من خيام الاعتصامات قبالة المنطقة الخضراء إلى الغرف المغلقة، انتقلت الأزمة السياسية في العراق. فبعد أيام من قيام الكتل السياسية بتنفس الصعداء بعد رفع زعيم التيار الصدري خيمته داخل الخضراء وخيام أنصاره على أبوابها يبدو أن الأوضاع تتجه صوب أزمة جديدة قوامها الصراع بين إرادتين الأولى تذهب باتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة برئاسة رئيس الوزراء والقيادي البارز في حزب الدعوة حيدر العبادي، وهو ما لا يعارضه مقتدى الصدر إلى حد بعيد، أو حكومة جديدة مستقلة برئاسة العبادي في حال استقال من «الدعوة»، أو الذهاب إلى اختيار رئيس جديد للوزراء وهو ما تنص عليه مبادرة زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم التي بدأ بتسويقها خلال اليومين الماضيين بينما بدأت اللجان البرلمانية تدرس سير المرشحين التكنوقراط الذين سلم العبادي أسماءهم إلى البرلمان الأسبوع الماضي.
العبادي سارع إلى رفض مبادرة الحكيم حتى قبل وصولها إليه، معلنا في بيان لمكتبه الإعلامي أنه لا يتبنى أي مبادرة أخرى خارج إطار ما طرحه في البرلمان. من جهته، حذر رئيس الجمهورية فؤاد معصوم من أزمات «محدقة» بالعملية السياسية في العراق، داعيا إلى الالتزام بالدستور في إجراء الإصلاحات. وشدد معصوم في بيان لرئاسة الجمهورية خلال لقائه وزراء ورؤساء الكتل الكردستانية في بغداد على «ضرورة الالتزام بالدستور في إجراء الإصلاحات وتنشيط اللقاءات وتشجيع الحوار البناء لمعالجة كل الإشكاليات»، داعيا إلى «إنقاذ العملية السياسية من الأزمات التي تحدق بها».
وفي هذا السياق أكد شروان الوائلي المستشار في رئاسة الجمهورية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ردا على سؤال بشأن الدوافع التي جعلت الرئيس معصوم يحذر مما سماه المخاطر، أن «تحذير الرئيس بوصفه راعي الدستور ورأس الدولة يأتي بعد صدور دعوات من هنا وهناك وبعضها حتى من داخل البرلمان بالذهاب نحو حل البرلمان وتعليق العمل بالدستور والذهاب إلى أحكام عرفية، وهو ما يعني انهيار العملية السياسية في العراق برمتها». وأضاف الوائلي الذي كان يشغل منصب وزير الأمن الوطني في حكومة نوري المالكي الأولى أن «الأمور في البلد لم تصل إلى مرحلة تستدعي طرح مثل هذه التصورات وبالتالي فإن الحكمة تقتضي الالتزام بالدستور وثوابت العملية السياسية».
ويأتي ذلك في وقت بدأت فيه الكتل السياسية محاصرة حزب الدعوة الذي يقود الحكومة في العراق منذ عام 2005 وحتى اليوم من خلال 3 رؤساء وزارات ينتمون إليه (إبراهيم الجعفري 2005-2006، ونوري المالكي 2006-2014، وحيدر العبادي 2014 وحتى اليوم)، وهو ما جعله يتغول في كل أجهزة ومؤسسات الدولة.
لكن عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون القيادية في حزب الدعوة إقبال عبد الحسين أكدت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عدم صحة ما يقال بشأن «تغول الدعوة في مختلف الدوائر والمؤسسات وهو كلام عار عن الصحة تماما لأن الجميع يعرف أن المناصب حتى على صعيد وكلاء الوزارات والمديرين العامين هي الأخرى مقسمة حسب المحاصصة العرقية والطائفية، وبالتالي لا يوجد شيء إضافي لـ(الدعوة) على حساب سواه لكنه بوصفه الكتلة الأكبر سواء داخل البرلمان أو في ائتلاف دولة القانون، فإن ما يحصل عليه يدخل في إطار الاستحقاق الانتخابي». وأضافت أن «حزب الدعوة لديه 56 مقعدا نيابيا ضمن ائتلاف دولة القانون وهو ما يجعله الائتلاف الأكبر. وبالتالي فإن كل ما يعملون عليه الآن هو محاولة تشويه صورة حزب الدعوة وتهميشه».
وردا على سؤال حول إصرار «الدعوة» على عدم استقالة العبادي وتفرغه لرئاسة الوزراء قالت إقبال عبد الحسين إن «حزب الدعوة ليس من يصر على بقاء العبادي بل هو الذي لا يريد الاستقالة من الحزب».
وفي وقت يرفض العبادي الاستقالة من الدعوة، فإنه - وطبقا لما تم تداوله في الاجتماع الخاص للتحالف الوطني وأبلغ به «الشرق الأوسط» مصدر مطلع - فإن «كلا من وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي هو رئيس التحالف الوطني، ووزير التعليم العالي حسين الشهرستاني الذي يرأس كتلة «مستقلون» داخل ائتلاف دولة القانون أسمعا العبادي خلال الاجتماع كلاما صريحا بشأن الأزمة وحملاه مسؤولية ما طرحه على صعيد التغيير الجوهري». وأضاف أن «كلا منهما رفض شموله بالتغيير الوزاري وهو ما دعا العبادي إلى تقليص العدد من 13 وزيرا إلى 11 وزيرا قبل أن يغير موقفه ويطالب بتغيير كل الكابينة الوزارية من خلال السير الذاتية التي وزعها والتي استثنى منها وزارتي التجارة والصناعة فقط».
وبينما طرح المجلس الأعلى مبادرته الجديدة التي تمثل حصارا لافتا للعبادي وحزب الدعوة فإن ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه إياد علاوي انضم إلى الكتل المطالبة بشمول العبادي بالتغيير الوزاري. وقال الائتلاف في بيان له أمس إن «حكومة المستقلين ينبغي أن لا تقتصر على الوزراء فحسب، وإنما تشمل رئيس مجلس الوزراء أيضًا، بالإضافة إلى الدرجات الخاصة والهيئات المستقلة والمديرين العامين والمؤسسات الأمنية وكل التعيينات بالوكالة».
القوى السياسية تحاصر «الدعوة».. بعد عقد من هيمنته على السلطة في العراق
المجلس الأعلى بزعامة الحكيم يطرح مبادرة تضع العبادي أمام ثلاثة خيارات
القوى السياسية تحاصر «الدعوة».. بعد عقد من هيمنته على السلطة في العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة