لم تكن الروايات المسرّبة عن تورّط أكبر شبكة للدعارة السرّية والاتجار بالبشر في لبنان، إلا عينة عن فظائع ارتكبها أعضاؤها، وفكّك خيوطها قرار قضائي، كشف خطورة الجرائم التي اقترفها أفراد الشبكة الممتدة سطوتهم ما بين سوريا والعراق ولبنان، وتمكنت من خطف واحتجاز 75 فتاة غالبيتهم من الجنسية السورية، وإجبارهن على ممارسة الدعارة بالقوة وتحت وطأة الضرب والتعذيب والتهديد بالقتل.
واتهم القرار القضائي 22 لبنانيًا وسوريًا بتأليف هذه الشبكة، بقيادة السوري عماد ريحاوي (فار من العدالة) واستغلال الفتيات في أعمال الدعارة بعد استدراجهنّ وتعذيبهنّ، مؤلفين بذلك شبكة أكبر شبكة للاتجار بالبشر والدعارة وإجهاض الفتيات اللواتي يحملن نتيجة ممارسة الجنس معهن رغم إرادتهنّ، وطلب إنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بحقهم.
القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق في جبل لبنان بيتر جرمانوس، أفاد أن خيوط هذه الجريمة «تكشفّت في 26 مارس (آذار) الماضي عندما تبلغ آمر مفرزة استقصاء جبل لبنان الملازم أوّل سامر سليمان، بوجود فتيات في ضاحية بيروت الجنوبية أقدمن على الفرار من مدينة جونية، بعدما كنّ محتجزات داخل أحد الملاهي منذ مدّة طويلة، وكان يتم إرغامهنّ على ممارسة أعمال الدعارة بالقوة والضرب من قبل أفراد الشبكة».
تم استحضار الفتيات إلى مركز المفرزة المذكورة (يقول القرار)، فتبين أنّهنّ تعرضن بالفعل للضرب والاحتجاز والتعذيب وحجز حريتهن، وإرغامهنّ على ممارسة أعمال الدعارة داخل ملهى «شي موريس» و«سيلفر.ب» من قبل رئيس الشبكة السوري عماد الريحاوي، وعدد من المدعى عليهم الذكور الذين يعملون كحرّاس خارج الملهى، وإناث يعملن مراقبات بداخله، حيث يقومون جميعهم باستحضار الفتيات من سوريا والعراق إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية، بعد إيهامهن بالعمل في مجالات شرعية، وفور وصولهن إلى الملهى يتم احتجازهنّ واغتصاب العاصيات منهنّ، واحتجاز أوراقهن وإرغامهن بالقوة والضرب على ممارسة الجنس مع الزبائن حتى من دون استخدام واقٍ ذكري ووفق مطالب الزبون، وفي حال خالفت الفتاة أوامر العصابة كان يتمّ تأديبها عن طريق جلدها أمام باقي رفاقها في الرحلة إلى جهنّم». وتحدث القرار القضائي عن «خطّة بوليسية مُحكمة وضعت بإشراف النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم، للإطباق على الشبكة وتوقيف جميع أفرادها، مع الأخذ بالاعتبار أن بعض الحراس يحملون أسلحة حربية، وللحؤول دون إمكانية تهريب الفتيات المحتجزات إلى جهة مجهولة، والقبض على المجرمين وتحريرهنّ من قبضتهم».
أما في الجانب المتعلّق بإفادات الفتيات الهاربات وهنّ «فاطمة.ن»: «هدى.م»: «يسرى. ب»: «أماني.ع»: «نصرة. ه»: «نغم. خ»: «سحاب. م»: «روان. ج»: «إحسان. ع» و«ولاء. ف»، فروين كيفية استدراجهنّ إلى لبنان عبر معابر شرعية وغير شرعية، حيث قبلن بالانتقال إلى لبنان هربا من الحرب في سوريا للعمل بشكل شرعي، قبل أن يقوم ريحاوي باحتجازهنّ ليلا ونهارا داخل الملهى، رغما عن إرادتهن وحجز أوراقهن الثبوتية وهواتفهنّ الخلوية وإرغامهن على العمل في الدعارة دون مقابل، إذ كان يقوم حتى باسترداد الإكراميات منهن مستعملا شتّى أعمال العنف بحقهنّ بما فيه أعمال الجلد الوحشية يساعده في ذلك حارسات إناث، يعملن تحت أسماء مستعارة هي «نور» «شهد» و«روعة»، ويقبضن الأموال من الزبائن ومنهنّ المدعى عليهن «جوزة.ح» «دلال.د» «أماني.ح» «رقية.ح» «ريم.أ» و«فاطمة.ج»، وحراس ذكور منهم المدعى عليهم: «إبراهيم.ع» «يوسف.ب» «أمجد.س» «محمد.ش» «فرزات.م» «نوّار.س» «محمد.ق» و«زياد.ش». كما أنّ المدعى عليه «غيّاث.د» كان يقوم بمرافقة عماد ريحاوي في معظم تنقلاته ويُحضر الفتيات من سوريا والعراق وحتى من لبنان إلى الملهى المملوك من «موريس.ج» وعماد ريحاوي.
