تشكيل المجلس العسكري والتقدم في جنيف رهن بإنجاز القوى الكبرى «واجباتها المنزلية»

الهيئة العليا للتفاوض نفت علمها بالأمر ومصادر من موسكو لا تستبعد اقتراحًا حوله

تشكيل المجلس العسكري والتقدم في جنيف رهن بإنجاز القوى الكبرى «واجباتها المنزلية»
TT

تشكيل المجلس العسكري والتقدم في جنيف رهن بإنجاز القوى الكبرى «واجباتها المنزلية»

تشكيل المجلس العسكري والتقدم في جنيف رهن بإنجاز القوى الكبرى «واجباتها المنزلية»

عشية انطلاق جولة جديدة من المفاوضات السورية في جنيف، طفا على السطح من جديد، الحديث عن تشكيل مجلس عسكري مشترك بين المعارضة السورية ونظام الأسد، وهو الاقتراح الذي تبناه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا صيف العام الماضي، ضمن رؤيته للآليات الممكنة لتنفيذ «بيان جنيف». وإذ وضع دي ميستورا حينها تطبيق رؤيته رهنًا بالدعم الدولي والإقليمي، داعيًا إلى تشكيل مجموعة اتصال حول سوريا تضم القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الأزمة السورية، فقد اقترح في رؤيته آنذاك تشكيل ثلاثة أجسام، هي هيئة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة عدا «الصلاحيات البروتوكولية»، وتشكيل «مجلس عسكري مشترك» ينسق عمل الفصائل المسلحة من قوات نظامية وفصائل معارضة ويشرف على إصلاح أجهزة الأمن، إضافة إلى مؤتمر وطني وصولاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة.
إلا أن الجديد في الأفكار التي تناقلتها وسائل إعلام بهذا الصدد نقلاً عما قالت إنها مصادر دبلوماسية، فهو أن يتم تشكيل مجلس عسكري يكون أقرب إلى الحكومة العسكرية يضم ممثلين عن المعارضة والنظام ويشرف على مجمل جوانب المرحلة الانتقالية، مقابل تجاوز مسألة تشكيل هيئة حكم انتقالي، وهذا كله عبارة عن اقتراح روسي يُقال إن وفدًا يمثل مختلف مجموعات المعارضة السورية، بما في ذلك الهيئة العليا للمفاوضات، سيتجه إلى موسكو لبحثه مع الرئيس بوتين شخصيًا. وريثما يتسنى الحصول على معلومات دقيقة تؤكد أو تنفي صحة ما تتناقله وسائل إعلام، فإن تصريحات سابقة لمسؤولين روس تدفع إلى الاعتقاد بعدم استبعاد أن تكون موسكو قد تقدمت فعلاً باقتراح كهذا، لا سيما أنها كانت قد عرضت في وقت سابق وسعت إلى تطبيق الفكرة. وكان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي قد أكد في حوار صحافي أجرته معه وكالة ريا نوفوستي في شهر أغسطس (آب) العام الماضي، أن الأفكار التي عرضها دي ميستورا ضمن رؤيته لآليات تنفيذ «بيان جنيف» هي «أيضًا أفكار روسية قديمة»، مشددًا على أن دي ميستورا حدد أن التصدي للإرهاب مهمة رئيسية من مهام المجلس العسكري بناء على إصرار روسي.
وبينما نفى رياض نعسان آغا، المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، علم الهيئة بالاقتراح الروسي الذي تناولته وسائل إعلام، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الموضوع ليس مطروحًا على الهيئة»، وأنه «لا توجد دعوة أصلاً» لزيارة موسكو، نافيًا إمكانية أن يتجه أعضاء من الهيئة إلى موسكو بصورة شخصية.
ولم يستبعد مصدر مطلع في العاصمة الروسية احتمال أن تكون موسكو قد تقدمت باقتراح كهذا، لافتًا إلى أن الدبلوماسية الروسية تمتلك دومًا أكثر من خيار للتعامل مع الوضع وفق التطورات. أما فكرة تشكيل مجلس عسكري فهي تعود بالأساس إلى إدراك لدى الكثيرين في الأوساط السياسية الروسية لحقائق عدة، منها أن المسالة الأكثر تعقيدًا التي ستواجه الوسطاء هي إقناع القوى التي تحمل السلاح بالعمل تحت قيادة موحدة بما يضمن ضبط السلاح، وعدم دخول البلاد في حالة فوضى خلال مراحل الحل السياسي، وإبعاده عن التأثير في العملية السياسية، وذلك بتوجيهها نحو عدو مشترك متمثلاً في «داعش» وغيره من جماعات إرهابية، حسب قول المصدر الذي أعاد إلى الأذهان أن مثل هذه الاقتراحات تتناسب تمامًا مع اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتشكيل جبهة موحدة للتصدي للإرهاب. ورأى المصدر أن تشكيل مجلس عسكري موحد في سوريا يخضع لسلطاته كل من يحمل السلاح من السوريين، خطوة مهمة، ولن يكون من السهل تنفيذها على أرض الواقع، لكنها ستساهم في استعادة الاستقرار الداخلي بسرعة.
وحول كيفية تجسيد اقتراح كهذا على أرض الواقع، أشار المصدر إلى أنه «وبحال ثبت أن القيادة الروسية تسعى إلى تنفيذ المقترح، فهي لن تفرضها فرضًا على الأطراف السورية، بل ستبحث تفاصيلها مع القوى التي يحتمل أن تشارك ضمن المجلس العسكري، وسيتم الأمر بموافقة تلك القوى وبتوافق لاحقًا بينها وبين نظام الأسد». بالمقابل يؤكد المصدر أن روسيا في خطوة من هذا النوع، كما فعلت في كل خطواتها السابقة في جهود التسوية السورية «ستحرص على أن يحظى اقتراحها منذ البداية وفي كل مراحل تنفيذه، بتأييد ودعم دوليين وإقليميين، لإدراكها أهمية توفر غطاء إيجابي دولي وإقليمي كضمانة لتحقيق أعلى مستويات النجاح في تجسيد الاقتراح على أرض الواقع السوري المعقد جدًا»، حسب وصفه.
في غضون ذلك، يرى مراقبون أن الحديث الآن عن تشكيل مجلس عسكري موحد ليس بالأمر الجديد، وقد تبحثه الأطراف في سياق العملية التفاوضية، معربين في غضون ذلك عن اعتقادهم بأن تشكيل مجلس عسكري أمر غير ممكن حاليًا، نظرًا لغياب الوضوح حول القضايا ذات التأثير المصيري على الجولة المقبلة من المفاوضات السياسية وكذلك على مجمل التسوية السورية. وأهم العقبات وفق ما يرى المراقبون هي، أولاً: غياب وضوح بشأن الخريطة التي لم يتمكن الروس والأميركيون من وضعها حتى الآن وتحدد بوضوح مناطق سيطرة مختلف القوى، بغية تحديد المناطق التي لن يشملها وقف إطلاق النار. ثانيًا: صمت روسي - أميركي حتى الآن حول نتائج محادثات تجري بين خبراء روس وأميركيين حول اتفاق على آليات مراقبة وقف إطلاق النار والإجراءات العقابية بحق من ينتهكه. ثالثًا: عدم صدور قائمة المجموعات الإرهابية في سوريا على الرغم من أن أوليغ سيريمولوتوف، نائب وزير الخارجية الروسي، كان قد أكد في تصريحات له يوم 28 مارس (آذار) الماضي أن القائمة باتت جاهزة عمليًا. أي أن هذا الأمر وأي تقدم أو تطور في المفاوضات لتسوية الأزمة السورية متوقف اليوم إلى حد بعيد على إنجاز القوى الكبرى «واجباتها المنزلية» كما حددتها المجموعة الدولية لدعم سوريا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.