ازدادت في الآونة الأخيرة حوادث السرقات على نحو كبير، لاسيما عمليات السطو والسلب والنشل في الشوارع، بالإضافة إلى سرقات البيوت المغلقة في الأحياء الراقية التي هجرها سكانها منذ اندلاع الثورة. وبحسب مصادر قضائية، ترد يوميا تبليغات عن سرقة منازل في مناطق راقية، مثل أبو رمانة ومزة فيلات غربية وتنظيم كفر سوسة، وتشير التحقيقات إلى ضلوع أقارب أصحاب تلك المنازل في تسهيل السرقات، وهو ما نقلته جريدة (الوطن) المحلية عن تلك المصادر قضائية.
واتهم سكان في مناطق سيطرة النظام متطوعي الميليشيات التابعة للنظام وعناصر الأجهزة الأمنية، الذين يطلق عليهم تسمية «شبيحة»، فهؤلاء المسلحون يصولون ويجولون في كل الأحياء ولا يتوقفون عند الحواجز، بل ربما يتعاونون معها، ففي الأحياء الراقية التي تحيط بالقصر الرئاسي «لا يمكن للنملة أن تعبر دون تفتيش دقيق عند كل حاجز»، وفق ما يقوله أبو أكرم صاحب مكتب عقاري وسط العاصمة. ويضيف أنه لا يمكن نقل أي قطعة أثاث منزلية من شارع إلى شارع دون إذن من مختار الحي أو موافقة الجهة الأمنية المسؤولة عن المنطقة، إلا في حال تم دفع رشاوى وإتاوات على الحواجز؛ ولذلك يقول أبو أكرم:«سرقات البيوت لا يمكن أن تتم دون تعاون مع الحواجز والشرطة، وهذا متوقع بعد أن تدهورت قيمة الرواتب التي يتقاضاها المتطوعون، فمن كان منهم يتقاضى 20 ألف ليرة قبل عامين، (أي 100 دولار) فهو اليوم، يتقاضى أقل من 50 دولارا؛ ولذلك سمح لهم بالنهب كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا وهم يستطيعون طالما يحملون السلاح».
تقول ناديا. ع «بت أتجنب الطبخ أمام الشغالة التي تأتي لتنظيف بيتي كل أسبوع، وأخشى فتح الثلاجة بحضورها لأني أخجل من أن ترى في ثلاجتي أطعمة تعجز هي عن شرائها»، وتتابع ناديا، التي تقدمت ببلاغ لقسم الشرطة في حيها عن سلب هاتفها المحمول الأسبوع الماضي، أنها قدمت البلاغ وهي تعرف مسبقا استحالة إعادة الهاتف حتى لو تم القبض على اللص، لكنها فعلت ذلك تجنبا للمساءلة الأمنية في حال وقع الهاتف بيد شخص ما. كما تبدي تفهمها لتزايد أعمال السرقة لا سيما السرقات الصغيرة التي لا تتجاوز قيمتها ثمن طعام لعدة أيام، وتقول:«الناس جاعت، والغالبية العظمى من السوريين يعيشون على الإعانات». مشيرة إلى أن المرأة التي تأتي لتنظف منزلها أسبوعيا تتقاضى ما بين 1500 ليرة و2000 ليرة سورية، أي أقل من أربع دولارات، (الدولار يعادل 520 ليرة)، وهي لا يكفيها ثمن وجبة نباتية لأسرتها المكونة من أربعة أشخاص. وتلفت ناديا إلى أن راتبها بصفتها موظفة في شركة خاصة هو مائة ألف ليرة سورية، (كان يعادل قبل أربع سنوات ألفي دولار)، بات اليوم يعادل مائتي دولار فقط. ولولا عمل زوجها في التجارة فإن راتبها لا يكفي للمعيشة أسبوعا واحدا. وكان وضعها سيكون أسوأ من وضع السيدة التي تعمل في تنظيف البيوت وتتقاضى ما يقارب 300 دولار شهريا. ولا تخفي ناديا تأييدها للنظام، إلا أنها تلقي بالمسؤولية كاملة عن تدهور الوضع الاقتصادي على الحكومة وتصفها بـ«الضعيفة» و«المتخبطة». وتقول إن أسباب السرقة هي الفقر والجوع والحرب. لكن رامز.ع المهندس المعماري الدمشقي الذي يتفق مع كل ما أوردته ناديا عن استشراء الفقر والجوع والفوضى، لا يتفق معها في أن سبب ازدياد السرقات هو الجوع، بل يقول إن «الفقراء جدا، منهم من يعمل بمهن متواضعة وعائداتها بالكاد تكفي ثمن الخبز؛ كبيع المحارم والعلكة وغسيل السيارات، ومنهم من يلجأ إلى التسول وقد انتشر هؤلاء بكل الشوارع. أما أعمال السرقة والسطو المسلح فينشط فيها شباب من حملة السلاح الذين أفسدتهم حالة عسكرة المجتمع، هؤلاء يسرقون لا ليأكلوا؛ بل ليرتادوا المقاهي والبارات، فإذا كان ثمن كأس شاي مع شيشة في مقهى شعبي ألف ليرة، (أي 2 دولار)، فمن أين يأتي حامل السلاح بالمال يوميا لتغطية هكذا نفقات!»، ويختم رامز كلامه بخلاصة، يبدو أنه مقتنع بها تماما، قائلا:«حاميها حراميها».
وتروي هالة، (وهي سيدة في العقد السادس من العمر هاجر كل أفراد عائلتها وبقيت تعمل في محل غذائيات بشارع فرعي شرق دمشق)، أن ضابطا طلب منها أن تشتري منه بضاعة للمحل، وبعد التدقيق تبين أنها من البضائع التي يصادرها عند الحاجز فرفضت الشراء؛ بحجة أنها لا يمكنها شراء بضاعة دون بيان أو فاتورة خشية مصادرتها من قبل التموين أو الجمارك. وتقول إن الضابط غضب منها، لكنها لم تبال.
وبالإضافة إلى عصابات السرقات الكبيرة كسرقة البيوت والسيارات، انتشرت في الأشهر الأخيرة عصابات سلب تقوم بسرقات صغيرة، باستخدام أساليب مبتكرة في السطو على الفتية والأطفال والنساء بوضح النهار، وقالت مصادر إعلامية محلية إنه بعد تزايد الشكاوى قبض مخفر شرطة عرنوس وسط دمشق على عصابة من ستة شبان تتراوح أعمارهم بين الــ20 عاما والـ23 عاما بعضهم متطوع في اللجان الشعبية التابعة لميليشيا الدفاع الوطني الداعمة لقوات النظام، يسطون على مراهقين وأطفال ونساء؛ يسلبونهم ما يحملونه من هواتف أو مصاغ أو نقود. وينفذ هؤلاء عملياتهم في شوارع خلفية شبه فارغة، فيتم توقيف المستهدف والتحرش به أو الاعتداء عليه، وما إن تحصل مشادة حتى يتدخل أفراد العصابة الآخرين بزعم أنهم من جهة أمنية، فيسرقون المستهدف ثم يفرون. وتكررت هذه الحوادث كثيرا في أحياء الشعلان والمالكي وأبو رمانة والقصاع والغساني؛ (وجميعها أحياء يسيطر عليها النظام وتقطعها عشرات الحواجز). ويقول أبو أكرم:«إن غالبية الشباب المتطوعين في الدفاع الوطني وغيرها من ميليشيات ظهروا خلال الحرب واعتادوا على حياة السهر في الملاهي وتعاطي المخدرات ولم يعد لديهم اليوم أي موارد تكفي لنفقات الفساد فتحولوا إلى السرقة».
إلا أن مصادر موالية للحكومة تشير إلى أن«هناك من ينتحل صفة عنصر بجيش الدفاع الوطني أو تابع للأجهزة الأمنية ويلبس لباسا عسكريا بات متوفرا ويباع على الأرصفة، وارتداؤه غير محصور على المتطوعين أو المنضمين للجيش، فالجميع يرتدون زيا عسكريا؛ صغارا وكبارا نساء ورجالا». إلا أن «أبو محمد» تاجر في الصالحية وقد تعرض لعملية سطو مسلح كاد أن يقتل فيها، يقول:«إن أحدا لا يجرؤ على السطو المسلح ما لم يكن مدعوما من جهاز أمني ما أو من الشرطة». ويشير إلى انتشار سرقة السيارات، وأنه استيقظ الأسبوع الماضي على مكالمة من عامل في صيانة السيارات بمنطقة البرامكة يخبره أن سيارته التي كانت مركونة أمام محل الصيانة قد جردت من عجلاتها، بعدها تبين أن «هناك عصابة متخصصة بسرقة عجلات السيارات التي تتوقف بغاية الصيانة في منطقة البرامكة والحلبوني والفحامة. والمفارقة أنها المناطق المحيطة بمركز قيادة شرطة دمشق» بحسب قول «أبو محمد» الذي أضاف أن هناك «محلات ومنازل تسرق وأصحابها يعرفون اللصوص ويبلغون عنهم والشرطة تعد بالتصرف ولا تتصرف».
استفحال حوادث السطو والسرقة في مناطق سيطرة النظام
يتهم السكان متطوعي الميليشيات التابعة للنظام وعناصر الأجهزة الأمنية

رجل يسحب نقوداً من الجهاز الآلي في دمشق وبدت حوله صور المرشحين لانتخابات مجلس الشعب التي ينوي النظام إجراءها يوم 13 من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
استفحال حوادث السطو والسرقة في مناطق سيطرة النظام

رجل يسحب نقوداً من الجهاز الآلي في دمشق وبدت حوله صور المرشحين لانتخابات مجلس الشعب التي ينوي النظام إجراءها يوم 13 من الشهر الحالي (إ.ب.أ)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة