الرمادي تبدأ معركة الإعمار.. وألف عائلة تعود يوميًا إلى منازلها المدمرة

محافظ الأنبار لـ «الشرق الأوسط» : نسبة الضرر عالية ولا بد من التنسيق مع الحكومة المركزية والمجتمع الدولي

مجموعة من أهالي مدينة الرمادي يقومون بأداء رقصة «الجوبي» ابتهاجًا بعودتهم للمدينة («الشرق الأوسط»)
مجموعة من أهالي مدينة الرمادي يقومون بأداء رقصة «الجوبي» ابتهاجًا بعودتهم للمدينة («الشرق الأوسط»)
TT

الرمادي تبدأ معركة الإعمار.. وألف عائلة تعود يوميًا إلى منازلها المدمرة

مجموعة من أهالي مدينة الرمادي يقومون بأداء رقصة «الجوبي» ابتهاجًا بعودتهم للمدينة («الشرق الأوسط»)
مجموعة من أهالي مدينة الرمادي يقومون بأداء رقصة «الجوبي» ابتهاجًا بعودتهم للمدينة («الشرق الأوسط»)

«بعد عامين تحت لهيب الشمس الحارقة وبرودة الشتاء القاسي وتحت الأمطار والفيضانات، عدت إلى مدينتي إلى أهلي وناسي وجيراني.. ورغم أنني صدمت في رؤية بيتي وهو مدمر بالكامل، فإنني سعيد جدًا بوصولي إلى هنا». هكذا يروي أحمد رمضان محمد، 50 عاما، قصته، وهو أحد العائدين إلى مدينة الرمادي بعد رحلة النزوح المضنية. ويضيف أن «العودة إلى مدينتي تمثل عندي نهاية المأساة التي عانيتها أنا وعائلتي في مخيمات النزوح.. وسوف أعيش في خيمة مع عائلتي المكونة من 9 أفراد على أطلال منزلي، وأعتبر ذلك خيرًا لي من المعاناة التي لاقيتها في مخيمات النزوح، سأعود إلى عملي وسوف أبني بيتي، ولن أترك مدينتي مرة أخرى حتى لو كلفني الأمر حياتي».
سلطات المدينة بدأت العمل في إعادة إعمار البنى التحتية للمدينة المدمرة، التي تعد مركز محافظة الأنبار، بعد أن تمكنت القوات الأمنية العراقية وبمساندة طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من استعادة السيطرة على المدينة، التي وقعت في قبضة تنظيم داعش لمدة تسعة أشهر. ومع عودة آلاف العائلات إلى مناطقها السكنية في مدينة الرمادي، تستعد الحكومة المحلية في محافظة الأنبار لاستكمال المشاريع المتوقفة. وأكد صهيب الراوي محافظ الأنبار أن «الشهر المقبل سيشهد إتمام العمل في عدد من الجسور الرابطة بين مناطق مدينة الرمادي، وأهمها جسر الحوز، والبدء في إعادة إعمار جميع الجسور المهدمة، وإعمار المناطق الآمنة والمحررة التي تعرضت للأضرار وعمليات الهدم». وقال الراوي لـ«الشرق الأوسط»، إن «أكثر من 9 جسور في مدينة الرمادي، تعرضت للدمار بسبب تفجيرها من قبل مسلحي تنظيم داعش الإرهابي بواسطة العبوات الناسفة، وأخرى تضررت بفعل العمليات العسكرية وتتراوح نسبة الضرر فيها من 40 في المائة إلى 100 في المائة، ولا بد من التنسيق مع الحكومة المركزية والمجتمع الدولي لإعادة إعمار جميع تلك الجسور». وأضاف الراوي: «إن الملاكات الهندسية في المحافظة بدأت بالفعل في عمليات إعادة أعمار جسر الحوز الذي يربط بين مركز قضاء الرمادي وحي التاميم، حيث تبذل الفرق الهندسية العاملة، ومنها مديرية الطرق والجسور، جهودًا كبيرة من أجل إنجاز العمل بوقت قياسي، وتقديم الخدمة الأفضل للعائلات العائدة، التي وصل عددها منذ 30 مارس (آذار) الماضي، إلى أكثر من 12 ألف عائلة، والعدد يتصاعد بشكل يومي حيث تصل أكثر من 1000 عائلة إلى مختلف مناطق المدينة يوميًا».
واكبت «الشرق الأوسط» عمليات عودة العائلات النازحة إلى مدينة الرمادي، حيث تعالت أصوات الأهازيج وعلامات الفرح مرسومة على محيّا أهالي المدينة الذين تشاهدهم هنا وهناك وهم يتراقصون فرحًا على أنغام دبكات «الجوبي» الشهيرة في المدن الغربية للعراق، ومنها مدينة الرمادي، حيث يتجمع العشرات من الرجال والشبان ويشكلون طابورًا، ويؤدون الرقصة الشهيرة في معظم الأحياء السكنية في المدينة فرحين بعودتهم إلى ديارهم وجيرانهم. وقال أحمد رمضان محمد (50 عامًا): «عشنا مأساة حقيقية.. تحت لهيب الشمس الحارقة وبرودة الشتاء القاسي وتحت الأمطار.. والجميع هنا سعداء، يرقصون ويمرحون رغم أن منازلنا مدمرة، والحياة قاسية.. لكنها أكثر جمالا وروعة».
من جانبه، أعلن مجلس محافظة الأنبار أن قوات التحالف الدولي أشرفت على تجهيز وتسليح مقاتلي العشائر في لواء درع الفلوجة، الذي يستعد لاقتحام المدينة وتحريرها من قبضة تنظيم داعش. وأكد المجلس أن اللواء الحالي مكون من 2500 مقاتل، بينما أشار إلى قرب تدريب خمسة أفواج قتالية أخرى لعملية تحرير الفلوجة التي ستنطلق قريبًا، حيث سيشارك فيها 5000 مقاتل من أبناء الأنبار.
وقال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار راجح بركات العيساوي لـ«الشرق الأوسط»: «إن قوات التحالف الدولي في العراق أشرفت بشكل مباشر على تدريب وتسليح وتجهيز 2500 مقاتل من مقاتلي لواء درع الفلوجة، الذي تم تشكيله من أبناء مدينة الفلوجة وباقي مدن الأنبار المنضويين في قوات العشائر وأغلبهم من عناصر الشرطة السابقة».
وأضاف العيساوي أن «الفوج الأول من لواء درع الفلوجة يتم تدريبهم الآن في أكاديمية شرطة الأنبار في معسكر الحبانية ضمن دورات قتالية وعسكرية مكثفة، وسيتم تدريب باقي مقاتلي الأفواج الخمسة ضمن تشكيلات اللواء وتجهيزهم وتسليحهم بمختلف المعدات والأسلحة الحديثة من قبل قوات التحالف الدولي». وأكد العيساوي أن «الأيام القليلة المقبلة ستشهد تدريب وتسليح خمسة أفواج أخرى ليكون العدد الإجمالي لمقاتلي درع الفلوجة من أبناء الأنبار 5000 مقاتل من أجل البدء بالعملية العسكرية لتطهير الفلوجة، والخطوط الأمامية ستكون لمقاتلي لواء درع الفلوجة لتطهير مناطقهم من عصابات تنظيم داعش الإرهابي وبغطاء جوي من طيران التحالف».
إلى ذلك انضمّ المئات من نازحي مدينة الفلوجة شرق محافظة الأنبار إلى الأفواج العشائرية، للمشاركة في عملية استعادة مدينتهم من سيطرة تنظيم داعش، ومع عودة النازحين إلى مناطق سكنهم في الأنبار قادمين من إقليم كردستان وباقي مدن العراق، فضل المئات من أبناء الفلوجة الالتحاق بمعسكرات التدريب بناحية الحبانية للانضمام إلى أفواج العشائر ثم المشاركة مع القوات الأمنية في تحرير مدينتهم. وقال العقيد في قوات العشائر جميل مطلك الجميلي لـ«الشرق الأوسط» إن «أكثر من 500 مقاتل جميعهم من العائدين من رحلة النزوح وصلوا إلى مدينة الرمادي، ومن ثم أعلنوا عن تطوعهم لمقاتلة تنظيم داعش وطرده من مدينة الفلوجة وباقي مدن الأنبار. ودعا الحكومة المركزية إلى دعمهم بالسلاح والتجهيزات الأخرى». وأضاف الجميلي: «إن الاستعدادات لتنفيذ عملية عسكرية لاستعادة قضاء الفلوجة بمشاركة المتطوعين من أبناء المدينة قد استكملت، ونحن بانتظار ساعة الصفر للانقضاض على تنظيم داعش الذي يحاصر أكثر من 105 من أهلنا في مدينة الفلوجة، ويستخدمهم دروعًا بشرية، بينما يتساقط العشرات منهم بسبب الجوع والقصف على المدينة المحاصرة».
وأشار الجميلي إلى أن «قوات عشائر الأنبار على أتم استعداد لاقتحام المدينة، وأطرافها، وفي الأيام المقبلة سنتحرك إلى مناطق الفلوجة بالأكمل بما فيها النساف والصقلاوية والفلوجة والنعيمية». يُذكر أن أغلب مدن محافظة الأنبار تمت السيطرة عليها من قبل عناصر تنظيم داعش، في حين بدأت القوات الأمنية معارك تطهير واسعة استعادت من خلالها مدينة الرمادي بعد معارك عنيفة مع تحرير مناطق أخرى في محيط الفلوجة، مما أسفر عن مقتل المئات من عناصر تنظيم داعش.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».