«داعش سيناء».. الأهداف الجديدة

غيّر استراتيجيته وتوعّد بهجمات كبرى خارج مصر

عناصر من داعش في ولاية سيناء - عناصر داعش نشروا الخراب والتدمير
عناصر من داعش في ولاية سيناء - عناصر داعش نشروا الخراب والتدمير
TT

«داعش سيناء».. الأهداف الجديدة

عناصر من داعش في ولاية سيناء - عناصر داعش نشروا الخراب والتدمير
عناصر من داعش في ولاية سيناء - عناصر داعش نشروا الخراب والتدمير

فيما عدّه مراقبون بأنه تغير في استراتيجية تنظيم «داعش سيناء» من الهيمنة على الأرض في شبة جزيرة سيناء المصرية إلى فتح خط مواجهة مباشرة مع إسرائيل، توعّد التنظيم الإرهابي المتطرّف بشن هجمات كبرى في تل أبيب وخارج حدود مصر. وقال خبراء مصريون: إن نقل تنظيم «داعش سيناء»، أو «أنصار بيت المقدس» سابقا، نشاطه إلى خارج مصر مستهدفا دولا مجاورة، خاصة إسرائيل، احتمال وارد جدا الآن، وذلك بعدما فشل في تحقيق أهدافه في سيناء، سواء من حيث الغرض أو المكان. وبالتالي لجأ إلى بدائل كي لا يصار إلى ترديد القول: إن الإرهاب فشل في مهامه بسيناء، وفي محاولة منه أيضا للتخلي عن حلم «الولاية» مؤقتا، باستهداف مناطق مؤثرة مثل إسرائيل.
وحسب الخبراء الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، هناك اتجاه آخر لـ«داعش سيناء» بالتنسيق مع «داعش ليبيا» هو السعي لإعلان إمارة وهمية تسمى «سيوة» لتخفيف الضغط واستهداف الجيش لـ«داعش سيناء» في شبه جزيرة سيناء. ووصفوا «داعش سيناء» بأنهم مُرتزقة ويغرقون في العمل المخابراتي، إلا أن تنظيمهم يعد أكبر التنظيمات المسلحة داخل مصر، ويتألف من آلاف الأشخاص من جماعات وتنظيمات أخرى مُتشددة كانت موجودة في المنطقة من قبل، وغايتهم استهداف رجال الجيش والشرطة، وتدمير المنشآت العامة والخاصة.
يُعد «داعش سيناء» واحدا من أقوى التنظيمات المتطرفة التي ظهرت في شبه جزيرة سيناء المصرية، وكان قد بايع «أبو بكر البغدادي» زعيم تنظيم داعش الإرهابي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014. في البداية كان يُطلق عليه تنظيم «أنصار بيت المقدس»، ثم غيّر اسمه إلى «ولاية سيناء» عقب مبايعة «البغدادي». لكن هذه التسمية رفضتها السلطات المصرية، ليُعرف في الإعلام بـ«داعش سيناء». وللعلم، كان التنظيم قد أعلن فور نشأته أن هدفه هو محاربة إسرائيل، وشارك بالفعل في إطلاق صواريخ على مدن إسرائيلية من سيناء؛ غير أنه تحوّل منذ بضع سنوات لاستهداف قوات الشرطة والجيش المصري.
ظهر تنظيم «داعش سيناء» عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011.
لكنه منذ عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة عام 2013 استهدف خطوط الغاز في سيناء، فضلا عن استهدافه العسكريين ورجال الأمن المصري والارتكازات والنقاط الأمنية. وتبنّى التنظيم منذ ذلك الحين الكثير من عمليات قتل جنود، أغلبهم في سيناء، إلى جانب بعض العمليات في دلتا النيل، على غرار تفجير مديرية أمن الدقهلية، والمحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد إبراهيم، إضافة إلى استهداف حافلة سياحية لعدد من الأجانب بالقرب من مدينة طابا، واستهداف سياح في معبد الكرنك بالأقصر، وغيرها من العمليات التي كان أبرزها أخيرا، استهداف طائرة الركاب الروسية في سيناء.
حسب مراقبين، فإن عناصر «داعش سيناء» ما زالوا يحتمون داخل كهوف في جبل الحلال الواقع في وسط سيناء، حيث تحدد اتفاقية «كامب ديفيد» للسلام بين مصر وإسرائيل عدد قوات الجيش المصري وتسليحه.. وأن بعضهم فرّ هاربا إلى الوادي ومحافظات مصر لتأدية مهام مُحددة في أماكن سياحية وحدودية.. وما زالت هذه العناصر موجودة للآن.
وقبل أسبوع، قال تنظيم «داعش سيناء» إن مهمته المقبلة هي العمل على تحطيم اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل.
وزعم التنظيم من خلال عدده الجديد من مجلة «النبأ» الصادرة عنه، أن «انهيار الجيش المصري واقع لا محالة.. وأن التطورات في سيناء ستمتد لتؤثر في كثير من الظروف في المناطق المجاورة، وعلى رأسها العلاقة بين حكومة مصر وإسرائيل»، ملوّحا بأنه يُخطط للقيام بعمليات كبرى في إسرائيل ستتضمن هجوما على منتجع إيلات.
وهنا يؤكد الخبير الأمني اللواء طلعت مسلم، إن نقل تنظيم «داعش سيناء» نشاطه في خارج مصر للدول المجاورة «وارد الآن، بعدما فشل في تحقيق أهدافه في سيناء، سواء من حيث الغرض أو المكان.. وبالتالي لجأ للبحث عن بدائل، حتى لا يتم ترديد أن الإرهاب فشل في مهامه بسيناء، وفي محاولة منه أيضا لاستهداف مناطق مؤثرة لتحقيق ضربات ذات «شو إعلامي» عالمي، خاصة في إسرائيل»، لافتا إلى أن ذلك جزء من استراتيجية التنظيم، بالتخلي مؤقتا عن الأرض في سيناء وحلم «الولاية» لتحقيق أهداف أخرى.
ويرى مراقبون، أن «داعش سيناء» كان ضمن تنظيمات متشددة كثيرة مثل «الجهاد» و«التكفير والهجرة»، لجأت إلى الركن الشمالي الشرقي من سيناء منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي، وذلك عقب تشديد القبضة الأمنية في المنطقة المركزية لمصر، تزامنا مع مطاردة الجماعات المتطرفة منذ اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في عام 1981، وما تبعه من أحداث إرهابية طالت عددا من رموز المجتمع المصري.
وراهنا، يفرض الجيش والشرطة المصريان طوقا أمنيا شديدا على المداخل الغربية لسيناء منذ أكثر من 5 سنوات؛ لمنع دخول الأسلحة والمتفجرات من خلال الأنفاق الموجودة شرقا، خاصة مع تزايد العمليات ضد قوات الجيش والشرطة المصرية، وتزايد حجم الأسلحة المستخدمة في تلك العمليات.
ويشير مراقبون إلى أن عناصر تنظيم «داعش سيناء» تضم فلولا من بواقي تنظيم «التوحيد والجهاد» التكفيري، وهو التنظيم الذي سبق أن أعلن تنفيذه عمليات التفجير الكبيرة في شرم الشيخ في عام 2006، إلى جانب عناصر من «أنصار الجهاد» و«التكفير والهجرة» و«أجناد مصر» و«الأنصار والمهاجرون» و«جيش الإسلام».
ويقول الخبراء: إن «مشكلة الأنفاق الحدودية التي تمتد لنحو 15 كيلومترا بطول الحدود مع قطاع غزة كشبكة عنكبوتية تحت الأرض تُمثل اليوم مشكلة كبرى في تعامل السلطات المصرية مع عناصر هذا التنظيم المُتشدد.
إذ كان يجري من خلالها تهريب البضائع إلى القطاع وقت حصاره من الجانب الإسرائيلي في الماضي، أما الآن فتدخل من خلال هذه الأنفاق كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات، التي تستخدم في الهجمات ضد القوات المصرية».
وعودة إلى الخبير الأمني اللواء مسلم، فإنه يرى أن «الفكرة الأساسية لـ(داعش سيناء) مثل باقي التنظيمات المتطرفة وتياراتها التي تندرج تحت فكر واحد، ألا وهو أنهم يعتقدون أنهم (جماعة المسلمين.. ومن عداهم ليسوا بمسلمين)، وكل هذه المجموعات تدور في الفلك نفسه، وفقط تختلف حول الزعامة أو أسلوب تحقيق دولتها وتحقيق أهدافها». وحقًا، أعلن تنظيم «داعش سيناء» المُتطرف مرات عدة، أن هدفه إقامة «إمارة» في شبة جزيرة سيناء؛ لكن خبراء أمنيين أكدوا «استحالة ذلك بالنظر إلى موازين القوى على الأرض».
من ناحية أخرى، سبق لتنظيم «داعش سيناء» تبني سلسلة الهجمات الإرهابية المتزامنة التي وقعت على أكمنة للجيش المصري بمدينة الشيخ زويد، شمال شبه الجزيرة، التي خلفت عشرات القتلى والمصابين بين الجنود. ومن أبرز العمليات الإرهابية التي نفّذها «داعش سيناء» في مصر: «مذبحة رفح الأولى» في أغسطس (آب) عام 2012. وأسفرت عن مقتل 16 ضابطا وجنديا بالجيش المصري قرب معبر كرم أبو سالم الحدودي بين مصر وإسرائيل، حيث استولى الجناة على مدرعتين لقوات الجيش وحاولوا اقتحام الحدود مع إسرائيل. و«مذبحة رفح الثانية» التي أسفرت عن مقتل 25 جنديا مصريا بعدما أوقف مسلحون في أغسطس 2013 حافلتين تقل عددا من الجنود العائدين من إجازتهم إلى معسكراتهم في شمال سيناء، وأنزلوهم وقتلوهم. وهجوم كمين «كرم القواديس»، الذي يعد من أشرس العمليات الإرهابية، ولقد وقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2014. وأسفر عن مقتل 30 جنديا في كمين كرم القواديس الذي جرى تفجيره بشاحنة مفخخة، تبعها هجوم مسلح لتصفية باقي أفراد الكمين.
وفي نوفمبر عام 2014 بايع التنظيم عندما كان يحمل اسم «أنصار بيت المقدس» تنظيم داعش الإرهابي وزعيمه «البغدادي».
وقال متابعون: إن «دوافع مبايعة تنظيم (داعش سيناء) الموالي لـ(القاعدة) سابقا، لـ(داعش) خصمه اللدود، يرجع إلى أن «القاعدة» بقيادة أيمن الظواهري يؤمن بأولوية العدو البعيد متمثلا بأميركا، بينما يؤمن «داعش» بأولوية قتال العدو القريب (الإقليمي) في مصر والدول المجاورة، وخاصة إسرائيل. ويرصد المتابعون المطلعون، أن هناك حالة من القلق المتزايد في تل أبيب من تعاظم خطر «داعش سيناء» على الرغم من ضربات الجيش المصري المستمرة، والإعلان عن قتل المئات من أعضاء التنظيم.
ويتوقع هؤلاء أن «يقوم التنظيم بهجوم على إسرائيل عبر الحدود، مستخدما المدرعات المصرية والأسلحة الثقيلة التي استولى عليها من أفراد الجيش الشرطة في مصر».
وما يستحق الذكر في هذا السياق، أنه خلال نوفمبر الماضي بث «داعش سيناء» فيلم فيديو مصورا، هدد فيه إسرائيل بالوصول إلى مدينة إيلات (أم الرشراش، في التسمية العربية، كما قال)، بعدما توجهت أصابع الاتهام إلى التنظيم بالمسؤولية عن ضرب السياحة في مدينة شرم الشيخ المصرية، عبر حادث إسقاط الطائرة الروسية، التي راح ضحيتها 224 من الأبرياء. وتوعد التنظيم في الإصدار المرئي، الذي جاء بعنوان «ثم يغلبون» الذي يلاحظ ظهور خلل فني يمنع ظهوره على «يوتيوب» بأنه سيهاجم إسرائيل قريبا، ولا سيما مدينة إيلات، حيث قال المتحدث في الفيديو: إن التنظيم «أخذ بزيادة قوته في شبه جزيرة سيناء».. وقريبا جدا سيصل وسيهاجم مدينة إيلات «أم الرشراش».
وعن المراحل التي مر بها التنظيم، قال الدكتور عـلي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر: إن هذا التنظيم المعروف حركيا باسم «ولاية سيناء» أو ما يُعرف إعلاميا بـ«داعش سيناء» («أنصار بيت المقدس» سابقا)، ظهر عام 2011، وأطلق على المناطق التي استولى عليها اسم «ولاية سيناء» على غرار أسماء «داعش» للمحافظات التي تستولي عليها كما «بلاد الشام والعراق». ويعد هذا التنظيم من أكبر التنظيمات الإرهابية المسلحة داخل مصر، وجاء في بيان نُشر، أن عدد أفراد هذا التنظيم من المسلحين يقُدر بالآلاف، وغايتهم هو استهداف رجال الجيش والشرطة وتدمير المنشآت العامة والخاصة.
وأضاف الأزهري لـ«الشرق الأوسط» ظهر تنظيم «داعش سيناء» في المشهد في يوليو (تموز) عام 2012 بعد إعلان مسؤوليته عن تفجير خط الغاز الذي يمد إسرائيل والأردن، وبعد شهر من تفجير خط الغاز أعلن إطلاق صاروخ من سيناء إلى جنوب إسرائيل، وفي سبتمبر (أيلول) عام 2012 أعلن مسؤوليته عن مهاجمة الحدود الإسرائيلية ردا على الفيلم العالمي المسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم)، مؤكدا أن قبيلة عرب شركس في سيناء تُعد هي المحتضنة لهذا التنظيم، ثم ما لبث هذا التنظيم أن بايع «البغدادي».
وحول المحاور الرئيسية التي يقوم عليها «داعش سيناء» أوضح الأزهري، أن التنظيم «يقوم على محورين أساسين، هما، الإمارة العامة ويتولاها أمير التنظيم، والإمارة الخاصة أي أمير الفتوى وأمير الجهاد»، لافتا إلى أن «أمير الفتوى هو العنصر التنظيمي الوحيد القادر على تحقيق اتصال مع أمير التنظيم، ويأتمر بأمره شخصيا، ويقتصر دوره على إصدار الأحكام الشرعية المتفقة مع منهج التنظيم، مثل استباحة قتل الجنود المصريين، ومن ثم تصدر الفتوى لأمير الجهاد. أما أمير الجهاد فهو المسؤول عن تكليف العناصر العنقودية بتنفيذ المهام، بعد وضع الخطة، وهناك حالات يتلقى خلالها أمير الجهاد تكليفات من الأمير العام بعمليات محددة، متضمنة خطة التنفيذ، ويكون التكليف من خلال أمير الفتوى».
وتابع الدكتور الأزهري، «أن جهاز أمير الجهاد يضم داخله خمس مجموعات، هي، مجموعة الغزاة، والتفخيخ، والرصد والمراقبة، والدعوة والاستقطاب، والهاربين أو المجندين، وهم الذين صدرت عليهم أحكام جنائية من السلطات القضائية وانضموا إلى صفوف هذا التنظيم».
وعن أسماء قادة «داعش سيناء»، قال عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر «أعلن التنظيم عن أسماء لبعض قادته، كان منهم على سبيل المثال سلامة البلاهيني ابن قبيلة «البليهي» قليلة العدد وذات التواجد المحدود على أرض سيناء، حيث يعد الذراع اليمنى والمساعد الأول للقيادي شادي المنيعي زعيم كتيبة «جند الله» التابعة للتنظيم، والذي تضاربت الأنباء حول مقتله. وشارك البلاهيني في معظم العمليات المسلحة التي شهدتها سيناء عقب ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013. وعلى رأسها استهداف حافلتين لنقل جنود الجيش على طريق رفح الدولي، إضافة إلى سليمان حرب المنيعي، وهو المساعد الثاني لشادي المنيعي وابن عمه، وهو من القيادات التكفيرية البارعة في حمل السلاح وخوض المعارك المباشرة. ولقد أصيب سليمان المنيعي بطلق ناري في الكتف حسب تأكيدات شهود عيان في اشتباكات عنيفة مع الجيش المصري بقرية التومة أوائل سبتمبر عام 2014».
أما الدكتور حامد المكاوي، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، فأوضح أن سعى «داعش سيناء» لشن هجمات على إسرائيل، جاء بعد نجاح الجيش المصري في هزيمتهم في سيناء وفي داخل مصر، لافتا إلى أن «هناك اتجاها آخر لـ«داعش سيناء» بالتنسيق مع فرع تنظيم داعش في ليبيا، لإرسال عدد من عناصره إلى مصر عبر الصحراء الغربية، لاستهداف عدد من المنشآت السياحية، وإعلان إمارة وهمية تسمى «سيوة» لتخفيف الضغط عن «داعش سيناء» في شبة جزيرة سيناء». وأردف «أن ذلك يتم عبر طرق التهريب الوعرة المعروفة في هذه المنطقة، وتسمى بـ(طرق الجمال) وبسيارات دفع رباعي، حيث نجحت التنظيمات الإرهابية في الدفع بعناصر كثيرة عبر حدود مصر الغربية»، مضيفا أن «داعش سيناء» مرتزقة يعيشون بمسرح الوهم، ويغرقون في العمل المخابراتي، واستنزاف الجيوش الإسلامية، والارتزاق من الدول التي تدفع لهم».
وعن الطريقة التي يُقاتل بها تنظيم «داعش سيناء»، قال المكاوي لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم أسس أخيرا جهازا أمنيا ومخابراتيا بداخله، وظيفته جمع المعلومات عن أبناء القبائل، الذين يمدون الجيش المصري بالمعلومات، حيث قام بخطفهم وتعذيبهم وتسجيل اعترافاتهم عن طريق مقاطع فيديو مصورة، والتعرف منهم على جميع المتعاونين مع الجيش، ومن ثم قتلهم بالرصاص بالقرب من منازلهم أو أمامها، لإثارة مخاوف الآخرين من أبناء القبائل الذين يساعدون الجيش». ولفت إلى أن التنظيم تخلى عن المواجهة المباشرة مع الجيش المصري، واتجه إلى الاختباء في المناطق الصحراوية، التي لا يعرف الجيش تضاريسها الوعرة؛ لكن الجيش واجههم بنصب الأكمنة، وحقق نجاحا جعلهم يهربون نحو غزة؛ ما يؤكد تعاون جميع العائلات والقبائل في سيناء.
وعن نشأة «داعش سيناء» في مصر، شرح المكاوي إن عناصر الجماعة المعروفة باسم «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب» عقب تنفيذ عمليات إرهابية عدة في دول المغرب والتشديد عليهم، دفعت بخلايا نائمة كوّنت «داعش سيناء» للقيام بعمليات في بعض الدول من بينها مصر. ولقد استغلت تلك العناصر القيود التي كانت تضعها معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل على انتشار قوات الجيش في المناطق الحدودية من سيناء. وكان الرئيس المعزول مرسي قد سمح لهم بإقامة معسكرات تدريبية في سيناء، فضلاً عن عناصر من ليبيا، بعد وقوعها في الأسر السوري، وسمح النظام السوري بهربهم إلى ليبيا ومن ثم إلى مصر لاستنزاف الجيشين في مصر وليبيا».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.