المخاوف الأمنية تغير مسارات السياحة هذا العام

هجرة من مصر وتونس وتركيا وإقبال على أوروبا

من معالم مدينة البندقية الإيطالية
من معالم مدينة البندقية الإيطالية
TT

المخاوف الأمنية تغير مسارات السياحة هذا العام

من معالم مدينة البندقية الإيطالية
من معالم مدينة البندقية الإيطالية

تشهد وجهات السياحة العالمية تغيرًا جذريًا هذا العام سوف ينتج عنه هجرة جماعية لمواقع تقليدية مثل مصر وتونس وتركيا، وإقبال متزايد ومكثف على المواقع التي يعتبرها السياح آمنة نسبيًا وهي كلها في أوروبا. وتحذر شركات السياحة في أوروبا من أن عدم حجز عطلات الصيف في وقت مبكر هذا العام سوف يعني عدم وجود أماكن شاغرة في المواقع الأوروبية التي تشهد إقبالا استثنائيا.
هذه التحولات الجذرية في توجهات السياح هذا الصيف ناتجة عن التهديدات التي يطلقها تنظيم داعش الإرهابي من ناحية، والهجمات الإرهابية التي وقعت في مصر وتونس وأسفرت عن مقتل عشرات السياح سواء في سقوط الطائرة الروسية أو في مذبحتي الشاطئ والمتحف في تونس.
وتقدر شركة «أدفانتاج ترافيل» في لندن أن نسبة الإقبال على المواقع الأوروبية المختلفة تزيد هذا العام بنسبة 30 في المائة على الأقل عن نسبة الحجوزات في هذا الوقت من العام الماضي. وتتوقع الشركة أن يؤدي هذا الإقبال إلى بلوغ السعة القصوى للمنتجعات الأوروبية قبل نهاية الربيع، مما يعني عدم وجود أماكن للحجز المتأخر لمن يريد عطلة صيفية هذا العام في هذه المواقع.
وفي بعض المواقع، ومنها قبرص، وصلت معدلات الحجز إلى 42 في المائة أعلى مما كانت عليه في العام الماضي. ويحذر أصحاب الفنادق من أن الحجز المبكر مطلوب هذا العام لأن الحصول على مواقع شاغرة بعد عدة أشهر قد يكون أقرب إلى المستحيل.
وبدأت بالفعل بعض الصعوبات في الحجز في بعض المواقع المشهورة في فرنسا التي تضاعفت نسبة الحجوزات فيها. كما تشهد المواقع السياحية الجديدة في مناطق مثل كرواتيا ومونتينيغرو وسلوفينيا إقبالا غير مسبوق.
ويزيد من المنافسة على الأماكن السياحية المحدودة في المواقع الأوروبية دخول شركات السياحة الروسية في سباق الحجز للسياح الروس الذين غيروا وجهاتهم السياحية من شرم الشيخ وشمال أفريقيا وتركيا. وتمنع السلطات الروسية في الوقت الحاضر شركات السياحة والطيران من السفر إلى المطارات المصرية، كما توجد مقاطعة غير رسمية للسياحة التركية عقب إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية على الحدود مع سوريا.
* إقبال على المنتجعات الإسبانية
وزاد الإقبال على المنتجعات الإسبانية الشعبية التي كان السياح يتجنبونها في السنوات الماضية مثل شواطئ بنيدورم وكوستا ديل سول، وهي مواقع تشهد إقبالا في الحجز زاد هذا العام بنسبة 60 في المائة. كما أشارت مواقع سياحية داخلية في بريطانيا إلى أن المزيد من الحجوزات تأتي هذا الصيف من سياح مواطنين لا يرغبون في السفر الدولي ويفضلون قضاء العطلات في مصايف محلية.
