دراغي: الانتقادات الألمانية تهدد استقلالية «المركزي»

«الأوروبي» يبقي على سعر الفائدة دون تغيير

دراغي: الانتقادات الألمانية تهدد استقلالية «المركزي»
TT

دراغي: الانتقادات الألمانية تهدد استقلالية «المركزي»

دراغي: الانتقادات الألمانية تهدد استقلالية «المركزي»

أثار اجتماع المركزي الأوروبي، ردود فعل، بعد اجتماع أمس لتحديد أسعار الفائدة، حيث أبقى على سعر مستوى الفائدة الرئيسية في دول منطقة اليورو عند مستوى صفر في المائة، على أن يبقى سعر الفائدة على الودائع (- 0.4)، وسعر الفائدة على الاقتراض الطارئ لليلة واحدة للبنوك عند 0.25 في المائة، وأبقى «المركزي» على برامج شراء السندات دون تغيير عند 80 مليار يورو شهريا.
ودافع رئيس المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، عن موقفه ضد الانتقادات الموجهة له من ألمانيا بشأن السياسة المالية للبنك.
وقال دراغي في رده على هذه الاتهامات أمس في اجتماع البنك في فرانكفورت بألمانيا: «لدينا تكليف بالحفاظ على استقرار الأسعار في منطقة اليورو وليس في ألمانيا وحدها، وهذا التكليف منصوص عليه في المعاهدات الأوروبية، نحن نتبع القانون الأوروبي، نحن مستقلون». وكان سياسيون من التحالف المسيحي الديمقراطي، الذي ترأسه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد زادوا ضغوطهم على البنك المركزي الأوروبي، واتهموه بأنه ينزع ملكية المدخرين من خلال سياسته المالية بالغة التحرر.
وأكد دراغي، أن جميع أعضاء مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي متفقون على ضرورة حماية استقلالية البنك، وعلى أن سياسته الحالية متناسبة مع الأهداف التي حددها البنك لنفسه.
وأشار إلى أن الهدف الأساسي للبنك هو الوصول بمعدل التضخم إلى 2.0 في المائة، وهو معدل بعيد بشكل كاف عن مستوى الصفر، حيث يعد البنك أن الانخفاض الشديد منذ أشهر عدة في معدل التضخم، خطر على النمو الاقتصادي، حيث يمكن أن تلجأ الشركات والمستهلكون لتأجيل شراء احتياجاتهم؛ انتظارا لانخفاض ثمنها قريبا.
ودافع رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي عن استقلالية مؤسسته، مشددا على أنها تلتزم «بالقانون وليس بالسياسات»، ردا على انتقادات متكررة صادرة من ألمانيا. وانتقد عدد من السياسيين الألمان السياسة النقدية التي تنتهجها المؤسسة ورأوا أنها متساهلة جدا، ولا سيما وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، الذي قال: إنها ساهمت في صعود حزب شعبوي ألماني جديد من اليمين المتطرف. وقال دراغي معلقا على انتقادات شويبله التي تناقلتها الصحف «لم يكن يفكر بما يقوله، أو أنه قال أمرا لم يكن يعنيه».
وأضاف: «كلما تم التشكيك بمصداقية البنك المركزي الأوروبي، هذا يؤخر اللحظة التي سيحقق فيها هدفه، وهذا ما يتطلب سياسة أكثر توسعا»؛ ما يعني ضمنا أن منتقدي المؤسسة المالية لا يخدمون مصالحهم؛ إذ يساهمون من خلال مواقفهم هذه في استمرار سياسة يرفضونها.
ونسبة الفائدة الرئيسية التي تعد مقياسا للإقراض في منطقة اليورو، بمستوى الصفر منذ الشهر الماضي؛ ما يعني أن كلفة القروض باتت شبه معدومة، وكذلك الاستثمارات لم تعد تأتي بأرباح، وأن أرباحها ضئيلة جدا؛ ما يعرّض البنك المركزي الأوروبي لانتقادات شديدة، وتحديدا في ألمانيا، البلد الذي يعطي أهمية كبيرة للادخار.
كذلك تحمل المصارف الألمانية بشدة على سياسة تحرمها من مصدر دخل كبير.
ودعا دراغي القطاع المصرفي إلى «مقاومة الميل إلى تحميل معدلات الفوائد المتدنية مسؤولية كل المشكلات»، مذكرا بأن «المصارف تحقق أيضا أرباحا كبيرة على السندات» التي يعيد البنك المركزي الأوروبي شراءها منها في إطار برنامج شراء الأصول الذي يطبقه.
وقالت نانسي كورتين، الرئيس التنفيذي لشركة كلوس برازرز لإدارة الأصول، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: إن «اقتصاد منطقة اليورو يبدو أقل اضطرابا مما كان عليه قبل 6 أسابيع». ورفض دراغي التكهن حول نتائج استفتاء خروج بريطانيا، مؤكدا أن وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي فيه «فائدة متبادلة» بين الطرفين، مطمئنا في الوقت نفسه إلى أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد ينطوي على خطر «محدود» على النهوض الاقتصادي لمنطقة اليورو.
وقال: «نرى أن وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي فيه فائدة متبادلة بين الطرفين، وسنواصل خلال الأسابيع المقبلة قول هذا الأمر». وأضاف أنه في حال قرر البريطانيون خلال الاستفتاء المقرر في 23 يونيو (حزيران) القادم، الخروج من الاتحاد الأوروبي فهل سيؤدي هذا الأمر إلى «تعريض النهوض الاقتصادي لمنطقة اليورو إلى الخطر؟ إن التقييم الذي أجرته طواقمنا يشير إلى أن خطر حدوث هذا الأمر محدود».
من ناحية أخرى، يرى رئيس البنك أن الشركات لن تتوقف عن الاستثمار في المنطقة بسبب الانتقادات الألمانية، قائلا: «إن النقاش الحيوي موضع ترحيب للمساعدة في تشكيل سياسة البنك، لكن هناك انتقادات من نوع معين يمكن أن تكون خطرا على استقلال البنك». وأكد أن البنك سيواصل سياسته، ولكن الانتعاش سيستغرق وقتا أطول إذا لم يتم تهديد استقلال البنك بتلك الانتقادات.
وقال رئيس البنك في المؤتمر الصحافي بعد الاجتماع، إنه لا يجب لوم انخفاض الأسعار على كل شيء: «فمن البديهي أن صناديق التقاعد وشركات التأمين تواجه تحديات انخفاض أسعار الفائدة»، فما زالت أوروبا تحتاج إلى سياسات مالية ملائمة للنمو، بما في ذلك السياسات «الصديقة» للنمو كخفض الضرائب والإنفاق العام والمزيد من الاستثمارات. وأوضح دراغي، أن التجربة مع أسعار الفائدة السلبية كانت إيجابية إلى حد كبير حتى الآن، فلم تعرض البنوك أو الدخول للخطر، غير أن البنك يحاول أن يتجنب تعقيدات الفائدة السلبية. مشيرا إلى أن سعر الصرف ليس هدفا للسياسة المالية، على الرغم من أنها عامل مهم في النمو التضخم.
وأشار دراغي إلى أن جميع المؤسسات غير المصرفية مؤهلة، بما في ذلك الشركات الأم للشركات التي تمتلك البنوك لشراء السندات من خلال الخطة التي أعلن عنها الشهر الماضي.
وقال دراغي إن «المخاطر على النمو في منطقة اليورو لا تزال تنذر (بالتراجع)، فيمكن أن تتحول معدلات التضخم إلى مزيد من المنطقة السلبية في الأشهر المقبلة؛ لأنها نتيجة لعدم اليقين في الاقتصاد العالمي». لكنه أصر أنه على ثقة من أن التضخم سيرتفع بعد ذلك لتحقيق هدف المركزي الأوروبي، واستشهد بأن الطلب على الإقراض المصرفي في تسارع.



«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
TT

«مؤتمر الأطراف الـ16» في الرياض يضع أسساً لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً

استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)
استطاع «كوب 16 - الرياض» تأسيس مسارات عالمية جديدة لمكافحة التصحر والجفاف (الشرق الأوسط)

بعد أسبوعين من المباحثات المكثفة، وضع «مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16)» لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الذي يعدّ الأكبر والأوسع في تاريخ المنظمة واختتم أعماله مؤخراً بالعاصمة السعودية الرياض، أسساً جديدة لمواجهة التصحر والجفاف عالمياً، حيث شهد المؤتمر تقدماً ملحوظاً نحو تأسيس نظام عالمي لمكافحة الجفاف، مع التزام الدول الأعضاء باستكمال هذه الجهود في «مؤتمر الأطراف السابع عشر»، المقرر عقده في منغوليا عام 2026.

وخلال المؤتمر، أُعلن عن تعهدات مالية تجاوزت 12 مليار دولار لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف، مع التركيز على دعم الدول الأشد تضرراً، كما شملت المخرجات الرئيسية إنشاء تجمع للشعوب الأصلية وآخر للمجتمعات المحلية، إلى جانب إطلاق عدد من المبادرات الدولية الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية.

وشهدت الدورة السادسة عشرة لـ«مؤتمر الأطراف» مشاركة نحو 200 دولة من جميع أنحاء العالم، التزمت كلها بإعطاء الأولوية لإعادة إصلاح الأراضي وتعزيز القدرة على مواجهة الجفاف في السياسات الوطنية والتعاون الدولي، بوصف ذلك استراتيجية أساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتكيف مع تغير المناخ.

ووفق تقرير للمؤتمر، فإنه جرى الاتفاق على «مواصلة دعم واجهة العلوم والسياسات التابعة لـ(اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر) من أجل تعزيز عمليات اتخاذ القرار، بالإضافة إلى تشجيع مشاركة القطاع الخاص من خلال مبادرة (أعمال تجارية من أجل الأرض)».

ويُعدّ «مؤتمر الأطراف السادس عشر» أكبر وأوسع مؤتمر لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» حتى الآن، حيث استقطب أكثر من 20 ألف مشارك من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم نحو 3500 ممثل عن منظمات المجتمع المدني. كما شهد المؤتمر أكثر من 600 فعالية ضمن إطار أول أجندة عمل تهدف إلى إشراك الجهات غير الحكومية في أعمال الاتفاقية.

استدامة البيئة

وقدم «مؤتمر الأطراف السادس عشر» خلال أعماله «رسالة أمل واضحة، تدعو إلى مواصلة العمل المشترك لتحقيق الاستدامة البيئية». وأكد وزير البيئة السعودي، عبد الرحمن الفضلي، أن «الاجتماع قد شكّل نقطة فارقة في تعزيز الوعي الدولي بالحاجة الملحة لتسريع جهود إعادة إصلاح الأراضي وزيادة القدرة على مواجهة الجفاف». وأضاف: «تأتي استضافة المملكة هذا المؤتمر المهم امتداداً لاهتمامها بقضايا البيئة والتنمية المستدامة، وتأكيداً على التزامها المستمر مع الأطراف كافة من أجل المحافظة على النظم البيئية، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي، والتصدي للجفاف. ونأمل أن تسهم مخرجات هذه الدورة في إحداث نقلة نوعية تعزز الجهود المبذولة للمحافظة على الأراضي والحد من تدهورها، وبناء القدرات لمواجهة الجفاف، والإسهام في رفاهية المجتمعات في مختلف أنحاء العالم».

التزامات مالية تاريخية لمكافحة التصحر والجفاف

وتطلبت التحديات البيئية الراهنة استثمارات ضخمة، حيث قدرت «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر» الحاجة إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030 لإصلاح أكثر من مليار هكتار من الأراضي المتدهورة. ومن بين أبرز التعهدات المالية خلال المؤتمر «شراكة الرياض العالمية لمواجهة الجفاف» حيث جرى تخصيص 12.15 مليار دولار لدعم 80 دولة من الأشد ضعفاً حول العالم، و«مبادرة الجدار الأخضر العظيم»، حيث تلقت دعماً مالياً بقيمة 11 مليون يورو من إيطاليا، و3.6 مليون يورو من النمسا، لتعزيز جهود استصلاح الأراضي في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك «رؤية المحاصيل والتربة المتكيفة» عبر استثمارات بقيمة 70 مليون دولار لدعم أنظمة غذائية مستدامة ومقاومة للتغير المناخي.

وأكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد: «عملنا لا ينتهي مع اختتام (مؤتمر الأطراف السادس عشر). علينا أن نستمر في معالجة التحديات المناخية؛ وهذه دعوة مفتوحة للجميع لتبني قيم الشمولية، والابتكار، والصمود. كما يجب إدراج أصوات الشباب والشعوب الأصلية في صلب هذه الحوارات، فحكمتهم وإبداعهم ورؤيتهم تشكل أسساً لا غنى عنها لبناء مستقبل مستدام، مليء بالأمل المتجدد للأجيال المقبلة».

مبادرات سعودية

لأول مرة، يُعقد «مؤتمر الأطراف» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أتاح فرصة لتسليط الضوء على التحديات البيئية الخاصة بالمنطقة. وضمن جهودها القيادية، أعلنت السعودية عن إطلاق 5 مشروعات بيئية بقيمة 60 مليون دولار ضمن إطار «مبادرة السعودية الخضراء»، وإطلاق مرصد دولي لمواجهة الجفاف، يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقييم وتحسين قدرات الدول على مواجهة موجات الجفاف، ومبادرة لرصد العواصف الرملية والترابية، لدعم الجهود الإقليمية بالتعاون مع «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية».

دعم الشعوب الأصلية والشباب

وفي خطوة تاريخية، أنشأ «مؤتمر (كوب 16) الرياض» تجمعاً للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية لضمان تمثيلهم في صنع القرار بشأن إدارة الأراضي والجفاف. وفي هذا السياق، قال أوليفر تيستر، ممثل الشعوب الأصلية: «حققنا لحظة فارقة في مسار التاريخ، ونحن واثقون بأن أصواتنا ستكون مسموعة»، كما شهد المؤتمر أكبر مشاركة شبابية على الإطلاق، دعماً لـ«استراتيجية مشاركة الشباب»، التي تهدف إلى تمكينهم من قيادة المبادرات المناخية.

تحديات المستقبل... من الرياض إلى منغوليا

ومع اقتراب «مؤتمر الأطراف السابع عشر» في منغوليا عام 2026، أقرّت الدول بـ«ضرورة إدارة المراعي بشكل مستدام وإصلاحها؛ لأنها تغطي نصف الأراضي عالمياً، وتعدّ أساسية للأمن الغذائي والتوازن البيئي». وأكد الأمين التنفيذي لـ«اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، إبراهيم ثياو: «ناقشنا وعاينّا الحلول التي باتت في متناول أيدينا. الخطوات التي اتخذناها اليوم ستحدد ليس فقط مستقبل كوكبنا؛ بل أيضاً حياة وسبل عيش وفرص أولئك الذين يعتمدون عليه». كما أضاف أن هناك «تحولاً كبيراً في النهج العالمي تجاه قضايا الأرض والجفاف»، مبرزاً «التحديات المترابطة مع قضايا عالمية أوسع مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والأمن الغذائي، والهجرة القسرية، والاستقرار العالمي»