمهورية لولاية سنتين فقط، علما بأن الدستور اللبناني ينص على أن ولاية رئيس البلاد 6 سنوات.
وكشف الوزير السابق المحسوب على فريق 8 آذار وئام وهاب، أن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي تقدّم إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت باقتراح مكتوب يقضي بانتخاب عون رئيسًا لمدة سنتين. إلا أن البطريركية المارونية قالت يوم أمس في بيان أن «وثيقة وهاب مختلفة عن تلك المقدمة من الراعي إلى هولاند، وبالتالي فهي ليست صحيحة». أما رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري فقال أن «ما يُطرح من مخارج لانتخاب رئيس للجمهورية لمدة سنتين أو أي مدة مختصرة أخرى، إنما يحتاج إلى تعديل دستوري، ونحن لسنا في وارد الموافقة على هكذا طروحات».
إلا أن أحدا لم يطرق أبواب الرابية (مقر إقامة عون) لمفاتحته بالموضوع، وهو ما يؤكده القيادي في «التيار الوطني الحر»، الوزير السابق ماريو عون، لافتا إلى أنه لم يصل إلى التيار أي اقتراح في هذا الصدد. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أصلا هذا الطرح مرفوض جملة وتفصيلا فأي انتخابات رئاسية يجب أن تراعي نصوص الدستور الذي يقول بولاية رئاسية من 6 سنوات»، مشيرا إلى أن كل نضالهم السياسي كان بهدف فرض احترام الدستور والقوانين، «فهل نخرج اليوم لنسف كل مراحل النضال؟ هذا أمر غير وارد». وأوضح عون أنّه يمكن اختصار وضع الانتخابات الرئاسية بعبارة «راوح مكانك»، لافتا إلى أن «مفتاح الرئاسة لا يزال لدى العماد عون، فإما أن يقتنع الفرقاء بذلك أو أن العقم مستمر والبلد من سيئ لأسوأ».
ويتلاقى موقف ماريو عون غير المتفائل مع موقف أطلقه نائب الأمين العام لما يسمى «حزب الله» نعيم قاسم قال فيه إنه «لم يحن وقت زمن التسويات حتى الآن»، مشيرا إلى أن «الأمور تتطلب بعض الوقت، أقله أشهرًا إلى الأمام وقد يتجاوز الأمر أكثر من سنة».
وينسحب الشغور المتمادي في سدة الرئاسة منذ مايو (أيار) 2014 على معظم مؤسسات الدولة وأبرزها مجلس الوزراء الذي باتت تكبله آلية عمله التي تنص حاليا على الإجماع، كما مجلس النواب الذي لم يعد قادرا على التشريع في ظل تمسك معظم الأحزاب المسيحية بعدم وجوب ممارسة النواب لعملهم وهم لم ينتخبوا بعد رئيسا لأنّهم بذلك يكرسون فكرة أن البلد قادر على الاستمرار برئيس أو من دونه.
وفيما يتمسك حزب «الكتائب» بهذه النظرية ويرفض أي طرح من حولها، يبدي تيار عون وحزب «القوات» بعض الليونة وهم أعلنوا إمكانية مشاركتهم بجلسة نيابية تحت عنوان «تشريع الضرورة»، شرط أن يتصدر جدول أعمالها بند قانون الانتخاب.
ويبدو أن رئيس المجلس النيابي لا يزال يتفهم موقف الأحزاب المسيحية لذلك قرر تأجيل الدعوة لجلسة سيعتبرها هؤلاء موجهة ضدهم، وارتأى إحالة 17 اقتراحا ومشروع قانون إلى اللجان النيابية للاتفاق على ماهية الدوائر والنظام الواجب اعتماده في القانون الجديد. ودعا بري خلال مؤتمره الصحافي لـ«العمل ليلا نهارا للخروج برؤية واحدة أو متقاربة أو محصورة»، وقال: «لن أدعو لجلسة قبل أن تنهي اللجان المشتركة عملها فيما خص قانون الانتخاب. هذا الموقف ليس تراجعا عن قناعاتي بل هو احترام لكم وحرصا على لبنان»، معتبرا أن «قانون الانتخاب كما البلد بحاجة إلى توافق».
يُذكر أن «لجنة قانون الانتخاب» التي كانت تضم ممثلين عن كل القوى السياسية فشلت وبعد أشهر من النقاش في التوصل إلى أي اتفاق حول رؤية موحدة حول قانون الانتخاب، وهو ما يطرح فعالية إعادة الملف إلى اللجان النيابية.
ووصفت مصادر في تيار عون القرار الذي اتخذه بري بعدم الدعوة لجلسة بغياب معظم المكونات المسيحية بـ«الصحيح جدا»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كنا ننتظر موقفا مماثلا من الرئيس بري وإلا غير ذلك كنا سنكون بإطار تصعيد سياسي نحن بغنى عنه».
بدوره، وصف النائب في تيار «المستقبل» محمد قباني قرار بري بـ«الحكيم»، لافتا إلى أن «أي جلسة كانت لتُعقد وفق المعطيات الحالية كانت ستؤدي لانقسام عمودي طائفي، لذلك قرر رئيس المجلس التمهل».
وأعرب قباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن «عدم تفاؤله بقدرة اللجان على التوصل إلى اتفاق بخصوص قانون الانتخاب، ما يعني أن الأزمة مستمرة». وأضاف: «ولعل أهم ما تطرق له الرئيس بري إشارته إلى موت فريقي 8 و14 آذار سريريا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.