وكانت شركات الطيران البريطانية مثل «إيزي جيت» والخطوط البريطانية قد علقت رحلاتها إلى شرم الشيخ حتى تكتمل تقارير السلامة المتعلقة بالسفر الجوي إلى المطار وفوق سيناء. كما تبعتها شركات السياحة الأخرى مثل تومسون ومونارك وتوماس كوك. وما زالت روسيا تحظر السفر إلى كل المطارات المصرية حتى إشعار آخر.
ولكن حتى بعد عودة هذه الشركات لاستئناف رحلاتها إلى شرم الشيخ والمطارات المصرية، فإن الإقبال السياحي عليها قد يتأجل حتى يتعزز مرة أخرى الشعور بالسلامة فيها. ويشعر السياح الأوروبيون هذا العام بأن الكثير من الوجهات السياحية لم تعد آمنة وهم يعطون الأولوية في السفر إلى وجهات لا تمثل خطرا على حياتهم.
وتصدر وزارة الخارجية البريطانية تحذيرات دورية حول المواقع الخطرة تستند إليها شركات السياحة في تقدير الأخطار. ولكن الإعلام البريطاني يقسم هو الآخر العالم إلى مناطق حمراء خطرة وأخرى صفراء أقل خطورة وبيضاء آمنة. وتعد تركيا وتايلاند ومنطقة شمال أفريقيا من المناطق الحمراء باستثناء المغرب الذي يكتسب اللون الأصفر كدرجة مخاطر أقل.
ويتساوى المغرب بذلك مع دول مثل ألمانيا والسويد وبريطانيا وإيطاليا والبوسنة واليونان، وهي جميعا تمثل نسب مخاطر متوسطة.
وهناك مناطق قد يعتبرها البعض آمنة ولكنها عالية المخاطر في تصنيف الإعلام البريطاني، ومنها أستراليا وإندونيسيا والهند وماليزيا.
المناطق التي يعتبرها الإعلام البريطاني قليلة المخاطر تشمل في أوروبا سويسرا والبرتغال وآيرلندا، وفي جنوب شرقي آسيا كل من فيتنام ولاوس بالإضافة إلى نيوزيلندا وفيجي وبربادوس في البحر الكاريبي وغامبيا في أفريقيا.
وفي تعريف وزارة الخارجية البريطانية هناك خمس دول تحتل قمة لائحة الدول عالية المخاطر هي مصر وتونس وتركيا وفرنسا وإسبانيا. وتدخل ضمن دول المخاطر المتوسطة كل من ألمانيا وإيطاليا واليونان بينما تقل المخاطر في البرتغال وبلغاريا وكرواتيا والنمسا. وتقل المخاطر إلى أقصى درجة في سويسرا.
وتقسم وزارة الخارجية البريطانية مصر إلى ثلاثة أقسام من حيث المخاطر، وإن كانت تعتبر السفر إلى مصر حاليا عالي المخاطر بصفة عامة. وتعد منطقة وادي النيل بما فيها القاهرة وساحل البحر الأحمر من أقل المناطق خطرا، ويليها في درجة المخاطر مناطق الصحراء الغربية وجنوب سيناء. أما منطقة شمال سيناء فهي منطقة محظور السفر إليها.
وتضيف الوزارة أن هناك ما يقرب من 900 ألف سائح بريطاني يذهبون إلى مصر سنويا وتنتهي رحلاتهم بلا متاعب. وهي تحذر من أن مجموعات إرهابية ما زالت تخطط هجمات ضد قوات الشرطة والجيش والسياح في مصر.
وتدخل فرنسا أيضًا ضمن التصنيف الخطر وفقًا لوزارة الخارجية البريطانية نظرا لدخول فرنسا في صراع ضد «داعش» في سوريا والعراق. وتعرضت فرنسا إلى كثير من الهجمات الإرهابية بداية من الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» وحتى الهجوم الموسع الأخير الذي أسفر عن 130 قتيلا. ومع ذلك، وعلى رغم التحذيرات، يزور فرنسا سنويا نحو 17 مليون بريطاني معظم يتمتع بعطلته ولا توجد شكاوى إلا من عمليات سرقة ونشل.
