تتجه المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي نحو تأسيس تحالف استراتيجي، وذلك على ضوء التحول النوعي الذي ميز التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني رفيع المستوى بين دول الخليج والمغرب.
ويأتي انعقاد القمة السعودية - المغربية - الأميركية بمشاركة الملك محمد السادس في الرياض، من أجل بناء شراكة استراتيجية نموذجية ومتعددة الأبعاد بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، من أجل مواجهة التحديات والتهديدات التي تعرفها المنطقة العربية.
في هذا السياق، قال عبد الرحيم منار السليمي رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات لـ«الشرق الأوسط» أن هناك ثلاث قراءات للقمة المغربية - الخليجية، القراءة الأولى تتمثل في علاقة بين دولة خارج التكتل الإقليمي المتمثل في مجلس التعاون الخليجي، وعد ذلك نموذجا جديدا للتحالف والشراكة الاستراتيجية في العالم العربي. أما القراءة الثانية فإن القمة تشكل نموذجا جديدا للعمل العربي المشترك والتحالف الاستراتيجي بعيدا عن القمم العربية الكلاسيكية التي لم تعد تعطي نتائج.
أما القراءة الثالثة للقمة، حسب السليمي، فهي أن الأمر يتعلق بتحالف استراتيجي وشراكة استراتيجية تتضمن أهدافا للتكامل، ومحاولة احتواء المخاطر الناجمة عن التطورات المتسارعة في النظام الدولي والمخاطر المرتبطة بالنظام الإقليمي كذلك.
وأوضح المحلل السياسي المغربي أن القمة تسعى إلى «احتواء الاختراقات التي تحاول ضرب استقرار العالم العربي، عن طريق قوى غير عربية والمقصود بها إيران»، إلى جانب بناء تحالف استراتيجي لتقليص مخاطر التهديدات الإرهابية الناتجة عن مشكلات مرتبطة بالنظام الدولي ككل.
وأشار السليمي إلى أن القمة الخليجية – المغربية «تفتح فرصا للتكامل بعيدا عن عائق العامل الجغرافي، فهي تقدم نموذجا للتعاون الدولي من داخل العالم العربي يتجاوز المعيقات الجغرافية بين دولة وتكتل إقليمي».
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت القمة تمثل تحولا في السياسة الخارجية المغربية، قال السليمي، إن القمة تعبر عن تحول في السياسة الخارجية المغربية التي باتت تعتمد على بناء تحالفات مع عمقها الاستراتيجي المتمثل في دول الخليج، حيث نلاحظ أن هناك تطورا كبيرا على هذا المستوى منذ 2011، وتوقع أن يمتد هذا التحالف الاستراتيجي على المدى البعيد، مشددا على أن الأمر يتعلق بـ«تجاوز ميكانيزمات العمل القديم في السياسة الخارجية للمغرب إلى ميكانيزمات جديدة تضع ضمن أهدافها الرئيسية دحض المخاطر الإرهابية، وفتح الفرص في المجال الاقتصادي».
فالقمة، يضيف السليمي، لها مجموعة من الأهداف على رأسها الهدف الأمني، فـ«المغرب ودول الخليج باتوا يشكلون عمقا استراتيجيا واحدا وأمنا قوميا واحدا»، كما أن القمة تهدف إلى التنسيق بشأن المواقف السياسية فيما يتعلق ببعض القضايا العالمية، ثم التحرك الاستراتيجي للحد من كل المخاطر التي تحيط بالعالم العربي.
وأوضح السليمي أن البعد الاقتصادي يحضر بشكل كبير في القمة، على اعتبار أن المغرب بحاجة إلى مساعدة اقتصادية وإلى استثمارات، وفي المقابل فإن دول الخليج بحاجة إلى تنويع اقتصادها خارج النفط، باستثمارات داخل منطقة مستقرة هي المغرب الذي يوفر هذه الجاذبية الاقتصادية والاستثمارية لدول الخليج.
من جهته، قال النائب محمد المهدي بن سعيد رئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) إن المشاركة الشخصية للملك محمد السادس في القمة إلى جانب الوفد المهم الذي رافقه، والذي يضم عددا من مستشاريه، ووزير الخارجية صلاح الدين مزوار، يدل على أن القمة تكتسي أهمية بالغة للمغرب، مشيرا إلى أن السعودية تعد من أقوى الحلفاء الاستراتيجيين لبلاده.
وأضاف النائب بن سعيد أن هناك انتظارات كثيرة من القمة تتمثل في تقوية حجم الاستثمارات الخليجية في المغرب، مشددا على أن علاقة المغرب مع دول الخليج كانت دائما جيدة سواء في الماضي أو الحاضر، وتوقع أن تزداد متانة في المستقبل. وردا على سؤال بشأن أهمية انخراط المغرب في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي تقوده السعودية، قال بن سعيد إن المغرب كان دائما يحارب الإرهاب، وأن التحالف جاء بعدما تراجع دور أميركا في محاربة الإرهاب، مما دفع دول الخليج إلى تولي هذه المهمة لدرء الأخطار المحدقة بالمنطقة. موضحا أن مشاركة المغرب في التحالف أمر طبيعي، لأن أي تهديد يتعرض له حلفاؤه في الخليج سيكون له أثر عليه أيضا.
ولفت بن سعيد إلى أنه كان من المؤمل أن تكون هناك قوة مغاربية تضم المغرب والجزائر وتونس للتصدي للخطر الإرهابي الذي يهدد ليبيا، لكن بما أن ذلك لم يتحقق فمن الطبيعي أن يتوجه المغرب إلى حلفائه العرب الآخرين.
من جهته، قال الحسان بوقنطار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس، لـ«الشرق الأوسط» إن القمة الخليجية - المغربية تمثل نقلة نوعية على مستوى الشراكة الاستراتيجية التي تربط المغرب بدول الخليج، مشيرا إلى أن ما يميز القمة أيضا هو اجتماع قادة دول الخليج مع زعيم عربي خارج دول مجلس التعاون، وهو دليل على أن العلاقات المغربية - الخليجية ومنذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم ازدادت متانة وصلابة وقد خرجت هذه العلاقات- يضيف بوقنطار- من المستوى الوجداني العاطفي إلى سياسات واستراتيجيات ملموسة، فعلى المستوى الاقتصادي يلاحظ تنامي مشاركة دول الخليج في المشاريع الاقتصادية الكبرى للمملكة. أما على المستوى السياسي يقول المحلل المغربي فإن العلاقات بين المغرب ودول الخليج ازدادت متانة، لا سيما بانخراط المغرب في مواجهة المخاطر الإرهابية، حيث أصبح شريكا أساسيا في هذا المجال، وانضم إلى التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
وأوضح بوقنطار أن المغرب يشاطر دول الخليج مخاوفها من انتشار المد الشيعي الذي تقف وراءه إيران، وما يمثل ذلك من تهديد لاستقرار المنطقة، مشددا على «أنه ورغم البعد الجغرافي فإن العلاقات المغربية الخليجية تسير في خط متصاعد في عدة مجالات»، متوقعا أن تعمق هذه القمة هذا التوجه والخروج بقرارات تؤكد على التحالف القوي الذي يجمع بين الطرفين في كل المجالات.
القمة الخليجية ـ المغربية نموذج شراكة يتجاوز معيقات الجغرافيا
محللون: الرباط تشاطر دول الخليج مخاوفها من انتشار المد الشيعي والتهديدات الإرهابية
القمة الخليجية ـ المغربية نموذج شراكة يتجاوز معيقات الجغرافيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة