حكومة جنوب السودان تتهم المتمردين بعرقلة اتفاق السلام

قلق دولي بسبب تأخر عودة مشار إلى جوبا لتشكيل حكومة وحدة

حكومة جنوب السودان تتهم المتمردين بعرقلة اتفاق السلام
TT

حكومة جنوب السودان تتهم المتمردين بعرقلة اتفاق السلام

حكومة جنوب السودان تتهم المتمردين بعرقلة اتفاق السلام

تبادلت حكومة جنوب السودان والمتمردون الاتهامات، أمس، بخصوص عرقلة عودة زعيم المتمردين، ريك مشار، إلى العاصمة جوبا، في الوقت الذي حذر فيه مراقبون من أن التأخير يعرض اتفاق السلام للخطر.
وكان من المقرر أن يعود مشار إلى جوبا في 18 من أبريل (نيسان) الجاري، لكن مسؤولين قالوا أول من أمس إنه تم تأجيل وصوله لأجل غير مسمى لاعتبارات «لوجيستية».
وكان مشار قد وقع مع خصمه الرئيس سلفا كير اتفاق سلام في أغسطس (آب) الماضي، بهدف إنهاء الصراع الذي استمر عامين وراح ضحيته الآلاف، وأجبر أكثر من مليوني شخص على ترك منازلهم. لكن تنفيذ الاتفاق لم يكن سلسا.
وقال مسؤول حكومي: «إن مشار تأخر لأنه أراد نقل كمية من العتاد والقوات إلى جوبا، تفوق ما تم الاتفاق عليه مع معسكر كير». فيما قال مشار: إن الحكومة تضع «العراقيل» أمام عودته.
وعلى إثر ذلك، عبرت الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي عن قلقهما بسبب الانتكاسة الأخيرة، كما عبرت اللجنة المشتركة للمراقبة والتقييم التي تراقب اتفاق السلام عن قلقها أيضا؛ إذ قال فيستوس موجاي، رئيس اللجنة، في بيان: إن «الاتفاق في خطر. فبعد أن اقتربنا إلى هذا الحد من تشكيل حكومة انتقالية للوحدة الوطنية يجب أن تكفل كل الأطراف حماية روح المصالحة والتسوية والحوار التي يجسدها الاتفاق».
وينص اتفاق تقاسم السلطة على أن يعود مشار إلى جوبا، ويؤدي اليمين الدستورية فورا لتولي منصب النائب الأول للرئيس. وقد عجل قرار كير الإطاحة بمشار من منصب نائب الرئيس سنة 2013 بنشوب الأزمة التي تحولت إلى صراع في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام. وقد دار القتال في أغلب الأحيان على أساس قبلي بين قبيلة الدنكا، التي ينتمي إليها كير، وقبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار. ورغم اتفاق السلام الموقع فإنه قد اندلعت اشتباكات متفرقة، تبادل الجانبان فيها الاتهامات بالمسؤولية عنها.
وأمس، عبرت المجموعة الدولية عن قلق شديد إزاء عملية السلام في جنوب السودان، بعد التأخر المتكرر لزعيم المتمردين رياك مشار للعودة إلى العاصمة جوبا، واعتبرت في بيان نشره مساء أول من أمس الرئيس البوتسواني السابق فيستوس موغاي، الذي يترأس لجنة المراقبة والتقييم لاتفاق السلام، أن «الاتفاق أصبح في خطر».
وقد أرجا مشار مرتين وصوله إلى جوبا، متحدثا عن «مشاكل لوجستية وإدارية»، فيما قالت حركة التمرد إنه لا يزال مصمما على العمل من أجل السلام.
وتعد عودة مشار إلى جوبا شرطا لا بد منه لإنهاء الحرب الأهلية التي أوقعت عشرات آلاف القتلى، وتسببت في تشريد أكثر من 2.3 مليون شخص. ولا يزال الغموض يلف بالأسباب التي حالت دون مجيء مشار إلى جوبا منذ بدء النزاع، في وقت لا يزال فيه الطرفان يتبادلان المسؤولية عن ذلك.
وبحسب التمرد، فإن التأخر ناجم عن صعوبة الحصول على إذن بالطيران لرئيس هيئة أركان المتمردين سايمون غاتويك دوال، الخاضع لعقوبات دولية. لكن الحكومة تقول إن «مشار طلب المجيء برفقة 200 جندي وأسلحة إضافية، بما يخالف اتفاق السلام».
وفي هذا السياق، قال وزير الإعلام مايكل ماكوي، أول من أمس: «إنه مأزق، وهذا الأمر يؤخر من دون أي شك تطبيق اتفاق السلام. والسؤال المطروح هو: كم من الوقت سيكون علينا انتظار رياك مشار؟».
ودعا موغاي الرجلين إلى إبداء «مرونة»، والعمل بشكل مشترك «بروحية مصالحة»، وعبر عن أمله في أن تكون عودة مشار مقررة في الأيام المقبلة «من دون أي شروط أخرى».



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.