وتعتبر وزارة الخارجية البريطانية لبنان من المناطق عالية المخاطر أيضًا، وبه الكثير من المناطق المحظور زيارتها على الإطلاق وتشمل الحدود السورية والحدود مع إسرائيل. كما تنصح الوزارة بعدم زيارة طرابلس ومخيمات الفلسطينيين ومناطق هرمل وعرسال وبعلبك والجبل.
وما زالت تونس من المناطق عالية الخطورة للسياح خصوصا بعد هجوم الشاطئ في سوسة الذي أسفر عن مقتل 30 سائحًا بريطانيًا. وتنصح وزارة الخارجية البريطانية بعدم السفر إلى الجنوب التونسي إلا مع شركة سياحة معروفة. ويوجد حاليا نحو 20 ألف سائح بريطاني في تونس مع شركات سياحية أو بصفة مستقلة ولا تخضع تونس في الوقت الحاضر إلى أي حظر على السفر السياحي.
* أخطار أخرى
لا يمثل الإرهاب الخطر الوحيد على السياح في دول العالم، فهناك أيضًا مواقع خطرة بسبب أعمال إجرامية عادية. فدولة مثل جمهورية الدومينيكان في أميركا الوسطى لا توجد عليها شبهات خطر إرهابي، ولكن 39 سائحا قتلوا فيها في السنوات الثلاث الماضية في جرائم مختلفة. وفي هندوراس توجد عصابات منظمة لسرقة السياح، ويعيش فيها نصف السكان تقريبا تحت خط الفقر.
وفي منغوليا تم القبض على 20 سائحا بتهمة الانتماء إلى منظمات إرهابية رغم أن المجموعة كانت من الأثرياء المتقاعدين من أميركا والهند وجنوب أفريقيا. وليس معروفا عن منغوليا أنها عالية المخاطر إلا فيما يخص عمليات السرقة العادية، ولكنها دخلت أخيرا ضمن المناطق عالية المخاطر بسبب المشكلات الأمنية.
* نصائح لخفض مخاطر الإرهاب للسياح
هذه المجموعة من النصائح للسياح أصدرتها وزارة الخارجية البريطانية وبعضها من شركات السياحة لخفض المخاطر من عمليات إرهابية في دول مختلفة:
- ضرورة الاطلاع على نصائح وزارة الخارجية المعنية بشأن السفر إلى دول معينة ومتابعة الأخبار حول البلد الذي تنوي زيارته
- ضرورة الحرص في الأماكن العامة خصوصا تلك التي تجتذب الأجانب مثل السفارات والفنادق والمطاعم
- إذا لاحظت أي شيء غير عادي فلا بد من إبلاغ السلطات المحلية فورا. وهناك الكثير من العمليات الإرهابية التي فشلت بفضل تنبه أناس عاديين
- تجنب الطرق الفرعية عند السفر واعتماد خطة عمل في حالات الحوادث من أي نوع
- تجنب الروتين المعتاد الذي يجعلك هدفا سهلا، ولا بد من تغيير وقت الخروج والطريق الذي تسلكه بين الحين والآخر
- التأكد من شحن الهاتف الجوال وإدخال أرقام الطوارئ فيه للاستخدام عند الحاجة
- عدم الظهور اللافت المختلف عن البيئة في الملابس والمظهر
- عدم الإفصاح عن الكثير من المعلومات الشخصية ومكان السفر أو الإقامة أو خطط السفر على مواقع التواصل الاجتماعي
- إبلاغ رفاق الرحلة أو إدارة الفندق الذي تقيم فيه عن وجهة رحلاتك وموعد عودتك
- تعرف على مواقع أقسام الشرطة والمستشفيات والمواقع الحكومية على طريق سفرك حتى تلجأ إليها في أوقات الطوارئ



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».