التشابهات والاختلافات والأصوليات بين الإسلامين الآسيوي والأفريقي

وسط تنوّع ممارسات متشدّديهما

مجموعة من حركة طالبان الباكستانية مع زعيمها الملا فضل الله في مكان قرب قرب الحدود الافغانية (إ.ب.أ)
مجموعة من حركة طالبان الباكستانية مع زعيمها الملا فضل الله في مكان قرب قرب الحدود الافغانية (إ.ب.أ)
TT

التشابهات والاختلافات والأصوليات بين الإسلامين الآسيوي والأفريقي

مجموعة من حركة طالبان الباكستانية مع زعيمها الملا فضل الله في مكان قرب قرب الحدود الافغانية (إ.ب.أ)
مجموعة من حركة طالبان الباكستانية مع زعيمها الملا فضل الله في مكان قرب قرب الحدود الافغانية (إ.ب.أ)

لا يعني وصف «الآسيوي» أو «الأفريقي» أو «الأوروبي» للإسلام إلا تأثير البيئات والقراءات فيه، وهو ينصب هنا على التاريخي المتغير وليس الإسلام النصي والثابت. وإن كان وعي فقهائنا ومتكلمينا ومؤرخي الأفكار في تراثنا، قد سبقوا للوعي بهذه الاختلافات داخل الوحدة منذ وقت مبكر، ويكفي مثالا على ذلك ما في جاء في «مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري (المتوفى سنة 324 هجرية)، وكتبه عبد القاهر البغدادي (توفي سنة 429 هجرية) في «الفرق بين الفرق»، وأبو محمد بن حزم (توفي سنة 456هجرية) في «الفصل»، وأبو الفتح الشهرستاني (المتوفى سنة 548 هجرية) في «الملل والنحل»، وغيرهم كثير.
صعدت الدراسات الثقافية للإسلام وتنميطه عبر قراءة طبعاته المختلفة، مع صعود خطر الإرهاب عالميا منذ تسعينات القرن الماضي، وخلال العقد الأول من هذا القرن، تمييزا وتنويعا ووعيا بالاختلافات الثقافية والمعرفية والوطنية، ومحاولات «النمذجة» المتعددة له.
وبرزت في هذا الخصوص عربيا مع «مدرسة الإسلاميات التطبيقية» في الجامعة التونسية، بإشراف الأستاذ عبد المجيد الشرفي، التي أصدرت عددا من الكتب المهمة في هذا الصدد مثل «الإسلام الآسيوي» لآمال قرامي، و«إسلام الخوارج» لناجية الوريمي بوعجيلة، و«إسلام المجددين» لمحمد حمزة، و«الإسلام الحركي» لعبد الرحيم بوهاها، و«الإسلام الكردي» للتهامي العبدولي، و«إسلام الفلاسفة» لمنجي لسود، وغيرها من الدراسات المهمة.
كذلك برزت أفريقيا مع ما كتبه المفكر الكيني الراحل عن «الخبرة الإسلامية في أفريقيا» سنة 2008، والمفكر الجنوب الأفريقي فريد إسحاق في كتابه «أن تكون مسلما» سنة 1999، كما ساهم في نشر هذا التصنيف عدد من المختصين الأوروبيين في الشأن الإسلامي، مثل طارق رمضان وكتابه «أن تكون مسلما أوروبيا» سنة 1999، وأوليفيه روا في كتابه «نحو إسلام أوروبي»، الذي صدر في نهاية التسعينات، وبالفرنسية أيضا.
الدراسات المذكورة آنفا كلها دراسات عن أنماط التدين أو السلوك البشري الديني، وليس عن الدين، تختلف تمثلاته باختلافات الأفراد والجماعات والثقافات لا شك.
وسنكتفي هنا بقراءة السمات المتشابهة والفارقة بين كل من «الإسلام الآسيوي» و«الإسلام الأفريقي»، وكيف تتأثر وتختلف الحركات المتشددة والمتطرفة في كل منهما عن الآخر، وفي العلاقة بالمركز الشرق الأوسطي والنموذج المهيمن في تصوراته.
أولا: التشابهات بين الإسلام الآسيوي والأفريقي:
ضبطا للاصطلاح، ينحصر مفهوم «الإسلام الآسيوي» على التمثل الإسلامي لدى المجتمعات المسلمة في جنوب شرق آسيا غالبا، وأنماط التعايش داخل حضاراتها وجماعاتها الكبيرة CIVILIZATION SINIC حسب تعبير هانتينغتون، التي تمثل الكونفوشيوسية والبوذية والهندوسية أطرها الحاكمة والغالبة تاريخيا وعصريا، والمتأثر بما يُسمى «القيم الآسيوية»، التي تُعلي قيمة العالم ومكانة الروح المصالحة بين الجماعة والفرد في إطار هذه القيم. في المقابل، ينحصر «الإسلام الأفريقي» في تمثل الإسلام وأنماط تدينه لدى الجاليات والمجتمعات المسلمة في غير الشمال الأفريقي، المنسوب لمنطقة الشرق الأوسط والإسلام العربي، وإن كان يتميز في المناطق الأكثر تحديثا، التي يمثل فيها أقلية وخاصة جنوب أفريقيا بحالة أكثر مرونة ومدنية من تلك المناطق التي يمثل غالبيتها ويجسد طموحها.
يتشابه كلا الإسلامين، الآسيوي والأفريقي، أولا في «نمط التلاقي» بين هذه المناطق والإسلام، كونه لم يكن فتوحا حربية، ولكن كان دعوة وفتوحا روحية بالأساس، عبر دعوات الدعاة والتجار والتأثيرات الاجتماعية والسلوكية للمسلمين، سواء من اليمن والجزيرة في الحالة الأولى، أو من الشمال الأفريقي في الحالة الثانية. ويمثل «التصوف» نقطة تلاق ثانية بين هذين الإسلامين، لكنه بينما كان أضعف وجاء متأثرا بالتصوف المشرقي، ومعتمدا على تراثه وأدبياته، تميز في الخبرة والتجربة الآسيوية وتبلور بشكل مستقبل واضح هناك.
أما التشابه الثالث، فهو أن كليهما اصطدم مع «تسربات وتشظيات ظاهرة الجهادية المعولمة»، وظهور حركات محافظة إصلاحية أو مجموعات متطرفة مؤمنة وداعية لإقامة الدولة الإسلامية ومرتبطة بـ«الجهادية المعولمة» وقيادتها، كـ«القاعدة» و«داعش». لكنها ظلت في الحالة الآسيوية أقل تأثيرا وأكثر محدودية في مجتمعاتها، بينما تضخمت وتصاعد تأثيرها في الحالة الإسلامية الأفريقية، شأن تنظيم «بوكو حرام» و«حركة شباب المجاهدين» وفروع «القاعدة» في الساحل والقرن الأفريقي، لاختلاف الخبرة والتاريخ وتبلور الهوية الدينية بين كليهما.
ثانيا: السمات الفارقة بين الإسلام الآسيوي والأفريقي:
يتميز الإسلام الآسيوي بأنه بعد من أبعاد الهوية، وليس بُعدها الأول أو الوحيد كما هي الحال في منطقة الشرق الأوسط، الذي يضم العالم العربي وجواره التركي والإيراني؛ حيث يعد فاعلا اجتماعيا وسياسيا في حضارات كبيرة وقديمة مستقرة، وليس فاعلا وحيدا أو متغلبا محتملا.
ولعل مما ساعد في ذلك أن الفتوحات الإسلامية لآسيا تأخرت عن مثيلتها في الجزيرة أو العراق وإيران وشمال أفريقيا. ثم إنها واجهت في الجانب الآسيوي نظما وثقافات وتراثات مكينة لم تستطع الفتوحات الإسلامية إزاحتها كليا شأن الكونفوشيوسية والهندوسية. ولقد أبهرت هذه النظم والثقافات والتراثات العلماء والرحالة المسلمين في بدايتها وكان تحولها في الغالب دعويا وسلميا، ومن ثم، أثرت طبيعة هذا التلاقي السمح في طبيعة التدين والتحول فيما بعد.
أما فيما يخص الإسلام الأفريقي، فالإسلام يُعد بُعدا أوليا أو رئيسا لدى المسلمين في القرن الأفريقي، وذابت فيه سريعا هويات كثير من القبائل والمناطق التي اعتنقته، لاسيما أنه قابل هويّات هشة وثقافات أسطورية غير مدونة، وقبائل منعزلة عن التاريخ. وبالتالي، نجح الإسلام في تحضيرها وأسس لها دولا، فعرفت مفهوم «الدولة» عن طريقه في وقت متأخر، كما هي الحال في نيجيريا أو مالي أو حتى السودان؛ إذ لا يتجاوز عدة قرون.
ومن هنا كانت فرضية إدماج الإسلام في المجتمع والجماعة والدولة، وليس إخضاع الجماعة والدولة له، سمة بارزة من سمات الإسلام الآسيوي، وهو ما يعبر عنه الخبرة الإسلامية الإندونيسية والماليزية والأقليات في الهند وغيرها بالخصوص. وفي المقابل، العكس صحيح في الحالة الأفريقية كما يعبر عنه «بوكو حرام أو «القاعدة في مالي» أو «حركة الشباب» في الصومال، وغيرها.
وفي حين تأخر تبلور الإسلام الأفريقي، وظل أكثر تأثرا بالإنتاج الشرق الأوسطي، العربي بالخصوص، تميز الإسلام الآسيوي بالتبلور الثقافي والاجتماعي، فامتلك تراثا هائلا من المؤلفات، ولا عجب، فأغلب المحدثين والفقهاء المسلمين الأقدمين ينتمون لهذه المنطقة من العالم، من البخاري والماتريدي، ولاحقا ولي الله الدهلوي حتى الآن. وكان اهتمام الهنود بعلوم الحديث والفقه معروفا بالخصوص، ومحل ثناء الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة «المنار»، ودعوة المصريين لمثل هذا الجهد في وقت مبكر، وصنعوا مدارسهم العرفانية والروحية والعلمية الخاصة، من المولوية حتى الديوبندية وغيرها، بل صنعوا رموزهم المنتمية للمكان المنفصلة عن المركز بعكس ما عليه الإسلام الأفريقي.
وبرز معبرا عن هذا النموذج مفكرون مسلمون كبار داخل الهند شأن أبي الكلام أزاد، الذي كان رفيقا للمهاتما غاندي ولال نهرو في الكفاح الاستقلال، كما كان أحد زعماء حزب المؤتمر الهندي وأحد مفسري القرآن وفقهائه، وشبلي النعماني وغيرهما، ممن لم يروا تعارضا في الإسلام بين الهوية الدينية والهوية الوطنية، والسير أحمد خان، أحد مؤسسي جامعة عليغره الإسلامية وغيرهم.
كذلك كانت غنية تجربة الإسلام التاريخية في إندونيسيا؛ حيث التقى بتاريخ طويل من التعايش السلمي الذي شمل البروتستنات والكاثوليك والهندوس والبوذيين. وهو ما جعل عديدا من الباحثين يعلق أهمية كبيرة للتعددية الدينية بوصفها عمودا من أعمدة الديمقراطية (في السياق الإندونيسي). ولذلك فإن تطور الإسلام في إندونيسيا يختلف بشكل ملحوظ عن باقي البلدان المسلمة أو الإسلامية. ومنذ العام 1945 تعد البانتشاسيلا Pancasila الأساس الفلسفي الرسمي للدولة الإندونيسية، وهي كلمة سنسكريتية - هندية قديمة - تعني «المبادئ الخمسة»، وهي على الترتيب:
1- الإيمان بإله واحد أوحد.
2- إنسانية عادلة ومتحضرة.
3- وحدة إندونيسيا.
4- الديمقراطية التي ترشدها الحكمة الجُوَّانية.
5- العدالة الاجتماعية لكل الشعب الإندونيسي.
وفي فترة الرئيس سوهارتو انتشر الفكر الليبرالي المؤمن بالتصالح بين الإسلام والقيم الآسيوية، وبرز مفكرون شأن نوري خالص بجوار أطروحاته عن ذلك معهد «فرامادينا» بهدف نشر قيم الإسلام العالمية التي لا تتعارض مع المحلية. وبهذا حاول نور خالص دمج الثقافة الإسلامية بالثقافة المحلية؛ كي لا يحدث تنافر بينهما. وهذه الفكرة تعتمد على أن تعاليم الرسالة المحمدية المنصوص عليها في القرآن والسنة، تدعو إلى القيم الحضارية لا لنبذها، والتخلي عنها. ونشط تيار الإسلام الليبرالي في البلاد الذي كان يعد من أبرز ممثليه الرئيس الأسبق لإندونيسيا عبد الرحمن وحيد الذي ألف كتابا بعنوان «وهم الدولة الإسلامية»، كما نشط تيار الإسلاميين الجمهوريين المتأثر بتجربة اليسار الإسلامي في مصر، في تركيزه على غائية بُعد العدالة الاجتماعية، ومفكرون معرفيون شأن السيد نقيب العطاس من أصحاب النقد المعرفي للتراثين الغربي والإسلامي على السواء.
إن هذا الفهم السياقي يفسر لنا كذلك تجربة «الإسلام الحضاري» في التجربة الماليزية، وما عرف من توجه الرئيس مهاتير (محضير) محمد ورفقائه، رغم تأثره الشديد بمقولات الهوية والعداء للعولمة والغرب، بما سمى «برقرطة الإسلام» Bureaucratization of Islam، أي دمج الإسلام في الجهاز البيروقراطي للدولة، كما قامت حكومة مهاتير محمد في عام 1988 باتخاذ مجموعة من الإجراءات في هذا الصدد، شملت إنشاء «مؤسسة الدعوة»، لتكون مسؤولة عن تنسيق أنشطة الدعوة داخل ماليزيا، و«أسلمة» شكلية لمؤسسات الإعلام كإلزام مقدمات النشرات بوضع غطاء للرأس، والدعوة المستمرة لذلك.
بيد أن مهاتير محمد، الذي تولى الحكم سنة 1981، لم يستطع الذهاب في تلك السياسة إلى حد إقامة دولة إسلامية، أو تطبيق الشريعة، باستثناء إعلان الحكومة في مايو (آيار) 1992 استعدادها لتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل تدريجي، وذلك ردا على إعلان الحزب الإسلامي خطته لتطبيق الشريعة في ولاية كيلانتان، بعد نجاحه في السيطرة على مقاعد الولاية في انتخابات 1990. كذلك، لم يستطع التمادي والتوسع في سياسة «أسلمة» السياسات الحكومية، مراعاة لأوضاع غير المسلمين الذين يشكلون حوالي نصف سكان ماليزيا، كما يذكر محمد فايز في دراسة له. ولقد وصفت السياسات الحكومية حينها بأنها عملية «أسلمة الأجهزة الحكومية» أو «برقرطة للإسلام» على نحو أدى إلى إثارة التساؤلات حول طبيعة النظام السياسي الماليزي وحزب أومنو الذي رفع شعار «الإسلام الحضاري». ومن ثم، التمايز بينه وبين الحزب الإسلامي، الذي يهدف إلى تطبيق الشريعة، وإن رفع شعار «الإسلام للجميع»، والمؤسس منذ أربعينات القرن الماضي. وكان يعد المعارضة الرئيسية في البلاد، رغم ما يطرحه من أطروحات تقدمية في مجال المساواة الإنسانية طمأنة للأعراق الأخرى، وفي الاقتصاد والمرأة تتفوق على ما يطرحه الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. ولوحظ في النموذج الآسيوي بعموم محدودية تأثير حركات الإسلام السياسي والمتطرف، مثل الخلايا التابعة لـ«داعش» في إندونيسيا، أو جماعة (أبو بكر) باعشير الهادفة لتأسيس دولة في جنوب شرق آسيا، ولقد بايعت «داعش» عام 2014، وكذلك «جماعة المجاهدين الماليزيين». فكل منها لا يتعدى عدد أعضائه بضع مئات، وما زال طموح الدولة أو الإمارة الدينية بعيدا عن أجندته وطموحه على العكس من حركات متطرفة في أفريقيا شأن «بوكو حرام» أو «حركة شباب المجاهدين».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.