لماذا ينبغي التنديد بالهجوم على مكتب جريدة «الشرق الأوسط» في بيروت، وعدم اعتباره حدثًا عاديًا ضمن سلسلة من الأحداث غير المعقولة التي تتزايد في منطقتنا يومًا بعد يوم؟
الحادث أكبر من كونه تعبيرا «منفلتًا» عن الرأي، وهو يفوق كونه اعتداءً جرميًا تتم معالجته عبر أجهزة القضاء والشرطة. هو أكبر من ذلك، لأنه يتصل بثقافة عامة لا تولي احترامًا لوسائل الإعلام إلا بمقدار ما تتفق معها. الناس تريد الصحافة صوتًا لهم، وهذا حقهم، بل هذه الوظيفة الأولى للصحافة ووسائل الإعلام أن تكون صوتًا للناس وتعبيرًا عنهم، ودفاعًا عن قضاياهم. لكّن البعض لا يريد الصحافة ضميرًا جمعيا، بل تعبيرًا خاصًا عنه وعما ينتمي، وهذه ليست وظيفة الصحافة أن تكون جزءا من أي انقسام، أو تعبيرًا عن أي تحزب أو تخندق أو انتماء فرعي.
مهمة الصحافة مقدسة لأنها تحاول أن تكون صوت الحقيقة، والحقيقة أولى ضحايا الحروب والنزاعات. ولا يمكن أن تؤدي الصحافة رسالتها والصحافي يشعر بالخوف والتهديد والترهيب. كان السائد أن الحكومات هي التي تمارس التخويف والقمع ضد الصحافة من أجل احتكارها ومنعها من قول الحقيقة. وسجل الحكومات في العالم العربي والشرق الأوسط ليس نظيفًا في هذا السياق. لكّن اليوم نواجه تهديدًا من نوع آخر، تهديد الجمهور الذي يفتئت على سلطة الدولة والقضاء والقانون، ويعتدي على الصحافة ويقمع حريتها. هذا تهديد مسكوت عنه، وهو متصل بالثقافة التي ننشأ عليها، والتي لا تولي بالاً للاختلاف، ولا للقبول بالرأي الآخر.
لا يعني أن الصحافة لا تخطئ، أو أن رجالها معصومون ومنزهون، ولكنها تعبير عن الرأي، ولا يمكن مواجهة الرأي بالاعتداء والبلطجة. وإذا كانت الصحافة مهمة للناس العاديين، فهي لأولئك الذين يحملون شعارات وطنية وإصلاحية أكثر أهمية، لأن الصحافة هي سندهم، والحرية التي تتمتع بها هي ضمانة لهم، فكيف يخربون بيوتهم بأيديهم؟.
إن الحق في التعبير وحرية تدفق المعلومات، حق أصيل من حقوق الإنسان، كفلته المواثيق الدولية، حيث قررت الهيئة العامة للأمم المتحدة في أول اجتماع لها في 14 / 12 / 1946 أن: (حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة). وحين صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 نصّت المادة 19: (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأي وسيلة دون التقيّد بالحدود الجغرافية).
وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1966، نصّت المادة 19 أيضًا منه، أن: (لكل إنسان الحق في حرية التعبير مما يوليه الحرية في طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأي وسيلة يختارها).
ولا يوجد أكثر وضوحًا من قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 2010، الذي ينصّ: «يلزم لحرية الصحافة حماية خاصة كي تتمكن من لعب دورها الحيوي المنوط بها، وتقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام».
لذلك، فإن الاعتداء على «الشرق الأوسط»، ليس جرمًا عاديًا، لأنه يتصل بعلاقتنا مع حرية الرأي والتعبير، كعنوان عريض لحقوق الإنسان وكرامته، ومتى ما تعرضت الصحافة للاعتداء، وتعرض الصحافي للقمع والتخويف، كانت الحقيقة أولى الضحايا.
إنهم يخوفون الصحافة!
إنهم يخوفون الصحافة!
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة