بينما قال مرصد الأزهر إن السياسات الغربية تُشكل عقبات كبرى في مسار مُكافحة الإرهاب في المنطقة، ولا يمكن الوثوق بأي سبيل للخروج من الأزمة ما لم تعدل القوى الكبرى مسارها، وتنصت لنصائح حكماء الشرق والغرب، أفتى الأزهر بأن «تفنن التنظيمات الإرهابية والمُتطرفة في ابتكار أدوات التفجير لقتل المسلمين أو غير المسلمين أو تعريض حياتهم للخطر، (فجور)». في غضون ذلك، قالت مصادر بالأزهر إن «الأحداث الإرهابية المُتكررة التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي من وقت لآخر، تجعل العالم الإسلامي والعربي أمام تحد مُتزايد لنقل صورة الإسلام الصحيحة أمام العالم.
وقالت اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر في تقرير لها، إن مصطلح «التفجير» ممدوح شرعًا في الإسلام لأنه يستعمل للبناء والتعمير وخلق أسباب الحياة، وهو بهذا المعنى ممدوح شرعًا، لأنه يحافظ على بقاء النوع الإنساني ويحقق مقصود الشرع في إحياء الخلق. وأضافت اللجنة في تقرير لها بعنوان «مصطلح التفجير بين ثقافة التعمير وثقافة التدمير في ضوء الكتاب والسنة»، أن مصطلح التفجير لم يُستعمل في الإسلام قط للتدمير أو قتل الإنسان أو إتلاف الأموال وهدم البناء، لأن ذلك لون من ألوان الفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد، فكان التفجير بهذا المعنى مذمومًا شرعًا. وأكدت اللجنة أن التفجير الممدوح شرعًا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، لوجدنا أن ثقافة التفجير فيهما إنما تقوم على استخراج الطاقة من باطن الأرض للتعمير وتوفير مقومات الحياة من مياه ومعادن وبترول.. والنصوص القرآنية خير شاهد على ذلك، إما صراحة، أو ضمنًا، فأصل التفجير في القرآن إخراج الماء من باطن الأرض لسقي الزرع والثمار والإنسان والحيوان انطلاقًا من قوله تعالى: «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، فأسباب الحياة بهذه الآية، إنما تعتمد على استخراج الطاقة المائية والانتفاع بها، وكذلك مضمون قوله تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها».. فاستعمركم: أي مكنكم من طاقات الأرض ومنها عنصر الطاقة المائية، لديمومة التعايش وخلق أسباب الرزق لتنعم الحياة. وتابع تقرير الأزهر: أما النوع الآخر من التفجير هو المذموم شرعًا، وأنه إذا كان مصطلح التفجير في النص القرآني جاء في سياق غرس الخير وتوفير أسباب الحياة وإحياء النفس الإنسانية، فإن استخدامه للفساد في الأرض وتدمير مُقومات الحياة مذموم شرعًا، لأنه يناقض مقصود الشرع في إحياء النفس، «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا».
مضيفًا: «من تفنن في ابتكار أدوات التفجير لقتل المسلمين أو غير المسلمين أو عرض حياتهم للخطر وأتلف أموالهم ودمر بنيانهم، فإن فعله حينئذ من الفجور، أي الخروج عن طاعة الله»، ويقال: «فجر» بمعنى «فسق».. أي خرج عن الشرع والملة وبات منافقًا يُخادع الناس فلا يؤمن جانبه. لافتًا إلى أن القرآن والسنة جرما من اتخذ الدين وسيلة للفساد في الأرض، فقتل ودمر وأتلف وخرب ثم نسب نفسه إلى الإسلام، وهو كذب مُتعمد على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل يبغض التدمير والفناء ويحب الحياة والبقاء. وأضاف تقرير اللجنة الشرعية التابعة لمرصد الأزهر، أن «من استخدم أدوات التفجير لقتل النفس أو الفساد في الأرض، فكأنه فتح الباب لقتل الناس جميعًا، وأعان على هلاك الحرث والنسل وليس من مفردات الثقافة الإسلامية قتل الناس دون حق أو هلاك الحرث والنسل دون مسوغ شرعي»، مشيرًا إلى أن الذي يتسلل بين الآمنين في ديار الإسلام وغيرها في حال السلم ليقتل أو يدمر ويزعم أنه من أهل «الجهاد» هو كاذب على الله، وقد خان العهد في المسلمين وأفسد الأمان للمستأمنين.. وهو قد فجر في خصومته فحول بنيان الإنسان إلى أشلاء، بعد أن بناه الله وقومه وحسنه وركبه فقوى بنيانه ليشد بعضه بعضًا.
في سياق آخر، قال مرصد الأزهر إن «الإرهاب العالمي الذي نواجهه الآن والذي يُشن باسم الإسلام، هو في جزء كبير منه نتاج لعدة عوامل متشابكة، وقد يكون من الصعب تفكيك كل عامل من هذه العوامل على حدة، لكن الأمر الذي بات واضحًا للجميع أن السياسات الدولية الكبرى لها دور كبير - إن لم يكن الدور الأكبر - في صناعة هذا الإرهاب»، لافتًا إلى أن أسباب انضمام الشباب المسلم الغربي لـ«داعش» وما شابهه، هو محاولة الثأر لما يجري لإخوانهم في البلدان المسلمة نتيجة هذه السياسات.
وأضاف المرصد في تقريره، أن السياسات الخارجية تُشكل عقبات كبرى في مسار مكافحة الإرهاب في المنطقة، ولا يمكن الوثوق بأي سبيل للخروج من الأزمة، ما لم تعدل القوى الغربية من مسارها، وتنصت لنصائح حكماء الشرق والغرب. واستشهد المرصد بكلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في مؤتمر «حكماء الشرق والغرب» بإيطاليا في يوليو (تموز) الماضي، حينما قال: «لدينا أمل كبير في أن تتوقف الدول القادرة الغنية عن الاستبداد والتحيز والكيل بمكيالين (مكيال للغرب وآخر للشرق) عن سياساتها التسلطية على الضعفاء والمستضعفين».
وتساءل مرصد الأزهر: «هل أخطأت هذه السياسات في تقدير الموقف؟ أم أنها بالفعل تقصد ذلك لخلق مبدأ (الفوضى الخلاقة) الذي يضمن لهذه القوى الدولية الاحتفاظ بقوتها مقابل تفكيك الآخرين؟ أم أنها كانت تعمل وفق استراتيجية (صناعة العدو) من أجل تعقيد الموقف واستحالة التوصل لحل جذري، ومن ثم الدخول في دائرة مغلقة من الصراعات»؟
من جانبها، أوضحت المصادر في الأزهر أن «داعش» يسعى لتخريج جيل جديد من المواطنين الأوروبيين القتلة الذين لا يحبون إلا رؤية مشاهد الدماء القتل والذبح. مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا لم تتوحد جهود المجتمع الدولي للتصدي لأفكار وسلوك (داعش) الإرهابي، فلن يتوقف عناصره عن جرائمهم البشعة».
وقال مرصد الأزهر في تقريره أمس، إن «الدين الإسلامي يتعرض لحالة من (القرصنة) من مُختلف النواحي، إذ تعمد الجماعات المُتطرفة لاجتزاء النصوص وإخراجها من سياقها بما يتماشى مع أهداف هذه الجماعات ومصالحها، إلا أنه لا يمكن الحكم على الدين من خلال بعض المتطرفين والمغيبين عن تعاليمه».
وأضاف تقرير المرصد أن «الغالبية العظمى من المسلمين لا تؤمن بهذه الأفكار، بل تعارضها وتنكرها.. لذلك فنحن أمام فكر دخيل على الثقافة الإسلامية السائدة، مما يستدعي تكاتف الجهود ليس فقط لمحاربة هذه الجرائم، بل لنشر الفهم الصحيح للإسلام الذي جاء في أصل دعوته رحمة العالمين».
مرصد الأزهر: سياسات الغرب عقبة في طريق مكافحة الإرهاب
قال إن تفنن التنظيمات المُتطرفة في ابتكار أدوات للقتل يعد «فُجورًا»
مرصد الأزهر: سياسات الغرب عقبة في طريق مكافحة الإرهاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة