القوى السياسية تحاصر «الدعوة».. بعد عقد من هيمنته على السلطة في العراق

المجلس الأعلى بزعامة الحكيم يطرح مبادرة تضع العبادي أمام ثلاثة خيارات

القوى السياسية تحاصر «الدعوة».. بعد عقد من هيمنته على السلطة في العراق
TT

القوى السياسية تحاصر «الدعوة».. بعد عقد من هيمنته على السلطة في العراق

القوى السياسية تحاصر «الدعوة».. بعد عقد من هيمنته على السلطة في العراق

من خيام الاعتصامات قبالة المنطقة الخضراء إلى الغرف المغلقة، انتقلت الأزمة السياسية في العراق. فبعد أيام من قيام الكتل السياسية بتنفس الصعداء بعد رفع زعيم التيار الصدري خيمته داخل الخضراء وخيام أنصاره على أبوابها يبدو أن الأوضاع تتجه صوب أزمة جديدة قوامها الصراع بين إرادتين الأولى تذهب باتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة برئاسة رئيس الوزراء والقيادي البارز في حزب الدعوة حيدر العبادي، وهو ما لا يعارضه مقتدى الصدر إلى حد بعيد، أو حكومة جديدة مستقلة برئاسة العبادي في حال استقال من «الدعوة»، أو الذهاب إلى اختيار رئيس جديد للوزراء وهو ما تنص عليه مبادرة زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم التي بدأ بتسويقها خلال اليومين الماضيين بينما بدأت اللجان البرلمانية تدرس سير المرشحين التكنوقراط الذين سلم العبادي أسماءهم إلى البرلمان الأسبوع الماضي.
العبادي سارع إلى رفض مبادرة الحكيم حتى قبل وصولها إليه، معلنا في بيان لمكتبه الإعلامي أنه لا يتبنى أي مبادرة أخرى خارج إطار ما طرحه في البرلمان. من جهته، حذر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم من أزمات «محدقة» بالعملية السياسية في العراق، داعيا إلى الالتزام بالدستور في إجراء الإصلاحات. وشدد معصوم في بيان لرئاسة الجمهورية خلال لقائه وزراء ورؤساء الكتل الكردستانية في بغداد على «ضرورة الالتزام بالدستور في إجراء الإصلاحات وتنشيط اللقاءات وتشجيع الحوار البناء لمعالجة كل الإشكاليات»، داعيا إلى «إنقاذ العملية السياسية من الأزمات التي تحدق بها».
وفي هذا السياق أكد شروان الوائلي المستشار في رئاسة الجمهورية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ردا على سؤال بشأن الدوافع التي جعلت الرئيس معصوم يحذر مما سماه المخاطر، أن «تحذير الرئيس بوصفه راعي الدستور ورأس الدولة يأتي بعد صدور دعوات من هنا وهناك وبعضها حتى من داخل البرلمان بالذهاب نحو حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور والذهاب إلى أحكام عرفية، وهو ما يعني انهيار العملية السياسية في العراق برمتها». وأضاف الوائلي الذي كان يشغل منصب وزير الأمن الوطني في حكومة نوري المالكي الأولى أن «الأمور في البلد لم تصل إلى مرحلة تستدعي طرح مثل هذه التصورات وبالتالي فإن الحكمة تقتضي الالتزام بالدستور وثوابت العملية السياسية».
ويأتي ذلك في وقت بدأت فيه الكتل السياسية محاصرة حزب الدعوة الذي يقود الحكومة في العراق منذ عام 2005 وحتى اليوم من خلال 3 رؤساء وزارات ينتمون إليه (إبراهيم الجعفري 2005-2006، ونوري المالكي 2006-2014، وحيدر العبادي 2014 وحتى اليوم)، وهو ما جعله يتغول في كل أجهزة ومؤسسات الدولة.
لكن عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون القيادية في حزب الدعوة إقبال عبد الحسين أكدت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عدم صحة ما يقال بشأن «تغول الدعوة في مختلف الدوائر والمؤسسات وهو كلام عار عن الصحة تماما لأن الجميع يعرف أن المناصب حتى على صعيد وكلاء الوزارات والمديرين العامين هي الأخرى مقسمة حسب المحاصصة العرقية والطائفية، وبالتالي لا يوجد شيء إضافي لـ(الدعوة) على حساب سواه لكنه بوصفه الكتلة الأكبر سواء داخل البرلمان أو في ائتلاف دولة القانون، فإن ما يحصل عليه يدخل في إطار الاستحقاق الانتخابي». وأضافت أن «حزب الدعوة لديه 56 مقعدا نيابيا ضمن ائتلاف دولة القانون وهو ما يجعله الائتلاف الأكبر. وبالتالي فإن كل ما يعملون عليه الآن هو محاولة تشويه صورة حزب الدعوة وتهميشه».
وردا على سؤال حول إصرار «الدعوة» على عدم استقالة العبادي وتفرغه لرئاسة الوزراء قالت إقبال عبد الحسين إن «حزب الدعوة ليس من يصر على بقاء العبادي بل هو الذي لا يريد الاستقالة من الحزب».
وفي وقت يرفض العبادي الاستقالة من الدعوة، فإنه - وطبقا لما تم تداوله في الاجتماع الخاص للتحالف الوطني وأبلغ به «الشرق الأوسط» مصدر مطلع - فإن «كلا من وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي هو رئيس التحالف الوطني، ووزير التعليم العالي حسين الشهرستاني الذي يرأس كتلة «مستقلون» داخل ائتلاف دولة القانون أسمعا العبادي خلال الاجتماع كلاما صريحا بشأن الأزمة وحملاه مسؤولية ما طرحه على صعيد التغيير الجوهري». وأضاف أن «كلا منهما رفض شموله بالتغيير الوزاري وهو ما دعا العبادي إلى تقليص العدد من 13 وزيرا إلى 11 وزيرا قبل أن يغير موقفه ويطالب بتغيير كل الكابينة الوزارية من خلال السير الذاتية التي وزعها والتي استثنى منها وزارتي التجارة والصناعة فقط».
وبينما طرح المجلس الأعلى مبادرته الجديدة التي تمثل حصارا لافتا للعبادي وحزب الدعوة فإن ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه إياد علاوي انضم إلى الكتل المطالبة بشمول العبادي بالتغيير الوزاري. وقال الائتلاف في بيان له أمس إن «حكومة المستقلين ينبغي أن لا تقتصر على الوزراء فحسب، وإنما تشمل رئيس مجلس الوزراء أيضًا، بالإضافة إلى الدرجات الخاصة والهيئات المستقلة والمديرين العامين والمؤسسات الأمنية وكل التعيينات بالوكالة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.