وذهبت أقوال الفتيات الضحايا، إلى سرد وقائع «إرغام كل واحدة على ممارسة الدعارة بمعدل يفوق العشر رجال في اليوم الواحد، لقاء بدل مالي يتراوح بين 50 ومائة ألف ليرة لبنانية (ما بين 33 و66 دولارا أميركيا)، كان يتم تقاضيه من قبل الحارسات بما فيه الإكراميات التي تعطى للفتيات ويتم انتزاعها منهن».
وتطرق القرار إلى إفادة المدعية «ليلى.ح» التي قالت إن زوجها باعها إلى المدعى عليه «مدين» الملقّب بـ«صدام» الذي باعها بدوره إلى عماد ريحاوي مقابل مبلغ 4500 دولار أميركي، وقد استثمرها الأخير في عمليات الدعارة، وكان يجبرها على ممارسة الجنس مع الزبائن من دون مقابل.
ولم تقف جريمة الشبكة عند حدود استغلال الضحايا في الدعارة، حيث «تبيّن أنّ الفتيات اللواتي يحملن عن طريق الخطأ كان يتمّ إجهاضهن في عيادة الطبيب رياض.ب» في الدكوانة مقابل مبلغ مالي يتراوح بين مائتي و300 دولار عن كل عملية إجهاض، يعاونه في ذلك طبيب البنج المتهم «جورج.أ» والممرضة «جيزيل.أ» بعد أن ينقلهنّ «غياث.د» وأحيانا أخرى عماد ريحاوي برفقة الحرّاس. وقد اعترف «غياث» أنّه يعمل في مجال الدعارة في أحد الفنادق في ساحل كسروان (جبل لبنان)، كذلك اعترف باستدراج فتيات سوريات وإدخالهن إلى لبنان بطريقة غير شرعية، وكان يبيعهن إلى عماد ريحاوي وعلي زعيتر مقابل 2500 دولار عن كلّ فتاة يجري اختيارها».
وخلص القرار الظني الذي أصدره القاضي بيتر جرمانوس، إلى اتهام للمدعى عليهم «موريس. ج» «إبراهيم. ع» «جعفر. س» «يوسف. ب» «أحمد. س» «محمد. ش» «فرزات. م» «علي. ح» «نوار. س» «غياث. د» «محمد. ق»، زياد. ش» «جوزة. ح» «دلال. ع. د» «أماني. ح» «رقية. ر» «ريم. أ» «فاطمة. ج» «مدين. ح» «إلياس. أ. ر»: «فواز. ح» وعماد محمود ريحاوي، بجرم «الاشتراك فيما بينهم على استغلال الفتيات في أعمال الدعارة بعد استدراجهنّ وتعذيبهنّ، مؤلّفين بذلك شبكة للاتجار بهنّ والتدخل في إجهاض بعضهن».
وطلب إنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بالمدعى عليهم المذكورين، فيما طلب عقوبة السجن 5 سنوات على الأقل للطبيب «رياض. ع» والممرضة «جيزيل.أ»، وأحالهم جميعا للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان. وأمر بتسطير مذكرة تحرٍّ دائم لمعرفة كامل هوية طبيب البنج «جورج.أ». وأحال الملف مع الموقوفين على محكمة جنايات جبل لبنان لمحاكمتهم.
قرار قضائي يكشف خفايا أكبر شبكة للدعارة والاتجار بالبشر في لبنان
اتهام 22 شخصًا بخطف واحتجاز فتيات سوريات وإرغامهن على الرذيلة
قرار قضائي يكشف خفايا أكبر شبكة للدعارة والاتجار بالبشر في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة